نقيب المحامين يوجه نصائح ثمينة للأعضاء الجدد.. ويؤكد: حلف اليمين ليس ترديدًا لعبارات
ترأس نقيب المحامين الأستاذ رجائي عطية، أربع جلسات حلف يمين قانونية للمحامين الجدد، وجه خلالها العديد من النصائح الثمينة لشباب المهنة، وذلك أيام 10، 17، 20، و24 يناير الجاري.
وجاءت كلمات نقيب المحامين للأعضاء الجدد خلال الجلسات كالآتي:
أولًا: جلسة 10 يناير
استهل نقيب المحامين حديثه قائلا: «أنكم وأنتم تخطون أول خطوة في المحاماة أنتم في نظري أمل المحاماة، لأنكم ستدخلون على حقل وفي رحاب رسالة عَرضت لها في السنوات الأخيرة خطوب ومحن؛ أخذت البعض بعيدا عن قيم وعلم وآداب وثقافة ومعارف المحاماة، ومقاومة تيار الفساد أو الانحراف عن المحاماة تحتاج إلى إخلاص وعزم وإرادة وعلم ومعرفة وإيمان بالمحاماة».
وقال «عطية»: «ظني أننا يجب أن نتخلص من فكرة أن المحاماة صارت مهنة من لا مهنة له، من دخل المحاماة لأنه لم يجد غيرها، أقول له: من الأكرم له أن يبحث لنفسه عن عمل أخر، والمحاماة حينما نقول إنها رسالة فهي مقولة حق، لأنها رسالة فيها كل معاني الرسالات»، مضيفا: «المحامي من اللحظة التي يسلك فيها المحاماة، وهي من لقبها أو اسمها حماية عن الغير، ولن ينجح في المحاماة إلا من يأخذها بعشق، لأنك في رحلة المحاماة تتعلم كل يوم، وواجب عليك هذا».
وشدد على أن العلم هو قوام مشروعية المحاماة، موضحا: «لأنك تتحدث إلى المحكمة وقضاتها يحملون ذات الإجازة التي تحملها، فما هي شرعية وجودك ورسالتك؟، هي أنك قادر على أن تحدث لدى هؤلاء القضاة من التأثير ما قد يغير الفكرة الأولى التي يأخذونها عن الدعوى، فلا يوجد بشر عندما يقرأ القراءة الأولى لا يخرج بفكرة، ولكن الخطر أن تتحول تلك الفكرة إلى عقيدة فتصد عن أي فكرة أخرى، وهنا تبدو قيمة المحاماة، فالمحامي لأنه يحلق فوق السحاب خارج السرب، هو الذي يقدم إلى القاضي ما يقنعه به بأن النظرة الأولى التي قد كونها ليست هي الحقيقة في الدعوى».
وتابع نقيب المحامين: «لن يتأتى للمحامي والمحامية أن ينهض أو تنهض بهذا الدور ما لم يكونوا على علم بالمعارف بشتى صنوفها، وإتقان اللغة العربية الفصحى والعامية، وعلى علم بالدين وبالمنطق ومجموعة من العلوم يستحيل أن يكون المحامي محاميا إلا بها، مشيرا إلى أن القانون يأتي إلى القاضي محمولا على فكر وحجج وبينات وبراهين؛ كل تلك العدة قبلة المحامي فيها هو ما نجح في تكوينه من رصيد لنفسه في عقله وفكره ورأيه وقدرته على العرض، وهي حصاد أشياء كثيرة جدا».
وأفاد: «الكلمة التي ينطق بها المحامي لها مخارج ومداخل وماذا تعني لو نطقت من الجوف أو الزور، أو ارتفعت أو انخفضت، وكذلك الإيماء والإشارة وحركة اليد تسهم في الإقناع، كل هذه المعارف والعلوم يكتسبها المحامي من القراءة والاطلاع والإلمام بجوهر المحاماة وما تركته الأجيال عبر التاريخ الطويل لهذه الرسالة العظيمة، وكان من حظي أنني نشأت ضمن جيل تلقى عن جيل عظيم في المحاماة وأتيحت لي فرصة أن أسمع ليس فقط أبي الذي كان نقيبا للمحامين، وإنما جمهره كبيرة من عظماء المحاماة، أمثال الأستاذة مصطفى مرعي، علي أيوب، عبد الله محمد، وحمادة الناحل».
