محكمة النقض تصدر حكم ينقذ سيدة من حبل المشنقة
محكمة النقض تصدر حكم ينقذ سيدة من حبل المشنقة
أصدرت الدائرة الجنائية “ب” – بمحكمة النقض – حكما فريدا من نوعه، أنقذت فيه “سيدة” من حبل المشنقة،
بإلغاء حكم محكمة الجنايات القاضي بإعدامها شنقا على خلفية اتهامها بقتل شخص عمدا بطريق “السم”،
مستندة على أن التحريات وحدها وأقوال مُجريها لا تصلح دليلاً منفردًا، كما أن التقارير الطبية في ذاتها،
لا تنهض دليلاً على نسبة الاتهام إلى المتهم وإن كانت تصح کدليل يؤيد أقوال الشهود.
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 19921 لسنة 89 القضائية، لصالح المحامى بالنقض جورج أنطون،
برئاسة المستشار محمد سامى إبراهيم، وعضوية المستشارين هشام الجندى، وهشام والى، وأحمد مقلد، وسامح أبو العلا،
وبحضور كل من رئيس النيابة العامة لدى محكمة النقض محمد عبدالهادي، وأمانة سر مصطفى محمد.
الوقائع.. اتهام “سيدة” بقتل شخص عمدا بطريق “السم”
اتهمت النيابة العامة الطاعنة في قضية الجناية رقم 144 لسنة 2018 جنايات مركز محطة دمنة، بأنها في يوم 5 ديسمبر سنة 2017،
بدائرة مركز محلة دمنة – محافظة الدقهلية – قتلت المجني عليه “محمد. ع”، عمدا مع سبق الإصرار بطريق السم،
بأن بيتت النية وعقدت العزم المصمم على قتله وأعدت لذلك الغرض جوهرا يتسبب عنه الموت عاجلا أو آجلا،
فتناوله فحدثت به الأعراض السمية الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته على النحو المبين بالتحقيقات.
وفى تلك الأثناء – أحالتها النيابة العامة إلى محكمة جنايات المنصورة لمعاقبتها طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة،
وادعى والد المجني عليه “عبده. أ”، مدنيا قبل المتهم بمبلغ عشرة آلاف وواحد جنية على سبيل التعويض المؤقت،
والمحكمة المذكورة قررت حضورياً بإجماع الآراء في 4 من أغسطس لسنة 2019 إرسال أوراق القضية لفضيلة مفتى الجمهورية،
لإبداء الرأي فيما نسب للمتهمة، وحددت جلسة 2 سبتمبر للنطق بالحكم.
و”الجنايات” تقضى عليها بالإعدام شنقا
وبتلك الجلسة قضت المحكمة المذكورة حضوريا وبإجماع الآراء عملاً بالمادتين 231، 233 من قانون العقوبات،
أولاً: بمعاقبة “كريمة. أ” بالإعدام شنقاً عما أسند إليها من اتهام وإلزامها المصاريف الجنائية، ثانياً: وفي الدعوى المدنية،
بإلزام المحكوم عليها بأن تؤدى للمدعى بالحق المدني مبلغا قدره عشرة آلاف وواحد جنيه على سبيل التعويض المدني المؤقت،
مع إلزامها مصروفاتها ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
فطعنت المحكوم عليها بشخصها من أمام قلم كتاب المحكمة في هذا الحكم بطريق النقض في 9 من سبتمبر لسنة 2019،
وأودعت مذكرة بأسباب الطعن بالنقض عن المحكوم عليها في 31 من أكتوبر لسنة 2019.
“السيدة” تطعن على الحكم لإلغائه
مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم، حيث ذكرت إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه،
أنه إذ دانها بجريمة القتل العمد بالسم مع سبق الإصرار، وقضى بإعدامها قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال،
ذلك بأنه عول في إدانتها على تحريات الشرطة دون أن تكون معززة بدليل آخر، مما يعيب الحكم، ويستوجب نقضه.
المحكمة في حيثيات الحكم قالت: حيث إن البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه استدل على ثبوت واقعة الاتهام في حق الطاعنة،
أخذا بتحريات الشرطة وبأقوال الضابط الذي أجراها فيما أوردته تحرياته تلك وبأقوال “خليل. م”،
و”وفاء. م”، و”محمد. م”، و”عبده. أ”، ومما ثبت بتقريري الصفة التشريحية و المعمل الكيميائي،
بمصلحة الطب الشرعي – لما كان ذلك – وكان من المقرر أن الأحكام يجب أن تبنى على الأدلة التى يقتنع منها القاضى بإدانة المتهم أو ببراءته،
صادرا في ذلك عن عقيدة يحصلها هو مما يجريه من تحقيق مستقلاً في تحصيل هذه العقيدة بنفسه لا يشاركه فيها غيره،
ولا يصبح في القانون أن يدخل في تكوين عقيدته بصحة الواقعة التي أقام عليها قضاءه أو بعدم صحتها، حكما لسواه.
التحريات وحدها لا تصلح دليلا للإدانة
وبحسب “المحكمة”: وكان من المقرر كذلك أنه وإن كان يجوز المحكمة أن تقول في تكوين عقيدتها على التحريات،
بحسب أنها قرينة تعزز ما ساقته من أدلة إلا أنها لا تصلح بمجردها لأن تكون دليلاً كافيا بذاته أو قرينة مستقلة على ثبوت الاتهام،
وهي من بعد لا تعدو أن تكون مجرد رأي لصاحبها يخضع لاحتمالات الصحة والبطلان والصدق والكذب،
إلى أن يعرف مصدرها ويتحدد متى يتحقق القاضي بنفسه من هذا المصدر،
ويستطيع أن يبسط رقابته على الدليل ويقدر قيمته القانونية في الإثبات.
لما كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة قد اتخذت من التحريات دليلاً أساسيا على ثبوت الاتهام،
دون أن تورد من الأدلة والقرائن ما يساندها، كما أنها لم تشر في حكمها إلى مصدر التحريات،
ذلك على نحو تتمكن معه من تحديده والتحقق من ثم من مصدق ما نقل عنه، فإن حكمها يكون قد تعيب بالفساد،
في الاستدلال والقصور في التسبيب بما يبطله ويتعين نقضه ولا يعصم الحكم من هذا البطلان أن يكون قد عول في الإدانة،
على أقوال “خليل. م”، و”وفاء. م”، و”محمد. م”، و”عبده. أ”، وما ورد بتقريري الصفة التشريحية و المعمل الكيميائي،
بمصلحة الطب الشرعي لما هو ثابت من أقوال هؤلاء الشهود، كما حصلها الحكم المطعون فيه،
والمفردات المضمومة خلوها من أية شواهد أو قرائن تفيد إسناد أي اتهام للطاعنة بشأن ارتكابها الواقعة المسندة إليها.
النقض: التقارير الطبية في ذاتها لا تنهض دليلاً على نسبة الاتهام إلى المتهم
ولما هو مقرر من أن التقارير الطبية في ذاتها لا تنهض دليلاً على نسبة الاتهام إلى المتهم وإن كانت تصح کدليل،
يؤيد أقوال الشهود ومن ثم فإن استناد الحكم إلى أقوال هؤلاء الشهود وهذين التقريرين،
لا يعبر من حقيقة كونه اعتمد بصفة أساسية على التحريات وحدها وهي لا تصلح دليلاً منفردا في هذا المجال.
لما كان ما تقدم، وكانت الدعوى حسبما حصلها الحكم المطعون فيه وعلى ما يبين من -المفردات المضمومة –
لا يوجد فيها من دليل سوى تحريات الشرطة وأقوال مجريها التي لا تصلح وحدها دليلا للإدانة – فإنه يتعين الحكم ببراءة الطاعنة،
مما أسند إليها عملاً بالفقرة الأولى من المادة 39 من القانون رقم 57 لسنة 1959 فى شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض،
ورفض الدعوى المدنية وإلزام رافعها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
النيابة تتقدم بمذكرة تطلب فيها إقرار الحكم
وتضيف “المحكمة”: حيث إن النيابة العامة وإن كانت قد عرضت هذه القضية على هذه المحكمة عملاً بنص المادة 46،
من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959،
مشفوعة بمذكرة برأيها انتهت فيها إلى طلب إقرار الحكم الصادر حضوريا بإعدام المحكوم عليها دون إثبات تاريخ تقديمها،
بحيث يستدل منه على أنه روعي فيها عرض القضية في ميعاد الـ60 يوما المبينة بالمادة 24 من ذلك القانون،
إلا أنه لما كان تجاوز الميعاد وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – لا يترتب عليه عدم قبول عرض النيابة،
بل إن محكمة النقض تتصل بالدعوى بمجرد عرضها عليها لتفصل فيها وتستبين من تلقاء نفسها دون أن تتقيد بالرأي،
الذي ضمنته النيابة في الميعاد المحدد أو بعد فواته، ومن ثم يتعين قبول عرض النيابة العامة لهذه القضية.
لما كان ما تقدم – وكانت هذه المحكمة قد انتهت إلى نقض الحكم المطعون فيه وبراءة الطاعنة،
مما أسند إليها فإنه يتعين رفض مذكرة النيابة العامة فيما طلبته من إقرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليها.
فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة بقبول عرض النيابة العامة للقضية والطعن المقدم من المحكوم عليها شكلا وفي الموضوع،
بنقض الحكم المطعون فيه، وببراءة المتهمة “كريمة. أ”، مما أسند إليها ورفض الدعوى المدنية،
وألزمت رافعها بالمصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
5 مبادئ قضائية رسختها محكمة النقض
وفى هذا الشأن – يقول المحامى بالنقض شيبة الحمد العيلى – إن الحكم استند على حزمة من المبادئ أبرزها:
1- القانون قد أمد القاضى الجنائى فى المسائل الجنائية بسلطة واسعة وحرية كاملة فى سبيل تقصى ثبوت الجرائم،
أو عدم ثبوتها والوقوف على حقيقة علاقة المتهمين ومقدار اتصالهم بها،
2- العبرة في الإثبات فى المواد الجنائية هي باقتناع المحكمة واطمئنانها إلى الدليل المقدم إليها،
فالقانون لم يقيد القاضى بأدلة معينة بل خوله بصفة مطلقة أن يكون عقيدته من أى دليل أو قرينة تقدم إليه” .
