الهيئات القضائية

«النقض»: يجوز نشر الصور الشخصية دون إذن أصحابها بشرط.. طالع التفاصيل

مع التطور التكنولوجي السريع في العصر الحديث وانعكاسه على تطور أجهزة التصوير والهواتف المحمولة المزودة بالكاميرا، حتى وصل الأمر لصناعة كاميرات صغيرة لايمكن رؤيتها بالعين المجردة، وهو ما سهل وجود انتهاك لحرمات الأشخاص عن طريق تصويرهم ونشر صورهم دون اذن منهم، الأمر الذي اعتبره المشرع جريمة يعاقب عليها القانون من خلال سنه لتشريعات تحكم هذا الأمر، ولكن هل كل تصوير كل الأشخاص ونشر صورهم دون إذن يعد جريمة؟.
وفي هذا الصدد نصت محكمة النقض في حكم حديث لها على ضوابط وشروط إباحة نشر الصور الشخصية دون إذن منهم، فأكدت المحكمة أثناء نظرها الطعن رقم ٩٥٤٢ لسنة ٩١ قضائية، الصادر بجلسة ٢٠٢٢/٠٣/١٦، بعدم جواز نشر أى صورة التقطت لشخص إلا بإذنه، وأشارت إلى أن الاستثناء عندما يكون الشخص ذو صفة رسمية أو عامة أو يتمتع بشهرة محلية أو عالمية أو سمحت بهذا النشر السلطات العامة المختصة خدمة للصالح العام، بشرط ألا يرتب عرض الصورة مساس بشرفه أو بسمعته أو اعتباره، م ١٧٨ ق ٨٢ لسنة ٢٠٠٢.
وتابعت: مفاد النص فى المادة ١٧٨ من قانون حماية حقوق الملكية الفكرية رقم ٨٢ لسنة ٢٠٠٢ يدل على أن من عمل أو التقط أى صورة لشخص آخر بأى شكل من الأشكال أيًا كانت الطريقة التى عُملت بها سواء كانت صورة فوتغرافية أو متحركة فلا يجوز له نشر أصلها أو توزيعها أو عرضها أو أى نسخ منها دون إذن من التقطت له الصورة ، واستثنى المشرع من ذلك حالة واحدة وهى إذا كان ما عُملت أو التقطت له هذه الصورة هو شخص ذو صفة رسمية أو عامة أو يتمتع بشهرة محلية أو عالمية أو سمحت بهذا النشر السلطات العامة المختصة خدمة للصالح العام وبشرط ألا يترتب على عرض هذه الصورة فى هذه الحالة الأخيرة أى مساس بشرف هذا الشخص أو بسمعته أو اعتباره.
وقائع الدعوى
حيث إن الوقائع ـــ على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق ـــ تتحصل فى أن مورث المطعون ضدهم أقام على الطاعن الدعوى رقم ١١٩ لسنة ١٢ ق أمام الدائرة الاستئنافية بمحكمة القاهرة الاقتصادية بطلب الحكم أولاً: بإلزامه بأن يُسدد له مبلغ مالى قدره خمسة وعشرين مليون جنيه مصرى تعويضاً عما لحق به من أضرار مادية وأدبية بسبب اعتداءاته على حقوقه على صورته الشخصية ثانياً: بندب أحد خبراء الملكية الفكرية تكون مهمته إثبات واقعة الاعتداء والأضرار التى لحقت به , وقال بياناً لذلك إنه كان قائداً للطائرة الخاصة التى استقلها الطاعن للسفر إلى مدينة الرياض وأثناء الرحلة فوجئ بالأخير يدخل إلى كابينة القيادة المفتوحة على المكان المخصص للركاب وطلب منه الحصول على صورة تذكارية معه لكى يراها نجله فسمح له بالتقاط تلك الصورة معه مع التنبيه عليه بعدم نشرها بأى وسيلة من وسائل النشر إلا أن الطاعن ـــ ودون إذن أو علم مورث المطعون ضدهم ـــ قام باستغلال هذه الصورة بأن قام بنشرها فى فيديو كليب خاص بإحدى أغنياته على مواقع التواصل الاجتماعى والقناة الخاصة به على اليوتيوب بهدف تحقيق الربح من ذلك.