وذكر «عطية»، أن الأمور لم تعد كما كانت، ومن يدخل على صفحات التواصل الاجتماعي سيجد قبائح وقذائف يطلقها البعض، وبعضهم يطلقونها للنيل من أهرامات المحاماة، هذه ليست المحاماة، وإن كان صوتهم عالي ولكن عددهم قليل وتأثيرهم شبه معدوم، لأن المحاماة لا يمكن أن تستقبل هذا النشاز، فالمحاماة أدب بكل معانيه بالمعنى العام، وبالمعنى السلوكي، والأدب في فنون المحاماة.
وأردف: «عندما ندرس تاريخ المحامين العظام سنجد الصلة وطيدة بين المحاماة والأدب، وهناك أمثلة عديدة منها الدكتور محمد حسين هيكل صاحب رواية زينب أول رواية مصرية وغيرها، فكان المحامي الأديب، توفيق الحكيم، يحيى حقي، محمد التابعي، أحمد لطفي السيد، محمد فريد، ومصطفى كامل، غيرهم، فدائما تجتمع المحاماة مع الأدب والمعرفة والوطنية وحسن السلوك».
وأكد نقيب المحامين، أنه من المحال أن نجد المتأدب نابيا ناشزا في سلوكه، فقوامه احترام الذات، ومن يحترم ذاته سوف يحترم غيره، لأن الإنسان قد يكذب على الآخرين ولكن محال أن يستطيع أن يكذب على نفسه فهو في داخله يعرف إن كان مستقيما أو منحرفا، وإن أدرك أن منحرفا فلن يستطيع أن يحترم نفسه، وكذلك من الأدب احترام الغير، والحديث النبوي يقول: ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا».
ووجه نقيب المحامين نصيحة للأعضاء الجدد قائلا: «لن تنجح في المحاماة إلا بعشقها، لأن العبء في تحصيل عدة المحاماة عبء كبير جدا لا يقدر عليه إلا محب عاشق، والشوق إلى المعرفة هو الذي يحرك استطلاعك وتفهم ما لا تفهمه وتدرسه لتعلو بفكرك وحجتك ومنطقك ولغتك وأدبك».
وذكّر «عطية»: «كل هذه الاعتبارات الضخمة مشار إليها في قسم المحاماة المختصر، ولكنه حافل بمعان علينا أن نتمعنها ونحن نقسم هذا القسم، نقسمه بقلوبنا ووجدننا ومشاعرنا قبل أن نقسم به بألسنتنا»، منوها إلى أن المادة 20 من قانون المحاماة نصت على أنه لا يجوز للمحامي الذي يقيد اسمه بجدول المحاماة أن يزاول المهنة إلا بعد حلف اليمين بالصيغة الآتية: «أقسم بالله العظيم أن أمارس أعمال المحاماة بالشرف والأمانة والاستقلال وأن أحافظ على سر مهنة المحاماة وعلى تقاليدها وأن أحترم الدستور والقانون».
https://www.facebook.com/watch/?v=1285636805138517
ثانيًا: جلستا 17 يناير
استهل نقيب المحامين كلمته بالجلسة الأولى قائلا: «أريد أن أحدثكم اليوم عن ركازين من ركائز المحاماة، الأول هو الحرية، والثاني هو الكرامة، وهذان الركازان هما جناح تحليق المحامي والمحامية، مضيفا: «من اللحظة الأولى التي يمارس فيها المحامي والمحامية المحاماة يصير حرا مسئولا عن نفسه لا رئيس له إلا ضميره ولا موجه له إلا إحساسه بالأمانة، فلا يوجد مهنة أو وظيفة لا يوجد لها رئيس، وإنما المحامي لا رئيس له.
وأشار نقيب المحامين: «حينما تمثل في دعوى لتتحدث حتى وإن كنت مشاركا فيها مع جمهرة من كبار المحامين سنا ومكانة هذا لا يفقدك حريتك ولا يفقدك رئاستك لنفس، فلست مقيد برئيس بل ولست مقيد بما يريده المتهم الموكل عنه، وتقديرا لعظمة رسالة المحاماة وقيمة هذه الحرية تقاطرت أحكام محكمة النقض على أن المحامي وشأنه في وضع خطة الدفاع، وأنه لا يحق لموكله وغير مقبول منه أن يشترط عليه ما الذي به يدافع عنه سواء كانت الدعوى جنائية أو مدنية أو إدارية وغيرها».
وتابع «عطية»: «قد يحدث أن يكون المتهم منكر للتهمة، ولكن يرى الدفاع أن إنكاره لا يجدي لأن الأدلة في الدعوى دامغة بالشكل الذي يقدره هو، وله في تلك الحالة بمسئوليته وبالأمانة التي يحملها هو أن يضع خطة الدفاع، ومن أجل هذا حرم استجواب المتهم في مرحلة المحاكمة إلا بموافقة محاميه حتى وإن قبل المتهم أن يستجوب».
وذكر النقيب العام، أن تلك الحرية نابعة من الأمانة التي يحملها المحامي في رسالته، ومن الخطورة المعهود بها إليه، ولأنه من أجل هذا جعل طائرا محلقا فوق السحاب ينشد بعقله وعلمه ومعارفه ما هو المسلك الذي يجب أن يسير فيه تحقيقا لغاية الدفاع لا متقيد بحكم محكمة، أو رغبة النيابة، أو رغبة موكله، ولذلك المحامي لا رئيس له.
وأوضح «عطية»، أنه نقيب للمحامين وليس رئيسا لهم، مردفا: «أنا لو حضرت في دعوى مع محامين وشركاء في الدفاع عن موكل واحد أصغرنا سنا له الحق أن يختلف معي كيفما يشاء، لأنني لا أملك كلمته، وهو وحده الذي يملك هذه الكلمة، وهو وحده أمام الله وأمام مسئولية المحاماة هو المسئول عنها، تلك هي عظمة المحامي، فأنا رئيس مجلس نقابة المحامين، ولست رئيسا للمحامين، أكون قدوة أو رمزا للمحامين والمحاماة ولكني لست رئيسا للمحامين، هذا هو المعنى الحقيقي للنقابة والنقيب».
وشدد نقيب المحامين، على أن الحرية هي التي جعلت للمحامي والمحاماة قيمة، فهو لا يمارسها فقط في سرايا النيابات وقاعات المحاكم، وإنما يمارسها أيضا في الحياة العامة ومن أجل هذا كان كل زعماء الوطنية كانوا من المحامين وخريجي كليات الحقوق باستثناء أحمد عرابي الذي كان لثورته ظروف معينة نشأت من داخل الجيش المصري، فمنهم سعد زغلول، مصطفى النحاس، مصطفى كامل، محمد فريد، فؤاد سراج الدين، أحمد ماهر، علي ماهر، أحمد لطفي السيد».
واستطرد: «أينما وليتم تجدوا أقطاب الحياة الوطنية وأقطاب الحرية ليس فقط في مصر وإنما في العالم برمته هم المحامون، ومن أجل هذا من حوالي 45 رئيس للولايات المتحدة منهم ما يزيد 30 من الحقوقيين المحاميين، لأن المحامي والمحامية كتلة من المعرفة والعلم والرجاحة والقدرة على الاستنباط والإقناع وفي ذات الوقت يتسلح بالحرية، لماذا هو حر».
وتسائل: لماذا كانت المحاماة يمكن أن تقلق الأنظمة الاستبدادية ؟، مجيبا: «يمكن للنظام الاستبدادي أن يسيطر على الموظف لأنه يتحكم في مرتبه وعلاواته وبدلاته، إنما لا أحد يمكن أن يسيطر على المحامي والمحامية، فرزقه ليس معلقا في يد أحد، وإنما كفاءته وإخلاصه لعمله وذوبانه في أداء المهمة المقدسة الموكول بها إليه، ومن أجل هذا كانت المحاماة رسالة عظيمة».
وعن الركاز الثاني: الكرامة، قال «عطية»، إن المحامي والمحامية لا بد أن يكون لكل منهما فائض إحساس بالكرامة وليس هذا غرورا، وإنما هو من لب المحاماة أن يكون هذا الإحساس جزء من نسيج المحامي والمحامية، والإحساس بالكرامة هو الذي يجعلهما يذوبان عشقا في أداء رسالة المحاماة ولا يخشون في الحق لومة لائم، مضيفا: «المحامي يأبى أن يخضع حريته وكرامته لأحد، وإحساسه بالكرامة هو الذي يجعله يقف كريما أمام المحكمة، وأن يكون متسلحا بكل ما يتسلح به أصحاب الكرامة، في زيه، مظهره، وقفته، مسلكه، علمه، لغته، ودراسته لقضيته علمه».