وبحسب “العيلى” في تصريح لـ”برلماني”:
3- القاضى الجنائى له أوسع الصلاحيات فى أن يكون عقيدته بكامل حريته وبحسب ما يهدى إليه ضميره – فله أن يقتنع برواية،
دون أخرى أو بصورة للواقعة دون الأخرى مادام هذا الاستخلاص مقبولاً يسوغه العقل ولا يأباه المنطق والعقل السليم جرياً على طبائع الأمور
4- الأصل فى الإثبات الجنائى إنما يبنى على قناعة القاضى على ما يتخذه من تحقيقات فى الدعوى شريطة،
ألا يكون لرأي غيره أثر قد أثر فى الحكم الصادر فى الدعوى على نحو ما ومثال ذلك لو أسس قضاءه بإدانة المتهم،
بناء على أقوال من أجرى التحريات وكانت هذه الإدانة مبنية بصفة أساسية على الدليل المستمد من التحري فهنا يكون الحكم معيباً” .
للقاضى أن يستبعد أى دليل لا يطمئن إليه ثم له فى النهاية وزن جميع الأدلة والقرائن
وأوضح الخبير القانوني:
5- للقاضى أن يستبعد أى دليل لا يطمئن إليه، ثم له فى النهاية وزن جميع الأدلة والقرائن المقدمة إليه من الخصوم،
ويستخلص منها رأيه الذى يفرغه فى صورة حكم قضائى بكامل حريته إما بالبراءة أو بالإدانة –
وفي ذلك تطبيق للمادة (302) من قانون الإجراءات الجنائية – وتقابل هذه المادة المادة 427 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسى ونصها:
(تثبت الجرائم بجميع طرق الإثبات، ويحكم القاضي تبعاً لإقتناعه الخاص)”.
وأضاف “العيلى”:
6- أن التحريات لا تصلح أن تكون دليلا حتى لو كانت الدليل على الورق، حيث إن التحريات لا تعبر إلا عن رأى مجريها،
والمحكمة لا تأخذ برأيه، بإعتبار أنه لابد أن يسندها أي دليل أخر يدعمه بناءاَ للمادة 302 من قانون الإجراءات الجنائية،
وهى عمل إداري قانوني يتمثل فى تجميع مجموعة من الأدلة أو الشبهات التي تكشف عن ارتكاب المتهم،
جريمة من الجرائم التي يعاقب عليها قانون العقوبات، وبعض القوانين الجنائية الخاصة،
وأِّما أن تقود رجال الشرطة إلى العثور على أدلة ثبوتية، أو تتوقف عند حد المعلومات الظنية”.
الأصل للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على التحريات
واستطرد: “7- القاضي في المواد الجنائية إنما يستند في ثبوت الحقائق القانونية إلى الدليل الذي يقتنع به وحده،
ولا يصح أن يؤسس حكمه على رأى غيره، وأنه وإن كان الأصل أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على التحريات،
باعتبارها معززه لما ساقته من أدلة ما دامت أنها كانت مطروحة على بساط البحث إلا أنها لا تصلح وحدها،
لأن تكون قرينة معينة أو دليلاً أساسياً على ثبوت الجريمة، وخلافاً مما جرى عليه العرف بعدم إلزام مجرى التحريات،
بالإفصاح عن مصادره السرية التي استقى منها معلوماته، أنه فى حال تضمن التحريات لإحدى المعلومات،
المؤداة للإدانة والعقوبة، فلا بد أن يكون مصدرها معلومًا وتساندها أدلة سواء كانت فيديوهات أو شهودا أو مستندات أو تسجيلات أو خلافه،
مما يعزز التحريات وتطمئن إليه المحكمة عند الفصل في الدعوى”.
ما انتهى إليه قضاء محكمة النقض يتفق مع ما هو مقرر قانوناً أن لمحكمة النقض،
الحق فى أن تبسط رقابتها على صحة استدلال المحكمة، وصواب استنباطها للأدلة المطروحة عليها،
فإذا كانت قد اعتمدت على دليل لا يجوز أن يؤسس قضاءها عليه فإن حكمها يكون باطلا لابتنائه على أساس فاسد،
إذ يتعين أن تكون كافة الأدلة التى أقيم عليها قضاء الحكم وقد سلمت من عوار الفساد فى الاستدلال أو التعسف فى الاستنتاج،
وهو مالم يسلم منه الحكم الطعين، ولهذا كان معيباً واجب النقض والإعادة،
حسبما قضت محكمة النقض فى الطعن رقم طعن 6453 لسنة 52 ق والطعن رقم 6335 لسنة 55 قضائية.
مصدر الخبر | موقع برلماني