المقالات القانونية

الدكتور عادل عامر | يكتب لقاضي أون لاين عن المسئولية التأديبية والجنائية عن حوادث القطارات

أن المنظومة المطبقة حاليًا بالسكة الحديد سواء الربط الكهربائي أو الميكانيكي تعتمد على العنصر البشري اعتمادًا كليًا لتطبيق المنظومة فإنه وفقًا للبيان الرسمي المقدم من المختصين فإن وظائف التشغيل الأساسية والتي يعتمد عليها مسير القطارات عددها 5333 والعجز في هذه الوظائف يبلغ 7786 وهو ما يترتب عليه تشغيل هذه العمالة 12 ساعة وراحة 12 ساعة وراحة 24 ساعة وفي حالات الضرورة يتم تشغيلها 12 ساعة وراحة 12 ساعة، ومن المفارقات العجيبة أن عدد العاملين بهيئة السكك الحديدية يتجاوز 52 ألف عامل في حين من يتولى التشغيل لا يتجاوز عددهم 6 الأف عامل وهو ما يؤكد الفساد الذي كانت تحيا فيه السكة الحديد في العقود الثلاثة الأخيرة.

يمنع القانون منعاً مطلقاً إقامة مصانع أو الترخيص بأنشطة خطرة أو مقلقة للراحة في المناطق المخصصة للسكنى . وعلي الرغم من ذلك تستشري هذه الظاهرة في تسيب واضح وتغاضى  عن تطبيق القانون فساداً أو إهمالاً  في حواضر مصر وريفها .

ونتيجة لذلك تأتى الكوارث تتري يفقد فيها الأبرياء حياتهم ، ومن ينجو يفقد ماله وكل ما يملك ، وقد يعيش مريضاً أو عاجزاً إنما شُرع القانون لحماية الناس ، ووجدت الحكومة وخُولت سلطاتها لتطبيقه ، وتدور مشروعيتها في إطاره . رحم الله شهداء عمارة مصر الجديدة

رحم الله شهداء حادث قطاري سوهاج وخالص العزاء لأسرهم ، وخالص الدعوات للمصابين بالشفاء العاجل . قيم المحاسبة والانضباط يجب أن تسود في أي منظومة ضماناً لنجاحها . تكرار الحوادث وتماثلها يعنى أن الخلل في الإدارة ، وهو الأمر الذى يستدعى تحديثها وميكنتها وفرض الالتزام علي كافة عناصرها الفنية والبشرية والإدارية

أن مسئولية المتبوع عن أعمال تابعه غير المشروعة مسئولية تبعية مقررة لمصلحة المضرور وتقوم على فكرة الضمان القانوني فالمتبوع يعتبر في حكم الكفيل المتضامن كفالة مصدرها القانون وليس العقد كما وأن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن للمضرور من الحادث الذي يقع من سيارة مؤمن عليها تأميناً إجبارياً أن يرجع – طبقاً لأحكام القانون رقم 652 لسنة 1955 بشأن التأمين الإجباري من المسئولية المدنية الناشئة عن حوادث السيارات على شركة التأمين بدعوى مباشرة لاقتضاء التعويض عن الضرر

الذي أصابه نتيجة الحادث مستمداً حقه في ذلك من القانون مباشرة طالما ثبتت مسئولية قائدها عن الضرر، فإن مفاد ذلك أن القانون قد أجاز للمضرور – أو ورثته – الرجوع على المتبرع لاقتضاء التعويض منه باعتباره مسئولاً عن أعمال تابعه غير المشروعة طبقاً لأحكام المسئولية التقصيرية،

