النقض تربط دعوى رد غير المستحق بقاعدة الإثراء بلا سبب
النقض تربط دعوى رد غير المستحق بقاعدة الإثراء بلا سبب
أصدرت الدائرة المدنية “أ” – بمحكمة النقض – حكما فريدا من نوعه، يهم ملايين المتضررين من عدم أداء الدين وسداده،
رسخت خلاله لمبدأ قضائيا قالت فيه:
“1- المطالبة عن طريق دعوى رد غير المستحق هى إحدى تطبيقات قاعدة الإثراء بلا سبب.
2- أن مفاد النص في المادتين 181 و182 من القانون المدني أن المشرع أورد حالتين يجوز فيهما للموفي أن يسترد ما أوفاه:
أولاهما: الوفاء بدين غير مستحق أصلاً، وهو وفاء غير صحيح بدين غير مستحق الأداء،
وفى هذه الحالة يلتزم المدفوع له بالرد إلا إذا نسب إلى الدافع نية القيام بتبرع أو أي تصرف قانوني آخر.
وثانيهما: أن يتم الوفاء صحيحاً بدين مستحق الأداء ثم يزول السبب الذى كان مصدراً لهذا الالتزام،
ولا يتصور في هذه الحالة أن يكون طالب الرد عالماً وقت الوفاء بأنه غير ملتزم بما أوفىَ لأنه كان ملتزماً به قانوناً،
وسواء تم الوفاء اختياراً أو جبراً فإن الالتزام بالرد يقوم بمجرد زوال السبب.
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 16632 لسنة 76 قضائية، برئاسة المستشار بليغ كمال،
وعضوية المستشارين الدكتور أحمد فاروق عوض، ومنير محمد أمين، وهشام زناتي والدكتور أيمن الحسيني،
وبحضور رئيس النيابة محمد عبد الموجود، وأمين السر وائل عبد الهادي.
الوقائع.. مستورد يطالب برد 4 ملايين جنيه تم تحصيلها كرسوم خدمات دون وجه حق
الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في أن الطاعن بصفته أقام علي المطعون ضدهم بصفاتهم،
الدعوى رقم 5828 لسنة 2003 مدني أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية بطلب الحكم بإلزامهم بأن يؤدوا إليه مبلغ مقداره 37716,24 جنيهاً،
مع فوائده القانونية حتى تاريخ السداد، وقال بياناً لذلك أنه استورد عدة رسائل تجارية حصلت عليها مصلحة الجمارك، المبلغ المطالب به،
كرسوم خدمات دون وجه حق بموجب المادة 111 من قانون الجمارك رقم 66 لسنة 1963 والقرارات الوزارية الصادرة في هذا الشأن.
محكمة أول درجة تقضى له بالطلبات
وفى تلك الأثناء – حكمت المحكمة بالطلبات، فاستأنف المطعون ضدهم بصفاتهم هذا الحكم بالاستئناف رقم 102 لسنة 62 قضائية،
لدى محكمة استئناف الإسكندرية التي حكمت بتاريخ 13 سبتمبر 2006 بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى،
ثم طعن الطاعن بصفته في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة دفعت فيها
أصلياً: بعدم اختصاص المحكمة مصدرة الحكم ولائياً بنظر الدعوى وانعقاد الاختصاص بنظرها للقضاء الإداري،
واحتياطياً: عدم قبول الطعن لرفعه على غير ذي صفة بالنسبة للمطعون ضدهما الثاني والثالث، وفي الموضوع بنقضه،
وإذ عُرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
الهيئة تطعن على الحكم لإلغائه
وحيث إنه عن دفع النيابة بعدم اختصاص المحكمة مصدرة الحكم ولائياً بنظر الدعوى وانعقاد الاختصاص بنظرها للقضاء الإداري،
قالت “المحكمة” في حيثيات الحكم إن هذا الدفع غير سديد، ذلك أنه من المقرر في قضاء محكمة النقض – حسبما انتهى إليه قضاء هيئتها العامة –
أن القضاء العادي هو صاحب الولاية العامة بنظر المنازعات المدنية والتجارية وكافة المنازعات التي لم تخرج عن اختصاصه بنص خاص،
وأن أي قيد يضعه المشرع للحد من هذه الولاية – ولا يخالف به أحكام الدستور – يعتبر استثناءً وارداً على أصل عام،
ومن ثم يجب عدم التوسع في تفسيره، ولازم ذلك أنه إذا لم يوجد نص في الدستور أو القانون يجعل الاختصاص بالفصل في النزاع،
لجهة أخرى غير المحاكم، فإن الاختصاص بالفصل فيه يكون باقياً للقضاء العادي على أصل ولايته العامة.