وأكد نقيب المحامين، أن إحساس المحامي بهذه الكرامة هو الذي يجعله لا يمد يده، كاشفا عن 3 نصائح وجهها له والده الذي كان نقيبا للمحامين ربع قرن، «أولها: دراسة القضية وعدم خداع القاضي، واجتهد فيما يقبل الاجتهاد وإنما فيما يتصل بالمرجعية سواء حكم أو كتاب يجب أن تكون أمينا دقيقا لأنك إن خسرت ثقة القاضي لن تكتسبها مرة أخرى، وثانيها: إياك والسماسرة، فهو يقاسم المحامي في أتعابه، وإنك سوف تضطر لتحميل زائد عن موكلك لكي تستخلص ما يأخذه منك السمسار، كما أنك لا تعرف ماذا يمكن أن يقوله للموكل لترويجك، وثالثها: لا تحصل على أتعابك خارج مكتبك، ولا تمد يدك لتقاضي أتعابك، فإما تعطى للسكرتارية أو توضع على المكتب».
وأكد: «الكرامة هي التي تدعو المحامي والمحامية للإحساس بالذات والقيمة، وليس كل إحساس بالذات غرور مرفوض، هذا غرورا، بل أن هناك من التواضع المفتعل ما هو محل مؤاخذة، وقال فيه عباس العقاد: التواضع نفاق مردود إذا أردت به أن تخفي ما لا يخفى من حسناتك توسلا إلى جلب الثناء».
وأختتم نقيب المحامين كلمته قائلا: «الكرامة هي التي تجعل المحامي زعيما قائدا وقادرا على أن يحمل أعباء أسرته الصغيرة، وعائلته، الموكلين، ووطنه».
وفي الجلسة الثانية، وجه نقيب المحامين حديثه للأعضاء الجدد قائلا: «هذا يوم فارق في حياة كل منكم، وقد اعتدت قبل حلف اليمين على أن أتحدث ولو بكلمة عن المحاماة، توطئة لإجراء القسم، وتنبيها لما ينبغي أن يكون في وجدانانا من إحساس بعظمة رسالة المحاماة المقبلون عليها».
وفي سياق متواصل، ذكر «عطية»، أن أحد كبار الصحابة وأحد العشرة المبشرين بالجنة وشخصية نادرة في تاريخ الإسلام بل في التاريخ كله، أبو عبيدة بن الجراح، ولعلها الشخصية الوحيدة التي خصص لها كتابا هو وأبا ذر الغفاري، وأسمى الكتاب «عبقرية إنكار الذات أمين الأمين أبو عبيدة بن الجراح».
وأضاف: «عشقت هذا الصحابي لما تبين له من أمانه جعلت الرسول صلى الله وسلم أن يسميه أمين الأمة، وقال في الحديث: لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح، ووصف كثيرون من الصحابة بأوصاف شتى ولكن يبقى هذا الوصف علامة في التاريخ لأن الأمانة كانت في مقدمة القيم التي جاء بها الإسلام، والتي نطق بها القرآن الحكيم وقال الله: إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان، فعندما يوصف صحابي بأنه أمين الأمة فهذا وصف عظيم».
وأكد النقيب العام، أن المحامي والمحامية حامل وحاملة أمناء، وحامل الأمانة عليه أن يشعر بها، وأن يؤديها، وأدائها ليس كلمة تقال وإنما هو معنى يعيش في وجدان المحامي والمحامية، يجعله يذوب عشقا في المحاماة لأنها لا تؤدى بمجرد النطق باللسان إنما بعمار العقل والقلب، واتساع المعلومات، نصاعة الحجة، والقدرة على الحديث والإلقاء.
وتابع: «كل منكم بدء من اليوم حامل أمانة، ومن ثم على كل واحد منا أن يسأل نفسه من هذه اللحظة ما الذي سوف يقبل عليه للقيام بأعباء هذه الأمانة وأدائها على وجهها الصحيح، وكل ما درستموه في كلية الحقوق وما قبلها قشور فائدتها أنها تدل المحامي والمحامية كيف يبحث، ونحن على سبيل المثال عندما ندرس القسم العام في القانون الجنائي يكون من أستاذ ولكن إلى جانبه يوجد أساتذة عظام من الراحلين والأحياء، وهذا ينطبق على كل علم من علوم القانون».
واستطرد نقيب المحامين: «من يحب أن يتوسع لا بد أن يكون ملما بما ذخرت به المكتبة القانونية في كل باب، وينمي معلوماته في اللغة، القانون، والمعرفة بعامة، وزيادة العلم والمخزون ليست فقط من خلال القراءة، وإنما كذلك بالملاحظة الخاصة بالمواقف التي تعبر أمامنا ونستخلص ما فيها من معاني ومثل وقيم».
وأكد نقيب المحامين، أنه لا يبالغ وهو يتحدث إلى الحضور بهذا، موضحا: «لأني مؤمن إيمانا عميق بأن كل هذا الكلام هو عدة المحامي الحقيقي لأداء رسالته، فالمحاماة هي مهنة الكرامة والحرية والحجة والعلم والمعرفة والاستقلال، إنها أمانة سوف نقسم عليها اليمين لأنها جزء لا يتجزأ من قيامنا برسالة المحاماة».
ثالثًا: جلسة 20 يناير
استهل نقيب المحامين كلمته للأعضاء الجدد قائلا: «في صيغة اليمين قسم بالله العظيم والتذكير بالله هو أقصى ما يمكن أن يكون إيقاظا للعقل والحواس والضمير، لذلك لا تجوز شهادة الشاهد إلا بعد أن يحلف اليمين»، مشيرا إلى أن الصيغة تتضمن التزاما بالأمانة، والشرف، والاستقلال في ممارسة رسالة المحاماة، وحديثا عن المحافظة على سر المهنة وتقاليدها.
وقال نقيب المحامين، إن الحديث عن المبادئ التي تحرص عليها صيغة اليمين هي في الواقع قوام المحاماة وقوام عمل المحامي، مؤكدا أن قيمة اليمين ليست شكلية وإنما موضوعية، لذلك فإن حلف اليمين ليس ترديدا لعبارات إنما هو إحساس عميق في الوجدان يعبر عن تيقظ كل محامي ومحامية لمعنى وقيمة هذا القسم الذي يمهد للقيام بمهام رسالة المحاماة.
وذكر «عطية»، أن الحديث عن هذه القيم يستغرق أياما، ولكنه سيتحدث اليوم عن معنى الاستقلال الوارد في قسم المحاماة، موضحا أن كل محامي يجب أن يرسخ في ضميره أنه يمارس المحاماة باستقلال، فهو لا يخضع لأي قوة مادية أو بشرية أو صاحب سلطة وسلطان.
وأضاف نقيب المحامين: «أنت في المحاماة تقف أمام الله الذي أقسمت به لتمارس عملك باستقلال، ولن يتأتى لأي أحد منا هذا إلا إذا كان حريص على أن يوفر لنفسه كل مقومات هذا الاستقلال»، مردفا: «الطفل لا يستقل عن أبيه وأمه إلا إذا كبر ونضج، ومن هنا نسمي السن الذي تبدأ فيه هذه المسئولية سن الرشد، فالاستقلال يستوجب الرشد».
وشدد النقيب العام، على أن الرشد المعني هنا هو أعلى من الذي يتوفر في الإنسان عندما يخرج من سن المراهقة إلى سن المسئولية، فمسئولية المحاماة أعظم وأثقل ومن هنا كان هذا الاستقلال معنى يجب علينا أن نستوعبه وليس كلمة تقال، متابعا: «كي ما تكون مستقلا يتعين أن تكون على كفاءة ومقدرة وعلم، بغير هذه القيم والمعارف والسمات المترسخة في ضميرك والمعبر عنها سلوكك لن تكون في الواقع مستقلا إنما تابعا».
واستطرد: «نحن حينما نقول إن المحاماة رسالة عظيمة لا نقولها لأننا محامون وإنما نقولها لأن هذا هو الواقع، لو تأملنا في واقع المحاماة وتاريخ الأمم سوف نجد أن المحامين كانوا على قمة النضال الوطني لدى كل شعب من الشعوب، وعلى قمم العطاء في الوطنية والثقافة والصحافة والأدب والسياسة والعلم والمعرفة، ولو استعرضت تاريخ الصحافة والأدب والسياسة المصرية سوف تجدون نجوما لامعة من المحامين في كل ربع من هذه الربوع».
وأشار نقيب المحامين، إلى أن المحامي مستقل حتى عن موكله، فلا يتقيد برأي موكله، لأنه لو كان كافيا للدفاع عن صاحبه لما أوجب القانون أن يكون له محام ولم يعد ذلك قاصرا على الجنايات وإنما امتد إلى الجنح وإن كانت إمكانيات الدولة الآن لا تسمح بتطبيق النص تطبيقا كاملا بانتداب محام لكل متهم في جنحة عجز عن توكيل محامي، وهذا تقدير من القانون أن الحماية التي تتكفل بها المحامية والمحامي هي مسألة لها مقومات غير موجودة لدى الأصيل المعرض للحكم عليه بالحبس أو الإعدام أو معرض حقه للضياع.
وذكر نقيب المحامين: «قد يرى الموكل خطا للدفاع في القضايا المدنية لا يقره المحامي عليه وهذا ناتج هذا الاستقلال والإحساس بالمسئولية، وقد تقف أمام محكمة جنايات والمتهم مصمم على الإنكار ولكنك ترى أنه ليس في محله وأن الأدلة في الدعوى دامغة لك مطلق الحرية في خط دفاعك أن تطلب له الرأفة وأن تتحدث في اعتباراتها، وقد يرى الموكل أن الإنكار هو السبيل وقد تنصحه بأن الإقرار بالواقعة قد يكون فرجا».
وأوضح نقيب المحامين، أن هناك فارقا بين الاعتراف والإقرار، فالأولى تعني اعتراف بالتهمة بكافة أركانها المادية والمعنوية، أما الثانية فتعني أنه إقرارا بواقعة مادية ولا يمتد ليكون اعترافا بالتهمة، معطيا مثالا: «شخص أثناء القيادة صدم أخر وتسبب في وفاته أو إصابته، والقاضي سأله عن الواقعة وأقر بها، فهذا ليس اعترافا بالتهمة إنما إقرارا بالواقعة المادية بأنه صدمه، ولكن قد يكون الحادث نتيجة خطأ من المجني عليه، ولذلك هناك فارق جوهري بين الاعتراف والإقرار».
وأكمل: «قد ترى أن تنصح متهما بأن يقر بالواقعة المادية بدلا من إنكار الواقعة برمتها حتى تستطيع التحدث في ركن الخطأ، لأنه إن لم يقر بها قد يترتب على هذا حرمانك من أوجه دفاع لازمة له، وبيان أسباب الواقعة وظروفها يفتح مجالات للحديث عن الدفاع الشرعي الخاص أو العام، وحالة الضرورة».
وأختتم نقيب المحامين كلمته قائلا: «كل هذا الحديث لا يمكن للمحامي أن يمارسه إلا إذا كان مستقلا في ممارسته للمهنة، هذا الاستقلال لا يتوفر إلا بناءً على ما يحشده في عقله وقلبه ووجدانه من معارف ومعلومات في القانون وغيره».
رابعًا: جلسة 24 يناير
استهل نقيب المحامين كلمته قائلا: «سوف تلاحظون أن الشميلة الأولى في القسم هي الشرف، فلماذا قدمت شميلة الشرف على غيرها من الشمائل في ذات صيغة القسم كالأمانة والاستقلال والمحافظة على سر المهنة والالتزام بتقاليد المحاماة؟، ذلك لأنها شميلة جامعة تقف على قمة الشمائل والسجايا، فتوصف السنة النبوية بالشريفة، ويوصف الحديث النبوي بالشريف، وليس هذا عفوا إنما هو انتقاء للفظ المشمول بالعديد من القيم والمبادئ والشمائل الكريمة».
