النقض : للمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية
النقض : للمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية
أكدت محكمة النقض في حكمها بالطعن رقم 2948 لسنة 91 قضائية، أن للمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ، ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من سائر الأدلة القائمة في الدعوى والتي تكفي لحمل قضائها – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – ومن ثم فإن منعى الطاعن في هذا الخصوص يكون في غير محله .
المحكمـــة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر والمرافعة وبعد المداولة قانونًا :-
حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون .
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة إحراز مخدر الهيروين بغير قصد من القصود المسماة قد شابه القصور في التسبيب والخطأ في الإسناد والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع ، ذلك بأنه لم يورد في بيان وافِ مؤدى ومضمون أقوال الشاهد الثاني واكتفى بالإحالة إلى ما حصله من أقوال الأول رغم اختلاف شهادتهما ، ودفع الطاعن ببطلان إذن القبض والتفتيش لصدوره عن جريمة مستقبلة ، ولابتنائه على تحريات غير جدية لعدة دلالات بيد أن المحكمة أغفلت الدفع الأول وأطرحت الثاني برد قاصر ولم تبد رأيها في عناصر التحريات السابقة على صدور الإذن ، والتي تساندت إليها رغم أنها لا تنهض دليلًا للثبوت واعتمدت على أقوال شاهدي الإثبات رغم أنها مستمدة من إجراءات باطلة ، ونازع الطاعن في صحة إقراره في محضر الضبط ، والتفتت المحكمة عما قدمه من مستندات – ذكرها – مؤيدة لدفاعه ، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها ، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها .
لما كان ذلك ، وكان الحكم قد حصل أقوال الشاهد الأول في أن تحرياته قد دلت على إحراز الطاعن لمواد مخدرة وبناءً على إذن من النيابة العامة تم ضبطه وبحوزته مخدر الهيروين ، فإن ما أورده الحكم من شهادة الشاهد الأول – والتي أحال إليها في إيراد ما شهد به الشاهد الثاني – يعد كافيًا لبيانها بطريقة وافية ، ويكون الحكم – على هذا النحو – قد أورد مؤدى ومضمون أقوال الشاهدين في بيان وافِ يكفي للتدليل على ثبوت الصورة التي اقتنعت بها المحكمة ، إذ كان من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان شهادة أحد الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت متفقة مع ما استند إليه الحكم منها ، وكان من المقرر كذلك أن محكمة الموضوع غير ملزمة بسرد روايات كل الشهود وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه.
وإذ كان الطاعن لا يجادل في أن أقوال الشاهدين متفقة في جملتها مع ما استند إليه الحكم في الواقعة الجوهرية المشهود عليها ، فإنه لا يؤثر في سلامة الحكم اختلاف أقوال شاهدي الإثبات في غير ذلك ، ذلك أن مفاد إحالة الحكم في بيان أقوال الشاهد الثاني إلى ما حصله من أقوال الشاهد الأول فيما اتفقا فيه أنه لم يستند في قضائه إلى ما اختلفا فيه من أقوال ، طالما أن من حق محكمة الموضوع تجزئة أقوال الشاهد والأخذ منها بما تطمئن إليه وإطراح ما عداه دون أن يعد هذا خطأ منها في الإسناد ، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الصدد لا يكون له محل .
لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما مؤداه أن التحريات السرية التي قام بها ضابط الإدارة العامة لمكافحة المخدرات دلت على أن الطاعن يحوز ويحرز جواهر مخدرة ، وقد أذنت النيابة العامة بناءً على ما تضمنته هذه التحريات بضبط وتفتيش الطاعن ، وبناءً على هذا الإذن تم ضبطه وبحوزته مخدر الهيروين ، مما يدل على أن الإذن إنما صدر لضبط جريمة تحقق وقوعها وليس عن جريمة مستقبلة أو محتملة ، ومن ثم فإنه لا يعيب الحكم التفاته عن الرد على الدفع الذي أبداه الطاعن ببطلان إذن التفتيش لصدوره عن جريمة مستقبلة طالما أنه دفع قانوني ظاهر البطلان .
لما كان ذلك ، وكان تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الأمر بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع ، ومتى كانت المحكمة قد اقتنعت بتوافر مسوغات إصدار هذا الأمر – كما هو الشأن في الدعوى الراهنة – فلا يجوز المجادلة في ذلك أمام محكمة النقض ، وإذ كان القانون لا يوجب حقًا أن يتولى رجل الضبط القضائي بنفسه مراقبة شخص المتحرى عنه أو أن يكون على معرفة سابقة به وله أن يستعين فيما يجريه من تحريات وما يتخذه من وسائل التفتيش بمعاونيه من رجال السلطة العامة ، ولا يعيب الإجراءات أن تبقى شخصية المرشد غير معروفة وألا يفصح عنها رجل الضبط القضائي ، وكان عدم بيان مهنة الطاعن ومحل إقامته ومسكنه وسوابقه ومصدر حصوله على المخدر لا يقطع بعدم جدية التحري ، فإن نعيه في ذلك لا يكون له محل.
لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن للمحكمة أن تعول على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة أساسية ، وإذ كانت الأدلة والاعتبارات والقرائن التي أوردها الحكم المطعون فيه من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها من ثبوت مقارفة الطاعن لجريمة إحراز المخدر التي دانه بها ، فإن ما يثيره في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلًا في واقعة الدعوى وتقدير أدلتها مما تستقل به محكمة الموضوع .
لما كان ذلك ، وكانت منازعة الطاعن في حق المحكمـة فـي الاعتماد على شهادة شاهدي الإثبات ، فمردود بـأن مـن يـقـوم بـإجراء باطل لا تقبـل منـه الشهادة عليه ، إلا أن ذلك لا يكون إلا عند قيام البطلان وثبوته ، ومتى كان لا بطـلان فيما قام به الشاهدان ، فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي عولت على أقوالهما ضمن ما عولت عليه في قضائها .
لما كان ذلك ، وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه لم يتخذ من إقرار الطاعن في محضر الضبط دليلًا قبله على مقارفة الجريمة التي دانه بها ، ولا يجوز التحدي في ذلك بما ورد بأقوال ضابط الواقعة – حسبما حصلها الحكم – من أن الطاعن أقر له بإحراز المخدر المضبوط ، إذ هو لا يعد اعترافًا منه بما أسند إليه وإنما مجرد قول للضابط يخضع لتقدير المحكمة التي أفصحت عن اطمئنانها إليه في هذا الشأن ، ويكون منعي الطاعن في هذا الشأن غير سديد .
لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن للمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية، ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من سائر الأدلة القائمة في الدعوى والتي تكفي لحمل قضائها – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – ومن ثم فإن منعى الطاعن في هذا الخصوص يكون في غير محله . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينًا رفضه موضوعًا .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة :
بقبول الطعن شكلًا وفي الموضوع برفضه .
أمين السر نائب رئيس المحكمة
مصدر الخبر | موقع نقابة المحامين