محكمة الاستئناف تلغى الحكم وترفض الدعوى
وبحسب “المحكمة”: وكان النص في المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 ،
مؤداه أن محاكم مجلس الدولة هي صاحبة الولاية العامة في المنازعات الإدارية سواء ما ورد منها على سبيل المثال بالمادة المشار إليها،
أو ما يثور بين الأفراد والجهات الإدارية بصدد ممارسة هذه الجهات لنشاطها بإدارة أحد المرافق العامة بما لها من سلطة عامة،
وكان قضاء المحكمة قد استقر على أن القرار الإداري الذى لا تختص جهة القضاء العادي بإلغائه أو تأويله أو تعديله،
أو التعويض عن الأضرار المترتبة عليه هو القرار الذي تفصح به الإدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة،
وذلك بمقتضى القوانين بقصد إحداث مركز قانوني معين متى كان ممكناً وجائزاً قانوناً وكان الباعث عليه مصلحة عامة،
فإن شابه عيب انحدر إلى درجة الانعدام أصبح واقعة مادية، مما يخرجه عن عداد القرارات الإدارية،
ويخضعه لاختصاص المحاكم العادية صاحبة الولاية العامة بنظر كافة المنازعات.
ووفقا للمحكمة: وكانت الرسوم – وفقاً لما قررته المحكمة الدستورية – من الفرائض التي تتأدى جبراً، مقابل خدمة ،
يقدمها الشخص العام لمن يطلبها عوضاً عن تكلفتها وإن لم يكن بمقدارها، وإنه وإن كان للسلطة التشريعية،
تفويض السلطة التنفيذية في تنظيم أوضاعها إلا أن ذلك مشروط بأن يحدد القانون نوع الخدمة والحدود القصوى للرسم،
وغيرها من القيود التي لا يجوز تخطيها حتى لا تكون تلك الرسوم مجرد وسيلة جباية لا تقابلها خِدمات حقيقية يحصل عليها من يدفعها،
وانطلاقًا من هذا النظر قضت المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 175 لسنة 22 قضائية دستورية،
بتاريخ 5 سبتمبر 2004 بعدم دستورية نص الفِقرتين الأولى والأخيرة من المادة 11 من قانون الجمارك رقم 66 لسنة 1963،
الصادر بقرار رئيس الجمهورية، وبسقوط الفِقرة الثانية منها، وبسقوط قرار وزير الخزانة رقم 58 لسنة 1963، والقرارين المعدلين له،
رقمي 100 لسنة 1965 و255 لسنة 1993 وكذا قرار وزير المالية رقم 123 لسنة 1994 والقرارين المعدلين له رقمي 1208 لسنة 1996 و752 لسنة 1997.
مفاد النص في المادتين 181 و182 من القانون المدني
وكان مفاد النص في المادتين 181 و182 من القانون المدني – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة،
أن المشرع أورد حالتين يجوز فيهما للموفي أن يسترد ما أوفاه:
أولاهما: الوفاء بدين غير مستحق أصلاً، وهو وفاء غير صحيح بدين غير مستحق الأداء،
وفى هذه الحالة يلتزم المدفوع له بالرد إلا إذا نسب إلى الدافع نية القيام بتبرع أو أي تصرف قانونى آخر.
وثانيهما: أن يتم الوفاء صحيحاً بدين مستحق الأداء ثم يزول السبب الذى كان مصدراً لهذا الالتزام،
ولا يتصور في هذه الحالة أن يكون طالب الرد عالماً وقت الوفاء بأنه غير ملتزم بما أوفىَ لأنه كان ملتزماً به قانوناً،
وسواء تم الوفاء اختياراً أو جبراً فإن الالتزام بالرد يقوم بمجرد زوال السبب.
وتشير “المحكمة”: وكانت المطالبة بالرد عن طريق دعوى رد غير المستحق وهى إحدى تطبيقات دعوى الإثراء بلا سبب،
إذ بزوال سبب الوفاء يبطل الوفاء كعمل قانونى ولا يبقى قائماً إلا كواقعة مادية، وهى الواقعة التي يترتب عليها،
إثراء المدفوع له، وافتقار الدافع، كما أنها هي ذاتها التي ينشأ عنها الالتزام برد ما دُفع بغير حق،
وهذه الدعوى ذات طبيعة مدنية محضة ويختص بها القضاء العادي، ولا يغير من طبيعتها تلك أن يكون قد لابسها عنصر إداري أضفى،
عليها شكل المنازعة الإدارية، وأن يكون هذا العنصر هو سبب الالتزام قبل زواله،
ذلك أن هذا السبب بمجرده لا يغير من الطبيعة الموضوعية لدعوى رد غير المستحق وهى الطبيعة المدنية المحضة، إذ لا عبرة بسبب الوفاء أياً كان.
النقض: المطالبة عن طريق دعوى رد غير المستحق إحدى تطبيقات قاعدة الاثراء بلا سبب
ويضيف “المحكمة”: طالما أن دعوى رد غير المستحق لا تقوم على هذا السبب ولا على الوفاء المترتب عليه،
وإنما تقوم لدى زواله وبطلان الوفاء كعمل قانونى وبقائه كواقعة مادية كما سلف القول، وباعتبار أن هذا هو أساس نشأة الالتزام،
في دعوى رد غير المستحق دون النظر إلى السبب الذى زال، وهو ما يترتب عليه أن موضوع المنازعة الحالية ،
– بطلب استرداد مبالغ مالية دُفعت بغير حق استناداً إلى نص قانونى قُضى بعدم دستوريته – لا يتصل بقرار إداري ولا يتساند إليه،
ويدخل بحسب طبيعته المدنية المحضة في نطاق اختصاص القضاء العادي، ويضحي الدفع المبدي من النيابة،
بعدم اختصاص القضاء العادي بنظر الدعوى واختصاص القضاء الإداري بنظرها علي غير أساس.
وحيث إن مبني الدفع المبدي من النيابة بعدم قبول الطعن بالنسبة للمطعون ضدهما الثاني والثالث بصفتيهما،
أن وزير المالية (المطعون ضده الأول) هو الذي يمثل وزارته دون غيره من موظفي المصالح التابعة له.
ردت محكمة النقض على هذا الدفع بقولها: وحيث إن هذا الدفع في محله، ذلك أن المقرر – في قضاء هذه المحكمة –
أن الأصل أن الوزير هو الذى يمثل وزارته فيما ترفعه الوزارة والمصالح والإدارات التابعة لها أو يرفع عليها من دعاوى وطعون،
إلا إذا منح القانون الشخصية الاعتبارية لجهة إدارية معينة أو أسند صفة النيابة إلى غير الوزير،
فتكون له عندئذ هذه الصفة في الحدود التي يعينها القانون ، ولما كان المشرع لم يمنح الشخصية الاعتبارية لمصلحة الجمارك أو غيرها،
من الإدارات التابعة لها فإن وزير المالية يكون ممثلها دون غيره من موظفيها فيما ترفعه أو يرفع عليها من دعاوي وطعون،
ومن ثم فإن الطعن يكون غير مقبول بالنسبة للمطعون ضدهما الثاني والثالث بصفتيهما لرفعه علي غير ذي صفة.