وأجاز له في ذات الوقت الرجوع مباشرة على شركة التأمين لاقتضاء هذا التعويض منها باعتبار أن السيارة مرتكبة الحادث مؤمن عليها لديها وثبتت مسئولية قائدها عن الضرر على النحو السالف بيانه، وبذلك يصبح للمضرور مدينين بالتعويض المستحق له وكلاهما مدين بدين واحد له مصدران مختلفان ومن ثم تتضامم ذمتهما في هذا الدين دون أن تتضامن إذ الالتزام التضامني يقتضي وحدة المصدر وأن كلاً منهما ملزم في مواجهة المضرور بالدين كاملاً غير منقسم وللدائن أن يوجه مطالبته إلى من يختاره منهما على انفراد أو إليهما مجتمعين وإذا استوفى دينه من أحدهما برئت ذمة الآخر، وإذ لم يستوف حقه كاملاً من أحدهما رجع بالباقي على المدين الآخر ويتوقف رجوع من يوفى منهما بكامل الدين أو بعضه على الآخر على ما قد يكون بينهما من علاقة، لما كان ذلك

وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر وقضى بتأييد الحكم المستأنف الذي ألزم الشركة الطاعنة بأداء التعويض إلى المطعون ضدهما الأول والثاني باعتبارها مسئولة عن أعمال تابعها – المطعون ضده الرابع – الذي تسبب في الحادث بعمله غير المشروع وذلك بالتضامم مع شركة التأمين المطعون ضدها الثالثة الملزمة أيضاً بالتعويض وفقاً لقانون التأمين الإجباري من المسئولية المدنية الناشئة عن حوادث السيارات فإنه يكون قد وافق صحيح القانون ويضحى النعي على غير أساس.

لم تكن حادثة قطار سوهاج الأولى من نوعها ولن تكن الأخيرة رغم فداحة الخطب الذى ألمَّ بالشعب المصرى بأسره، جراء تلك الفاجعة المروعة التي ندعو الله أن يرحم ضحاياها ويسبغ الشفاء العاجل على المصابين.

والحقيقة أن ما شهدته مصر خلال السنوات الماضية يكشف عن تعددية الأسباب وراء حوادث القطارات، ما بين حوادث تقع بالتصادم بين قطارين، وأخرى تقع بناء على تجاوز القطارات لسيمافورات الإنذار، وانفصال القطارات على جميع الخطوط، وتجاوز أرصفة المحطات، والحرائق، وحوادث تقوم بناء على اصطدام القطارات عبر المزلقانات والمنافذ.

ومن هذا المنطلق، نصبح إزاء واقع يستوجب فيه البحث عن بعدين مهمين: الأول يتعلق بالدور المنوط بالدولة والمجتمع القيام به إزاء مثل تلك الحوادث، إذ يبرز التكاتف والتعاضد بين الجميع لتخفيف تداعيات تلك الفاجعة على المكلومين والمصابين، وهو ما تجلى بصورة واضحة في الموقف الانسانى الذى عبر عنه الرئيس عبد الفتاح السيسى عقب وقوع الحادث مباشرة وتوجيهاته للحكومة بسرعة التحرك، وهو ما حدث بالفعل مع التواجد المباشر لبعض الوزراء في الحادث للوقوف على أخر المستجدات ولمعاونة المسئولين في القيام بمهامهم. ولم يقتصر التكاتف على الموقف الرسمي فحسب، بل كان للمواطنين دورا مهما في المعاونة الكاملة لجهود الحكومة.

أما البعد الثانى يتعلق بالمسئولية عن الحادث، وهنا تتوزع المسئولية ما بين مسئولية سياسية وأخري جنائية، وإذا تعلقت الأولى بمسئولية الوزير المعنى وهو ما يجعله مسئولا عن الحادث سياسيا ضمن مسئولياته عن أداء تلك الوزارة التي تواجه مشكلات جمة وتحديات عدة، فإن المسئولية الثانية تتعلق بأداء الموظف الحكومي الذى لا يراعى عمله ولا يؤدى أمانته على الوجه الاكمل، إذ ان الإهمال هو تقصير في الأداء البشرى ينتج عنه كارثة يدفع ثمنها مواطنين أبرياء، وهو ما يستوجب أن يكون هناك عقاب رادع للجميع حتى تؤتى سياسة العقوبة مردودها.