وأكد نقيب المحامين، أن هذا ليس كلام إنشائي، فالإنسان الشريف، شريف مع الله، شريف في التزامه بأوامره، شريف بانتهائه عن نواهيه، شريف في علاقته مع الناس، شريف في أن يوافق سره لعلانيته، شريف في بيعه، وشريف في شراء، مضيفا: «الشريف لا يصدر عنه الخصال الرديئة السلبية، والمحامي الشريف لا يقبل أن يكذب في أداءه لرسالة الدفاع، فحينما يخاطب المحكمة بحكم موجبات الشرف تقتضي أن يكون صادقا في البيان الذي يطرحه، وفي تاريخ الحكم ورقم نشره والمجلد المنشور به، وحينما يستند إلى مرجعية مرجع من مراجع القانون يكون صادقا فيما يطرحه».
وذكر نقيب المحامين: «حينما تتعامل بشرف تنال الجزاء الوافي والثواب العظيم بأن تلاقَى في كل مكان بالاحترام الواجب، لأنك تمارس الحياة بشرف، وتمارس العمل والمحاماة بشرف، كما أنه لا يوجد أحد لا يتعرض في الحياة للطعنات والافتراءات، ولكن تلك السهام والطعنات لا تصيب الشريف؛ لأنه لدى الناس صاحب ذكرى وسيرة تكونت وتراكمت على الأيام؛ هي نتاج تعامله بالشرف في الحياة الخاصة والعامة والمهنية والوظيفية».
وأشار «عطية»: «إذا عملت في نقابة المحامين على سبيل المثال فأنت تؤدي عملك بشرف، وحينما تتولى الأمانة العامة للنقابة فتتولاها بشرف وتؤدي واجباتك بشرف، وحينما تكون أمينا للصندوق تتعامل بشرف»، مردفا: «أقول لكم إن يوسف عليه السلام عين على خزائن مصر لأن الشرف كان شميلته ومنهجه ودستوره، هذا الشرف هو الذي طير صيته في الأفاق إلى حيث يعقوب وأبناءه، لا يعرفون أن أخاهم يوسف هو الذي يقصدونه في هذه المعونة، فلما لقوا يوسف تعرف عليهم وعرفوه فأحسن وفادتهم لأنه شريف لا يشمت ولا ينتقم ويتمتع بحسن السلوك، ثم ذهبوا إلى أبيهم يعقوب بقميص أخيهم يوسف الذي ألقوه عليه فأرتد إليه بصره».
ووجه حديثه للمحامين الجدد قائلا: «اليوم هو الأهم في حياتكم، فسوف تصيرون محامين ومحاميات، وهو يوم فارق في حياواتكم جميعا، تفارقون به عهدا وتبدؤون عهدا، فقبل المحاماة الإنسان حر، ولكنك حينما تبدأ المحاماة صرت مسئولا حاملا لأمانة عن الغير، ويجب أن تؤدى بشرف، ومن أجل ذلك يتقي المحامي الخطأ بقدر المستطاع، فلا يوجد من يعز على الخطأ، ولكن الفارق أن المحامية والمحامي حريصان فيما يؤديانه على الاستيثاق وعدم المخاطرة، لأن المخاطرة سيدفع ثمنها الموكل».
واستطرد نقيب المحامين: «قد يعز عليك علة فلا بأس أن تعود إلى زميل أكبر وتسأله فيما لا تعرف، أو تعود لمرجع من المراجع القانونية المتخصصة، أو تعود لأحكام محكمة النقض لتهتدي بما فيها، كما أن تعامل المحامية والمحامي مع الله، والتعامل مع الله لا يكون إلا بالشرف، فحينما تتعاملون مع هذا بالشرف ستجنون الثمار، لأن الإنسان جهده وعطاءه مردود إليه، وكل لحظة أو برهة تعطي فيها من ذاتك وصولا إلى المعرفة مردودة إليكم بالنجاح الذي يرضيك».
وأختتم النقيب العام كلمته قائلا: «يقول الفلاسفة، إن غاية ما يبتغى لا هو الثروة، ولا هو القوة، ولا هو السلطة، فقد تكون صاحب مال وتعس، وقد تكون صاحب صولجان ومريض، ولكن معيار المعايير هو الرضا، والشريف يعيش حالة رضا مع النفس، وحالة رضا وتوائم مع المجتمع، وهذا هو السعيد الحقيقي في الحياة، وكل هذا حصيلة الشرف الذي وصفت به السنة النبوية، ووصف به الحديث النبوي».
مصدر الخبر | موقع نقابة المحامين