النقض توضح معنى الضريبة
وذكرت مذكرة الطعن إن حاصل ما ينعاه الطاعن بصفته على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون،
إذ قضي بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدعوي استناداً إلى أن الحكم بعدم دستورية نص المادة 111 من قانون الجمارك رقم 66 لسنة 1963،
ليس له أثر رجعي وإنما أثره فوري، ولا حق له في استرداد ما سدد من رسوم خدمات،
حُصلت قبل صدور حكم الدستورية المشار إليه، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وردت محكمة النقض على هذا الدفع بقولها: وحيث إن هذا النعي سديد، ذلك أن – المقرر في قضاء محكمة النقض
-أن الضريبة هي فريضة مالية تقتضيها الدولة جبراً من المكلفين بأدائها، يدفعونها بصفة نهائية دون أن يعود عليهم نفع خاص من وراء التحمل بها،
وهي تفرض مرتبطة بمقدرتهم التكليفية ولا شأن لها بما قد يعود عليهم من فائدة بمناسبتها،
أما الرسم فإنه يستحق مقابل نشاط خاص آتاه الشخص العام عوضاً عن تكلفته، لما كان ذلك،
وكان مفاد نص المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 المعدلة بالقرار بقانون رقم 168 لسنة 1998،
أنه يترتب على صدور حكم من المحكمة الدستورية بعدم دستورية نص في القانون غير ضريبي أو لائحي،
عدم جواز تطبيقه اعتبارا من اليوم التالي لتاريخ نشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية.
الحكم ملزم لجميع سلطات الدولة وللكافة
وتضيف “المحكمة” وهذا الحكم ملزم لجميع سلطات الدولة وللكافة، ولازم ذلك أن الحكم بعدم دستورية نص في القانون،
لا يجوز تطبيقه من اليوم التالي لنشره ما دام قد أدرك الدعوى أثناء نظر الطعن أمام محكمة النقض وهو أمر متعلق بالنظام العام،
تعمله محكمة النقض من تلقاء ذاتها . لما كان ذلك، وكانت المحكمة الدستورية العليا قد حكمت في القضية رقم 175 لسنة 22 ق دستورية،
بعدم دستورية نص الفقرتين الأولى والأخيرة من المادة 111 من قانون الجمارك رقم 66 لسنة 1963 وبسقوط الفقرة الثانية منها.
وكذا قراري وزير المالية رقمي 255 لسنة 1993، 123 لسنة 1994، الخاصين بتقدير رسوم الخدمات الجمركية،
محل النزاع وهي نصوص غير ضريبية لتعلقها برسوم تجبيها الدولة جبراً من شخص معين مقابل خدمة تؤديها له السلطة العامة،
فيتعين تطبيق حكم الدستورية مار الذكر علي تلك النصوص منذ نشأتها، ويكون الحكم المطعون فيه إذ خلص إلي أن الطاعن بصفته،
لا يحق له استرداد ما سدده من رسوم خدمات حصلتها مصلحة الجمارك قبل صدور حكم الدستورية المشار إليه ،
متخذاً من النصوص – المحكوم بعدم دستوريتها – أساساً لقضائه بإلغاء الحكم المستأنف القاضي برد هذه الرسوم،
فإنه يكون معيباً بما يوجب نقضه، ولما كان الموضوع صالحاً للفصل فيه، ولما تقدم، فإنه يتعين تأييد الحكم المستأنف.
لــذلك:
نقضت المحكمة: الحكم المطعون فيه، وحكمت في موضوع الاستئناف رقم 102 لسنة 62 ق استئناف الإسكندرية بتأييد الحكم المستأنف،
مع إلزام المطعون ضده الأول بصفته بالمصروفات و3000 جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
مصدر الخبر | موقع برلماني