نهاية القول إن حادثة قطار سوهاج هي حادثة كاشفة كما يقول القانونيون، فقد كشفت عن أنه رغم كل الجهود المبذولة في النهوض بأوضاع السكة الحديدية وتطوير قدرات موظفيها، إلا أن الأوضاع لا تزال تحتاج إلى رؤية متكاملة لكيفية تطوير منظومة العمل برمتها بما يضمن وجود نظام يوزع المهام ويحدد الاختصاصات ويكشف عن القصور في الأداء ليضع الجميع امام مسئولياته ويتحمل تبعات الخلل بأدائها، هذا هو الدرس الأول والاهم للاستفادة من تلك الكارثة الإنسانية إذا أردنا ألا تتكرر

الخطأ التأديبي لا يخضع لقاعدة لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص كما هو الشأن في الجريمة الجنائية فالموظف عليه أن يتجنب الواقع في كل ما يعتبر أخلالاً منه بواجب من الواجبات الوظيفية سوأ كان هذا الإخلال بفعل ايجابي أو كان بفعل سلبي ويكون هذا الخطأ مستوجباً لقيام المسؤولية الإدارية سواء نتج عنه ضرر أم لا .

فالضرر يكون مفترضاً لكونه اثر للإخلال بواجبات الوظيفة باعتباره إخلالاً بالصالح العام .أما تقدير ما إذا كان فعل الموظف يشكل خطأ تأديبياً أم لا فالأمر لا يخرج عن معيارين استند إليهما الفقه في قياس سلوك الموظف المنحرف .

فالخطأ قد يقاس بمعيار شخصي ومضمونة أن ينظر إلى سلوك الموظف المخطئ ويوزن في ظروف معينة فيعتبر مخطئا إذا كان سلوكه دون المعتاد منه في مثل تلك الظروف

ولاشك أن هذا المعيار منتقد فهو يجعل الموظف النشيط الدائب في العمل يؤاخذ على إهماله اليسير غير المعتاد منه أما الموظف المهمل فلا يسال عن إخلاله بواجبه ما دام إهماله معتاد وهذه نتيجة غريبة لا يمكن معها الاعتماد على هذا المعيار في قياس الموظف أما المعيار الأخر وهو المعيار الموضوعي فينظر فيه إلى الفعل الذي ارتكبه الموظف ويقاس وفق المألوف من سلوك الموظف المعتاد , في ذات فئة الموظف الذي يراد قياس سلوكه فيعتبر الموظف مخطأ إذا خرج عن هذا المألوف وهذا المعيار هو السائد العمل فيه فقهاً وقضاء

, فالمعيار الموضوعي معيار واقعي يراعى في التطبيق الظروف التي صدر فيها التصرف من ناحية الموظف الذي قام بالفعل من حيث سن الموظف وحالته الصحية وجنسه ومن ناحية الزمان والمكان والبيئة وافتراض أن الموظف المعتاد أحاطت به نفس الظروف التي أحاطت الموظف الذي ينسب الخطأ إليه ويوزن التصرف في هذا الأساس فإذا كان تصرف الموظف المعتاد مشابها لتصرف الموظف المخطئ فلا مسؤولية على الأخير أما لو حصل العكس فان الموظف يعتبر مرتكباً لخطأ يستوجب المسألة التأديبية , فالمعيار الموضوعي لم يعد معيار موضوعياً خالصاً فهو موضوعي في الأساس إلا انه شخصي عندما يقيس ظروف الموظف المخطئ الذي يتعين الاعتماد عليه وهذا المعيار هو الأقدر على تقرير متى يعتبر الموظف مخالفا لواجباته الوظيفية ومتى يمكن مساءلته تأديبياً .

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى