بعد ساعات من تعيينها رئيسًا للطب الشرعى.. د. شيرين غالب لـ«المصرى اليوم» : استخدام «بصمة المخ» فى التحقيقات يحد من وقوع الجريمة
بعد ساعات من تعيينها رئيسًا للطب الشرعى.. د. شيرين غالب لـ«المصرى اليوم» : استخدام «بصمة المخ» فى التحقيقات يحد من وقوع الجريمة
«الطب الشرعى يستخدم لمنع وقوع الجرائم من خلال التوعية، وليس للكشف عن طبيعة الجريمة بعد وقوعها»، بهذه العبارة لخصت الدكتورة شيرين غالب رئيس قسم الطب الشرعى والسموم الإكلينيكية بطب قصر العينى، رؤيتها حول طبيعة ومهام تلك الفئة من الأطباء.
الدكتورة شيرين غالب، التى بدأت عملها كأستاذ الطب الشرعى والسموم الإكلينيكية، وصولا لنقيب أطباء القاهرة كأول سيدة منتخبة منذ عام 2019 وحتى الآن، هى أول طبيبة فى الوطن العربى حاصلة على الزمالة البريطانية فى الطب الشرعى، ومؤخرا صدر قرار بتوليها رئاسة قسم الطب الشرعى بجامعة القاهرة، وبعد أيام قليلة من توليها المنصب التقتها «المصرى اليوم» للحديث عن كافة الموضوعات المتعلقة بالطب الشرعى ومهامه والتحديات التى تواجه الأطباء الشرعيين وكيف يمكن حلها.. وإلى نص الحوار:
فى بداية حديثها وصفت الطب الشرعى بأنه «الطب العدلى»، الذى يحقق العدالة بالمجتمع، وأى جريمة لها حلقات: الضحية، القاتل، المحامى، الضابط، القاضى، والحلقة الوحيدة التى تصل الطب بالحقوق والمحاكم هى الطبيب الشرعى، وبحكم عمله وفهمه للنقاط الطبية فهو من يجاوب على أسئلة كل تلك الأطراف، على سبيل المثال، فى جرائم القتل هو الوحيد الذى يمتلك الحق القانونى للكشف الطبى على جسم الإنسان لتحديد سبب الوفاة إذا كانت حادثة أو مرضا أو تسمما، وظروف الوفاة، إذا كان انتحارا أو قتلا أو قضاء وقدرا.
وأضافت: الطب الشرعى جزءان، جزء يتبع وزارة العدل، وآخر يتبع وزارة التعليم العالى، والأخير هو الذى شرفت برئاسته، أيضا الطب الشرعى ينقسم إلى أقسام، هناك الطب الشرعى الميدانى الذى يشمل التشريحى والإكلينيكى، أما التشريحى فهو الذى يتم فيه تشريح الجثة، لتوضيح سبب وظروف الوفاة، ولكن رأى الطب الشرعى الجامعى فى مثل تلك القضايا يكون استشاريًا فقط إذا طلبت المحكمة ذلك.
وتابعت: أما «الإكلينيكى» فهو أيضا يعتبر ميدانيا، ولكنه مختص بالأحياء وليس الأموات، لأنه ليس به تشريح ولكنه خاص بقضايا العنة (القضايا التى تثبت عدم قدرة الزوج على الزواج)، الاغتصاب، الاعتداء الجسدى، عنف المرأة والأطفال. وهناك الطب الشرعى الخاص المعملى، وهو يتعامل مع أنابيب وأجهزة من خلال إجراء تحاليل للأشخاص، مثل فحص الدم أو البول أو اللعاب، كما يحدث فى قضايا المخدرات، قضايا النسب، والطب الشرعى الباثولوجى، يتعامل فيه مع فحص الأنسجة، لكن قضايا التزييف والتزوير تابعة للطب الشرعى، ومن يمارسها خريجو كلية العلوم، وكل ذلك يتم إطلاقه على الطب الشرعى، لأن مبنى مصلحة الطب الشرعى مقسم إلى أدوار.
وأضافت الدكتورة شيرين غالب أنها أعدت دراسة دكتوراه وعرضتها فى عدة دول منها كوريا لأنها تُطبق هناك، وهى عبارة عن التحقق بـ«بصمة المخ» كدليل دامغ لا يخضع للكذب. وأتمنى خروجها للنور، لأنها ستساعد كثيرا فى عالم الجريمة، فقد تمنع وقوع الجريمة أو على الأقل تحد منها، فإذا علم الجانى قبل أن يُقبل على جريمته أنه سيتم التوصل إليه من خلال بصمة المخ، وذلك من خلال عرض الصور من مسرح الجريمة أمام المشتبه به، فسيقوم المخ بالتعرف على الصورة وهنا لا يستطيع الإنكار، مؤكدة أن المخ هنا سيفضح صاحبه وسيكون وسيلة لكشف المتهمين فى القضايا بالدليل القاطع.
وعن أهم المعوقات التى تواجه الطب الشرعى فى مصر، قالت الدكتورة شيرين غالب إنها تتمثل فى قلة الأطباء بسبب هجرتهم للخارج، وإعارة الكثير منهم للدول العربية، وللأسف الخبرات معظمها بالخارج وذلك لأن المجال غير جاذب، حيث ينظر إليه على كونه مجال التعامل مع أموات وهذا هو المفهوم السائد، بالإضافة إلى أن الطبيب الشرعى قانونا لا يستطيع فتح عيادة خاصة لزيادة دخله كأى طبيب زميل فى تخصص آخر، وبالتالى يضطر إلى الهجرة أو الإعارة لزيادة دخله، لكن بيئة العمل صالحة والأجهزة متوفرة، والدورات التدريبية متوفرة. فالبيئة آمنة، لكن المشكلة فى قلة الدخل.
ووضعت نقيب أطباء القاهرة شروطا للحد من هجرة الأطباء الشرعيين أولها زيادة الدخل، وزيادة الأعداد لأن الجهد المبذول كثير جدا بسبب ضغط العمل بشكل طردى مع عدد السكان، مع قلة عدد الأطباء، وأنا لا ألوم عليهم فأية فرد يسعى لزيادة دخله ولكن دورنا أن نسعى لزيادة الأعداد، لأن الغلاء والظروف الاقتصادية الصعبة مشكلة عالمية الآن بسبب الأحداث الأخيرة. فقد شاهدت شعب إنجلترا يعانى من عدم وجود أبسط السلع، وفى إنجلترا يهاجر الأطباء أيضا إلى أمريكا وأستراليا لارتفاع الضرائب بشكل مرهق لهم، لذلك فأنا لا أقلق على مصر، حتى مع الغلاء والظروف الاقتصادية التى طالت الجميع، وفعلا ستظل فى رباط إلى يوم الدين، كما قال رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام.
وحول إلقاء اللوم من جانب البعض بتأخر تقارير مصلحة الطب الشرعى، قالت الدكتورة شيرين غالب إنها ضد ذلك تماما، لأنه مع زيادة عدد السكان والقضايا المطروحة للبحث وقلة عدد الأطباء كل ذلك يحد من سرعة البت، أيضا لابد من هذا التأخير فالدقة تتطلب ذلك، والطب الشرعى فى مصر يتمتع بسمعة ممتازة عالميا مثله مثل الطب الشرعى الإنجليزى والهندى، وهؤلاء الدول الثلاث معروفة عالميا بدقة وكفاءة الطب الشرعى، لكن التعجل فى إصدار النتيجة قد يترتب عليه وقوع ظلم على طرف بعينه أو إعدام شخص، فهذا ليس مطلوبا بل مرفوض تماما، وليس التأخير بسبب الطب الشرعى فقط قد يكون من النيابة، أو انتظار نتيجة المعامل، أو العرض على لجنة ثلاثية، إذا هى منظومة متكاملة، وحتى لو تأخر شهورا، المهم دقة وصحة التقرير.
وشددت على نزاهة الأطباء الشرعيين فى إصدار التقارير ووصفت محاولات التشكيك فيهم بأنها محض افتراء، وأن الطبيب الشرعى من أنزه الأطباء ويعرفون حدودهم والتزاماتهم ومدى خطورة المهام الملقاة على عاتقهم، وتابعت: أثق فيهم بلا حدود فأنا أتعامل معهم حتى من قبل رئاسة القسم، وهم لا يتحدثون عن أية قضايا يعملون عليها، حتى مع زملائهم أنفسهم، كل يعمل فى مجاله بسرية تامة، ولكن من يدعى ذلك هو شخص غير صادق يسعى للكسب غير المشروع من أطراف القضية، وهذا بسبب قلة وعى الكثير بطبيعة الطب الشرعى.
وعن أسباب عدم شهرة الطبيب الشرعى بنفس القدر الذى يحظى به الطبيب فى مختلف التخصصات، قالت الدكتورة شيرين غالب إن طبيعة العمل فى الطب الشرعى معظمها ضد الشهرة بل سرية للغاية، بمعنى أن الطبيب الشرعى لا يستطيع الظهور فى البرامج ولا التحدث بأية وسيلة عما أنجزه فى عمله مهما كان، مثل الجراح أو أى طبيب آخر لأنها أسرار تحتم عليها حفظها وكتمانها حتى لا يتم نشر السلبيات ويألفها المجتمع، إلا فى الحالات العامة والتى يتم الإفصاح عنها من خلال الجهات المختصة وليس الطبيب الشرعى ذاته.
وأوكد لك أن الطب الشرعى مهم جدا فى المجتمع فقد يكون وسيلة لنشر الفضيلة، من خلال القضايا العامة، مثل التحدث عن أضرار المخدرات وكيف يعيش الفرد بطريقة صحيحة، فأنا لا أحب لفظ «موت جذع المخ» فمن أنا حتى أقرر إنهاء حياة شخص بهدف رحمته. ومن أنا حتى أرحمه فالله أرحم به من نفسه. ولكن أنا ضد تماما رفع الأجهزة عن المريض بذريعة «موت جذع المخ»، وهذا ما تعلمته من الطب الشرعى أن أستخدمه لمنع وقوع الجرائم من خلال التوعية، وليس الكشف عن طبيعة الجريمة بعد وقوعها، وأتمنى أن أصل بالطب الشرعى والسموم لنشر تلك الثقافة بين الأطباء والمجتمع بشكل عام.
وفى نهاية اللقاء حرصت الدكتورة شيرين غالب على توجيه بعض النصائح للأطباء وخاصة الشباب، وأكدت أن أهم شىء أن يعلم الطبيب أنه يد الله فى الأرض، وأن الله اختاره ليكون سببًا فى شفاء المرضى، الطبيب يحتاج إلى المريض مثل احتياج المريض إليه تماما، وأن المريض المجانى والاستثمارى سواء لديه، لأن المجانى هو زكاة العلم الذى منحه الله إياه، والاستثمارى لزيادة دخله، ولابد من الموازنة بينهما، ثالثا: الالتزام بأخلاقيات مهنة الطب فهى مهنة لا تحتاج لطبيب ماهر وفقط، بل تحتاج لطبيب ماهر وخلوق لأنه يتعامل مع روح قبل الجسد، يتعامل مع مخلوقات ضعيفة وأرواح معذبة تحتاجه، فلا ينتهز ذلك الضعف، فينتزع منه البركة والرزق فى حياته، ومهنة الطب هى مهنة الرحمة والستر وجبر الخواطر، والزكاة.
وتابعت: الطب مهنة أخلاقيات، ومنها عدم انتقاد الزملاء لبعضهم، وعدم أخذ أجر الكشف على زميل، أو حتى طالب الطب، فقد أصبح زميلا، وأيضا عدم التسرع فى جمع المال وبالنسبة للطبيبات ما زلت أقول لهن: أنا لست ضد عمل المرأة، وإلا لم أصل لهذا المنصب، بالعكس أقول لها اعملى وانجحى ولكن لا تنظرى إلى من حولك، فأنت حالة خاصة مسؤولة عن أسرة تحتاج إليك ولهم الأهمية فى وقت معين وإذا استدعى الأمر توقفك لفترة لا تتردى واستكملى بعدها، ممكن تتأخرى نوعا ما، ليست مشكلة مقابل تربية طفلك فى مرحلة معينة لا يستطيع تربيته سواك، وهذا هدف نبيل، بل أنبل من الطب، فالتوازن سر نجاحك، ولكل الأطباء أقول لهم: حب التخصص الذى أصبحت فيه، وانجح فيه، فنحن لا نأخذ كل شيىء نحبه، ولكن نحب كل شىء اختاره الله لنا.
مصدر الخبر | موقع المصري اليوم