وهو ما أصابه بأضرار جسيمه فى اسمه وسمعته يتعذر تداركها تمثلت فى إقالته من وظيفته ومنعه من الطيران مدى الحياة وحرمانه من مصدر دخله الوحيد فضلاً عما لحقه من خسارة وما فاته من كسب بما يتوافر معه فى جانب الطاعن أركان المسئولية التقصيرية الموجبة للتعويض المادى والأدبى فكانت الدعوى , وجه الطاعن دعوى فرعية إلى مورث المطعون ضدهم بطلب الحكم بإلزامه بأن يؤدى له مبلغ وقدره خمسة مليون جنيه تعويضاً عما لحقه من أضرار مادية وأدبية من جراء حملة التشهير الممنهجة التى قادها ضده لتضليل الرأى العام بالإدعاء كذباً بأنه لم يأذن له بالتصوير بقصد النيل من سمعته بين أصدقائه وفى جميع الأوساط الفنية والإجتماعية وجميع طبقات المجتمع المصرى والعربى وذلك بتردده على الميديا وكافة القنوات الفضائية ومواقع اليوتيوب فى لقاءات مصورة أو تلفزيونية على الهواء مما أصابه بأضرار مادية تمثلت فى إلغاء بعض الحفلات وتكبده مبالغ طائلة للاستعانة بمكتب محامى للدفاع عنه فضلاً عما أصابه من أضرار أدبية تمثلت فى النيل من سمعته , ندبت المحكمة لجنة ثلاثية من الخبراء.
وبعد أن أودعت تقريرها , قضت بتاريخ ٧/٤/٢٠٢١ فى الدعوى الأصلية بإلزام الطاعن بأن يؤدى لمورث المطعون ضدهم مبلغ إجمالى مقداره ستة مليون جنيه تعويضاً عن الأضرار المادية والأدبية التى حاقت به وفى الدعوى الفرعية برفضها , طعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض , وقدمت النيابة مذكرة دفعت فيها بعدم قبول الطعن لعدم انعقاد الخصومة فيه وأبدت الرأى فى موضوع الطعن برفضه، وإذ عرض الطعن على دائرة فحص الطعون الاقتصادية منعقدة فى غرفة المشورة فرأت أنه جدير بالنظر وأحالته إلى هذه المحكمة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها .
وحيث إن مبنى الدفع المبدى من النيابة بعدم قبول الطعن لعدم انعقاد الخصومة فيه ، أن الطاعن أقام الطعن على مورث المطعون ضدهم رغم أنه توفى أثناء ميعاد الطعن وقبل إيداع صحيفته , فتكون الخصومة بذلك لم تنعقد فى هذا الطعن بين طرفيها , إذ كان يتعين على الطاعن أن يوجه طعنه إلى الورثة جملة فى الموعد القانونى من وقت علمه بالوفاة وفقاً لنص المادة ٢١٧ من قانون المرافعات .
وحيث إن هذا الدفع مردود ، ذلك أنه من المقرر ـــ فى قضاء هذه المحكمة ـــ أن الأصل فى الإجراءات أنها روعيت وعلى من يدعى خلاف ذلك الأصل إقامة الدليل على ذلك , كما أن المشرع نظم فى المادة ٢١٧ من قانون المرافعات كيفية الطعن فى الأحكام فى حالة وفاة المحكوم له أثناء ميعاد الطعن بأن أجاز للطاعن رفـع الطعن وإعلانه إلى ورثة المحكوم له جملة دون ذكر أسمائهم وصفاتهم فى آخر موطن كان لمورثهم ثم إعادة إعلانهم بأسمائهم وصفاتهم لأشخاصهم أو فى موطن كل منهم قبل الجلسة المحددة لنظر الطعن أو فى الميعاد الذى تحدده المحكمة لذلك مستهدفاً المشرع بذلك تحقيق غاية معينة هى حفظ الطعن من السقوط .
لما كان ذلك , وكان الثابت من الأوراق أن مورث المطعون ضدهم ـــ المحكوم له ـــ قد توفى بتاريخ ٢٤/٤/٢٠٢١ أى بعد صدور الحكم المطعون فيه وأثناء ميعاد الطعن , ومن ثم فقد أقام الطاعن الطعن على ورثته جملة دون ذكر أسمائهم وصفاتهم موجهاً إعلانه بصحيفة الطعن لهم فى أخر موطن كان لمورثهم , إلا أنه لم يتم إعلانهم لورود إجابة المُحضر القائم بالإعلان تفيد بأنهم قد تركوا العقار منذ فترة , فكلفت هذه المحكمة الطاعن بإعلان ورثة المحكوم له فى موطن كل منهم وحددت لنظر الطعن جلسة ١٦/٢/٢٠٢٢ , وفى تلك الجلسة الأخيرة مثل وكيل الطاعن وقدم ما يفيد إعلان المطعون ضدهم بصفتهم ورثة المحكوم له كما مثل وكيل المطعون ضدهم وطلب رفض الطعن , فتكون بذلك الإجراءات قد روعيت وتحققت الغاية من الإجراءات التى تطلبها المشرع وفقاً لنص المادة ٢١٧ من قانون المرافعات , إذ أن الشكل ليس سوى وسيلة لتحقيق غاية معينة فى الخصومة , فربط شكل الإجراء بالغاية منه يؤدى إلى جعل الشكل أداة نافعة فى الخصومة وليس مجرد قالب تتأذى منه العدالة فى بعض الأحيان ، ولذلك سمح المشرع باستكمال العمل الإجرائى عوضاً عن استبداله ، وقرر أن حضور المعلن إليه يصحح بطلان تكليفه , ومن ثم يضحى الدفع المبدى من النيابة فى هذا الخصوص على غير أساس.
وحيث إن الطعن على هذا النحو يكون قد استوفى أوضاعه الشكلية .
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب ينعى بها الطاعن على الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه والتناقض والقصور فى التسبيب والإخلال بحق الدفاع , وفى بيان ذلك يقول إن الحكم المطعون فيه قضى بإلزامه بأن يؤدى لمورث المطعون ضدهم مبلغ التعويض المقضى به تعويضاً عن الأضرار المادية والأدبية التى لحقت به على سند من وقوع الخطأ من جانبه المتمثل فى نشر الصورة الشخصية لمورث المطعون ضدهم دون إذن منه أخذاً بما نصت عليه المادة ١٧٨ من قانون حماية الملكية الفكرية رقم ٨٢ لسنة ٢٠٠٢ وأن هذا الخطأ أصاب الأخير بأضرار يستحق عنها التعويض , رغم أن نص المادة سالفة الإشارة إليها تُبيح نشر أى صورة إذا كانت تتعلق بأشخاص ذوى صفة رسمية أو عامه أو يتمتعون بشهره محليه أو عالميه وهى الشروط التى تتوافر فى الطاعن بما يحق له نشر الصورة موضوع الدعوى , فضلاً عن أن الحكم المطعون فيه أورد بأسبابه أن خطأ مورث المطعون ضدهم بالسماح للطاعن بالتواجد فى كابينة قيادة الطائرة والإمساك بأجهزة القيادة أثناء الطيران هو خطأ مهنى جسيم.
وأن هذا الخطأ كان كافياً وحده لإحداث الضرر الذى لحق به ومستغرقاً لأى خطأ آخر منسوب للطاعن وهو خطأ مستقل عن مسلك الطاعن بنشر الصورة الشخصية لمورث المطعون ضدهم , ورغم ذلك تناقض الحكم مع تلك الأسباب وقضى بإلزام الطاعن بالتعويض رغم أن مورث المطعون ضدهم تم سحب رخصة الطيران الخاصة به بعد أن أقر فى التحقيقات التى أجريت معه بمعرفة وزارة الطيران المدنى بمخالفته لتعليمات الأمن والسلامة الجويه ومخالفته لقانون الطيران المدنى رقم ٢٨ لسنة ١٩٨١ المعدل بالقانون رقم ١٣٦ لسنة ٢٠١٠ , وهو ما تنتفى معه عناصر المسئولية التقصيرية الموجبة للتعويض فى جانب الطاعن , مما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه .
وحيث إن هذا النعى مردود , ذلك أنه من المقرر ـــ فى قضاء هذه المحكمة ـــ أنه متى كان النص واضحاً جلى المعنى قاطع الدلالة على المراد منه فلا يجوز الخروج عليه أو تأويله , وأنه يتعين على قاضى الموضوع استظهار حكم القانون الصحيح المنطبق على الواقعة المطروحة عليه , وهو فى ذلك لا يحتاج إلى طلب الخصوم بل هو واجبه الذى عليه ومن تلقاء نفسه أن يبحث عن الحكم القانونى المنطبق على الوقائع المطروحة عليه وأن يُنزل عليها هذا الحكم أياً ما كانت الحجج القانونية التى استند إليها الخصوم فى طلباتهم ودفاعهم , وكان النص فى المادة ١٧٨ من قانون حماية حقوق الملكية الفكرية رقم ٨٢ لسنة ٢٠٠٢ على أنه ” لا يحق لمن قام بعمل صورة لآخر أن ينشر أو يعرض أو يوزع أصلها أو نسخاً منها دون إذنه أو إذن من فى الصورة جميعاً ما لم يتفق على خلافه , ومع ذلك يجوز نشر الصورة بمناسبة حوادث وقعت علناً أو إذا كانت الصورة تتعلق بأشخاص ذوى صفة رسمية أو عامة أو يتمتعون بشهرة محلية أو عالمية أو سمحت بهذا النشر السلطات العامة المختصة خدمة للصالح العام ، وبشرط ألا يترتب على عرض الصورة أو تداولها فى هذه الحالة مساس بشرف الشخص أو بسمعته أو اعتباره.
ويجوز للشخص الذي تمثله الصورة أن يأذن بنشرها فى الصحف وغيرها من وسائل النشر حتى ولو لم يسمح بذلك المصور ما لم يتفق على غير ذلك , وتسرى هذه الأحكام على الصور أياً كانت الطريقة التى عُملت بها من رسم أو حفر أو أية وسيلة أخرى ” يدل على أن من عمل أو التقط أى صورة لشخص آخر بأى شكل من الأشكال أياً كانت الطريقة التى عُملت بها سواء كانت صورة فوتوغرافية أو متحركة  فلا يجوز له نشر أصلها أو توزيعها أو عرضها أو أى نسخ منها دون إذن من التقطت له الصورة , واستثنى المشرع من ذلك حالة واحدة وهى إذا كان ما عُملت أو التقطت له هذه الصورة هو شخص ذو صفة رسمية أو عامة أو يتمتع بشهرة محلية أو عالمية أو سمحت بهذا النشر السلطات العامة المختصة خدمة للصالح العام وبشرط ألا يترتب على عرض هذه الصورة فى هذه الحالة الأخيرة أى مساس بشرف هذا الشخص أو بسمعته أو اعتباره , ومن ثم فإنه وعلى خلاف هذه الحالة أنفة البيان إذا لم يأذن من التقطت له الصورة للمُصور بنشر أصل هذه الصورة أو عرضها أو توزيعها أو أى نسخ منها فإنه لا يحق له ذلك , فإن قام على الرغم من عدم وجود هذا الإذن بنشرها أو عرضها أو توزيعها فإنه يكون قد ارتكب خطأ فى حق من التقطت له هذه الصورة فإذا ما أثبت الأخير أنه قد أصابه من جراء هذا الخطأ أضرار مادية أو أدبية فإن من التقط الصورة.
فى هذه الحالة يُلزم بأن يؤدى له التعويض الجابر لهذه الأضرار على النحو الذى تُقدره المحكمة وذلك لتوافر عناصر المسئولية التقصيرية الموجبة للتعويض فى جانبه أخذاً بما جرى عليه نص المادة ١٦٣ من القانون المدنى من أن ” كل خطأ سبب ضرراً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض ” , بشرط أن يكون تقدير المحكمة للتعويض قائماً على أساس سائغ ومردوداً إلى عناصره الثابتة بالأوراق ومبرراته التى يتوازن بها أساس التعويض مع العلة من فرضه بحيث يكون متكافئاً مع الضرر ليس دونه وغير زائد عليه ، إذ أن التعويض مقياسه هو الضرر المباشر الذى أحدثه الخطأ ويشتمل هذا الضرر على عنصرين جوهريين هما الخسارة التى لحقت المضرور والكسب الذى فاته وهذان العنصران هما اللذان يقومهما القاضى بالمال على ألا يقل عن الضرر أو يزيد عليه متوقعاً كان هذا الضرر أو غير متوقع متى تخلف عن المسئولية التقصيرية . لما كان ذلك , وكان من المتعارف عليه أنه توجد مناطق من الحياة الخاصة لكل فرد تُمثل أغواراً لا يجوز النفاذ إليها وهذه المناطق من خواص الحياة ودخائلها وينبغى دوماً ـــ ولاعتبار مشروع ـــ ألا يقتحمها أحد ضماناً لسريتها وصوناً لحرمتها ودفعاً لمحاولة التلصص عليها أو اختلاس بعض جوانبها , وبوجه خاص من خلال الوسائل العلمية الحديثة التى بلغ تطورها حداً مذهلاً وكان لتنامى قدراتها على الاختراق أثراً بعيداً على الناس جميعهم حتى فى أدق شئونهم وما يتصل بملامح حياتهم بل وببياناتهم الشخصية والتى غدا الاطلاع عليها والنفاذ إليها كثيراً ما يُلحق الضرر بأصحابها , إذ أن البشرية لم تعرف فى أى وقت مضى مثل هذا التزايد الحالى والسرعة فى العلاقات بين الناس , فبعد التلغراف والتليفون والراديو والتليفزيون كانت شبكة المعلومات والاتصالات الدولية المعروفة باسم ” الإنترنت ”.
والتي ساهمت بشتى السبل فى نقل وتبادل المعلومات بحيث تسمح بالتعرف الفورى على المعلومة والصورة والصوت والبيانات عبر أنحاء العالم لدرجة يمكن معها القول بتلاشي فروق التوقيت , فالإنترنت أصبح أداة جديدة للمعلوماتية والاتصال وبذلك فهو يمثل ثورة فى الاتصال الإلكتروني , وبهذا التطور السريع جداً فى نقل وتبادل المعلومات أصبح مجتمع القرن الحادي والعشرين هو مجتمع المعلومات وفى هذا المجتمع ألغت سرعة سير وانتقال المعلومات الزمان والمكان وفسحت المجال أمام الحريات بحيث أصبح لكل شخص يعيش على أرض المعمورة الحق فى الاتصال بغيره وتبادل الأفكار والمعلومات معه , وقد تدعم ذلك بصيرورة حق الاتصال والحصول على المعلومات وتداولها ليس فقط حقاً دستورياً بل أيضاً حقاً من حقوق الإنسان وحرياته الأساسية , إلا أن هذه التجربة الجديدة ” الإنترنت ” أظهرت من الخوف بقدر ما أظهرت من الإعجاب , وكان منبع الخوف قادماً من أن الإنترنت ليس له حدود ولا قياده قانونية وبعبارة أخرى ليس له شخصية قانونية معنوية تمثله فى مواجهة المستعلمين له أو فى مواجهة الغير لأنه عباره عن اتحاد فيدرالي للشبكات فى مجموعها يغطى تقريباً كل الكرة الأرضية.
وكان مما لاشك فيه أن بحث الحماية القانونية ضد هذه الأخطار لا يكون إلا من خلال القانون والذى تطور فى هذا المجال بوضع القواعد القانونية التى تحمى اعتداء أى شخص على الحياة الخاصة لآخرين من خلال الإنترنت , إذ أصبحت الحياة الخاصة فى غالبية دول العالم قيمة أساسية تستحق الحماية , وقد أكدت هذه القيمة المادة ٥٧ من الدستور المصرى الحالى فنصت على أن ” للحياة الخاصة حرمه , وهى مصونة لا تمس ….. ” , وهو ذات النهج الذى انتهجه المشرع المصرى فى المادة ١٧٨ من قانون حماية حقوق الملكية الفكرية رقم ٨٢ لسنة ٢٠٠٢ السالف الإشارة إليها , كما أرست المادة ١٦٣ من القانون المدنى المصرى الحق فى التعويض عن أى خطأ يُسبب ضرراً للغير , ومن هذه الأخطاء بطبيعة الحال حق الشخص الذى اعتدى على حقه فى صورته الشخصية وأثبت أنه أصابه أضرار من جراء ذلك فى مطالبة من ارتكب هذا الخطأ بالتعويض عن هذه الأضرار , بما مفاده أن نشر صورة شخص دون إذن منه هو فعل يمثل خطأ يستحق عنه التعويض إذا سبب أضراراً له , إذ أن الحق فى الصورة الشخصية يشمل حق الشخص فى أن يرفض التصوير وحقه فى أن يراقب الاستغلال لصورته , وبمعنى آخر فإن الإذن الممنوح من الشخص بالتصوير لا يتضمن الإذن بنشر الصورة لكون الحق فى هذه الصورة هو حق مطلق قاصر على الشخص المراد تصويره وهو يحتاج إلى رضاء صريح منه بنشر الصورة واستغلالها.
وهو ما تستبعد معه قرينة الموافقة الضمنية بنشرها التى تستفاد من الظروف , ومن ثم فيجب أن يفسر الإذن الضمني للأشخاص الذين يتم تصويرهم تفسيراً ضيقاً بواسطة المحاكم مع الأخذ فى هذا الخصوص بالإذن الصريح بالتصوير ونشر الصورة وتوزيعها واستغلالها دون غيره , لكون هذا الإذن الصريح يتعلق بنطاق استقلال كل فرد ببعض قراراته الهامة التى تكون بالنظر إلى خصائصها وآثارها أكثر اتصالاً بمصيره وأكثر تأثيراً فى أوضاع حياته التى أختار أنماطها . لما كان ذلك , وكان من المقرر ـــ فى قضاء هذه المحكمة ـــ أن لمحكمة الموضوع سلطة استخلاص توافر الخطأ الموجب للمسئولية والضرر وعلاقة السببية بينهما ولا رقابة عليها فى ذلك من محكمة النقض طالما جاء استخلاصها سائغاً وحسبها أن تبين الحقيقة التى اقتنعت بها وأن تقيم قضاءها على أسباب تكفى لحمله , كما أن تقدير التعويض هو من إطلاقات محكمة الموضوع بحسب ما تراه مناسباً مستهدية فى ذلك بكافة الظروف والملابسات فى الدعوى ولا عليها إن هى قدرت التعويض الذى رأته مناسباً بدون أن تبين أو ترد على ما أثاره الطاعن من ظروف وإذا لم يكن التعويض مقدراً بالاتفاق أو بنص القانون فإن لمحكمة الموضوع السلطة التامة فى تقديره دون رقابة عليها من محكمة النقض وبحسب الحكم أن يكون قد بين عناصر الضرر الذى يقدر التعويض عنه.
كما أنه من المقرر أيضاً ـــ فى قضاء هذه المحكمة ـــ أن لمحكمة الموضوع سلطة فهم الواقع فى الدعوى وتقدير الأدلة والمستندات المقدمة فيها والأخذ بتقرير الخبير المقدم فيها باعتباره من أدلة الإثبات لاقتناعها بصحة أسبابه متى كانت مردودة لأصلها الثابت بالأوراق ومستخلصة منها استخلاصاً سائغاً ومن شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليه . لما كان ذلك ,  وكان الحكم المطعون فيه قد خلص إلى أنه وأثناء رحلة طيران خاصة بقيادة مورث المطعون ضدهم قام الطاعن بالدلوف إلى كابينة قيادة الطائرة وجلس على مقعد الطيار المساعد وقام بالتقاط مقطع مصور لهما بالفيديو وقام بنشر صور من مقطع ذلك الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعى الخاصة به مُصاحباً لأحد أغنياته الفنية المعنونة ” مش بتفتش فى المطار ” , كما خلص من تقرير لجنة الخبراء المنتدبة فى الدعوى إلى أنه تم التقاط هذا الفيديو فى كابينة قيادة الطائرة فى رحلتها المتجهة من القاهرة إلى الرياض مساء يوم ١٢/١٠/٢٠١٩ وأنه تم نشر الفيديو لأول مره بتاريخ ١٣/١٠/٢٠١٩ على مواقع التواصل الاجتماعى الخاصة بالطاعن ” انستجرام , فيس بوك , تويتر ” مصحوباً بأغنية  ” مش بتفتش فى المطار ” كما تم بثه فى سياق التغطية الإخبارية من جانب العديد من المواقع الإخبارية على شبكة المعلومات الدولية ” الإنترنت ” وكذلك على العديد من القنوات الفضائية والمواقع الخاصة بها على قناة يوتيوب وأن مورث المطعون ضدهم قام بالسماح للطاعن بتصوير ذلك الفيديو دون أن يأذن له بنشره.
وأن الطاعن لم يقدم ما يفيد حصوله على إذن أو تصريح منه بذلك , وخلص الحكم من ذلك إلى أن الأوراق بذلك تكون قد خلت مما يفيد أن مورث المطعون ضدهم قد وافق صراحة أو ضمناً على قيام الطاعن بنشر صورته الشخصية ضمن محتوى مقطع الفيديو المار ذكره على مواقع التواصل الاجتماعى الخاصة به , بما يثبت معه أن الطاعن قد خالف نص المادة ١٧٨ من قانون حماية حقوق الملكية الفكرية رقم ٨٢ لسنة ٢٠٠٢ بما يتحقق به فى جانبه ركن الخطأ التقصيري المتمثل فى قيامه بنشر الصورة الشخصية لمورث المطعون ضدهم دون إذنه حال كونه ليس من الشخصيات العامة , وهو ما أصاب الأخير بأضرار ماديه تمثلت فى الإفتئات على حقه فى الحصول على مقابل مالى لذلك , كما تسبب له أيضاً من جراء ذلك فى أضرار أدبية تمثلت فيما ألم به من حزن وأسى نتيجة ذلك التعدى الحاصل على صورته الشخصية بنشرها ضمن فيديو غنائى بعنوان ” مش بتفتش فى المطار ” دون إذن منه وما ترتب على ذلك النشر من تداول صورته الشخصية فى سياق التغطية الإخبارية لذلك الحدث بالعديد من المواقع الإخبارية على شبكة المعلومات الدولية ” الإنترنت ” .
وكذلك على العديد من القنوات الفضائية والمواقع الخاصة بها على قناة يوتيوب مما نال من مركزه الاجتماعى حال كونه من رجال القوات المسلحة السابقين ومن ذوى الخبرة فيما بعد فى مجال العمل كطيار مدنى , وخلص الحكم المطعون فيه من جماع ما تقدم إلى أن هذا الخطأ التقصيري الذى اقترفه الطاعن قد تلازم مع تلك الأضرار المادية والأدبية التى لحقت بمورث المطعون ضدهم تلازماً لازماً وارتبط بهما بعلاقة سببية لا انفصام عنها بما يتوافر فى حق الطاعن المسئولية عن التعويض , ثم رتب على ذلك قضائه بإلزام الطاعن بأن يؤدى لمورث المطعون ضدهم مبلغ مقداره مليون جنيه تعويضاً عن الأضرار المادية التى أصابته ومبلغ مقداره خمسة مليون جنيه تعويضاً عن الأضرار الأدبية التى أصابته , وكان ما استخلصه الحكم المطعون فيه فى هذا الخصوص سائغاً وله معينه الثابت بالأوراق ويكفى لحمل قضائه ويتضمن الرد المسقط لما أثاره الطاعن فى هذا الخصوص , ومن ثم لا يعدو النعى عليه بما ورد بأسباب الطعن إلا أن يكون جدلاً موضوعياً فى سلطة محكمة الموضوع فى فهم الواقع فى الدعوى وتقدير الدليل فيها بما تنحسر عنه رقابة هذه المحكمة , وهو ما يضحى معه هذا النعى على غير أساس.
الحكم
ولما تقدم يتعين رفض الطعن .

 

مصدر الخبر | موقع نقابة المحامين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى