المقالات القانونية

الأمن القانوني في الأحكام القضائية بقلم الأستاذ/ محمود عنتر

يعتبر الأمن القانوني أحد أهم مقومات الدولة القانونية القائمة على سيادة القانون وهو عملية ومبدأ وليس مجرد فكرة قوامها استقرار العلاقات والمراكز القانونية، وذلك من خلال إصدار تشريعات متطابقة مع الدستور، وغايتها إشاعة ثقة وطمأنينة بين الأطراف من أشخاص القانون العام والخاص ونري أن هناك ارتباط وثيق بين ذلك المبدأ وتكييف الحكم القضائي الصادر منشئًا كان أو كاشفًا.

إن الأثر أو الحكم المنشئ يقصد به الحكم الذي يظهر إلى الوجود القانوني مركزا أو التزاما لم يكن قبل الحكم موجودا، بحيث يعتبر هذا الأثر أو الحق أو المركز أو الوضع القانوني قد ولد مع الحكم لا قبله، وتسري آثاره من تاريخ الحكم إلا أن ينص القانون على خلاف ذلك مثل الحكم الصادر بالتطليق أو فسخ العقد أو حل الشركة أو إلغاء ترخيص أو ترقية موظف أو تعيينه.

أما الأثر أو الحكم الكاشف فهو الحكم الذي يظهر للوجود القانوني حقا أو مركزا قانونيا كان مختفيا أو غير ظاهر فكشف عنه أو غير مستقر فأكده وأقره، ولهذا يسمى الحكم الكاشف بالحكم المقرر مثل الحكم الصادر ببطلان العقد أو ثبوت النسب.

والقاعدة العامة بالنسبة للأحكام القضائية بصفة عامة أنها كاشفة وليست منشئة، فهي لا تنشئ الحق وإنما تكشف عن وجوده، وعلى ذلك، فإن المحكمة الدستورية مثلًا حين تقضي بعدم دستورية تشريع معين مع ما يترتب على ذلك من إلغائه وبطلانه، فإنها لا تنشئ هذا البطلان، وإنما تقرر شيئًا قائمًا بالفعل بحكم الدستور القائم، فالتشريع الباطل لمخالفته للدستور باطل منذ وجوده لأنه ولد مخالفا للدستور والنص التشريعي لا ينشأ صحيحا إلا باتفاقه مع الدستور، والحكم بعدم دستورية هذا النص يعني تعارضه مع الدستور، ومن ثم سقوط الأساس الذي بُنِيَ عليه.

وهذا يعني أن النص المطعون عليه قد ولد ومعه العوار الدستوري، والحكم بعدم الدستورية يعد كاشفًا لهذا العيب لا منشئًا له، الأمر الذي يمس صحة هذا النص منذ تاريخ العمل به، فهذا الحكم يقرر حقيقة واقعة قبله إلا وهي نشأة النص القانوني وبه العيب الدستوري.

ويستند مبدأ الأثر الكاشف للحكم بعدم الدستورية على مبدأ المساواة أمام القانون، فلا يجوز التمييز بين مراكز قانونية تكونت قبل هذا الحكم وأخرى تكونت بعده، كما أن هذا الأثر الكاشف يضمن فعالية الرقابة على دستورية القوانين وتأكيدًا لسيادة القانون.

وجدير بالذكر أن هناك اتجاه وجيه يرى أن الحكم بعدم الدستورية هو حكمٌ منشئٌ يعني إلغاء النص التشريعي المطعون عليه اعتبارا من تاريخ نشر الحكم بعدم دستوريته، ويترتب على ذلك أن جميع الآثار التي رتبها النص التشريعي قبل الحكم عليه بعدم الدستورية تبقى صحيحة وقائمة، فكل ما هنالك أن هذا النص لا ينتج أثاره القانونية بالنسبة للمستقبل، لأنه خرج من النظام القانوني للدولة، ويصبح الحكم الصادر حكم إنشائي يحدث أثرًا إنشائيًا عندما يلغي قانونا قائما، وهذا التصور لطبيعة الحكم الصادر بعدم الدستورية من حسناته أنه يحافظ على فكرة الأمن القانوني وتلك الفكرة المناقضة لفكرة رجعية أثر الحكم بعدم الدستورية، أي يحقق قدر من الثبات النسبي للعلاقات القانونية وحد أدنى من الاستقرار للمراكز القانونية المختلفة مما يساعد على إشاعته الأمن والطمأنينة بين أطراف العلاقات القانونية من أشخاص قانونية عامة وخاصة، وكذا الحفاظ على حقوق الإنسان وحرياته التي لا تتم إلا بتعزيز مبدأ الأمن القانوني.

 

مصدر الخبر | موقع نقابة المحامين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى