عفوًا مجلس الدولة.. فالاستجابة منقوصة.. والتمييز ما زال قائمًا ! بقلم شريف جمال
نُشر على صفحة مجلس الوزراء تحت عنوان «الرئيس يوجه وزير العدل بالاستعانة بالمرأة فى مجلس الدولة والنيابة العامة» منشورا جاء فيه أنه بمناسبة يوم المرأة العالمى، 8 مارس، «صدر توجيه من رئيس الجمهورية لوزير العدل بالتنسيق مع رئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس مجلس الدولة للاستعانة بالمرأة فى هاتين الجهتين تفعيلًا للاستحقاق الدستورى بالمساواة وعدم التمييز تفعيلًا كاملًا وتأكيدًا على جدارة المرأة فى تولى المناصب المختلفة وتعظيمًا لما تحققه من نجاحات فى جميع المجالات التى تعمل بها، وبدأت وزارة العدل فى تنفيذ التوجيه والتواصل مع الجهتين القضائيتين لوضعه موضع التنفيذ فى أقرب وقت».وجاء هذا القرار نتيجة نضال المرأة المصرية منذ عام 1949 عندما تقدمت الدكتورة «عائشة راتب» للتعيين بمجلس الدولة، وصولًا إلى «أمنية طاهر ورفيقاتها» ونضالهن حتى الآن من أجل تفعيل حقهن الدستورى فى تولى النساء المناصب القضائية، ويعتبر مجلس الدولة والنيابة العامة الجهتين القضائيتين اللتين ما زالتا ترفضان تعيين النساء بهما.
وكان رفض مجلس الدولة والنيابة العامة لتعيين النساء بهما ليس لمانع دستورى أو قانونى ولكن نتيجة لتوجهين رئيسيين:
التوجه الأول تحت مسمى السلطة التقديرية، الملاءمة، الحالة الاجتماعية، العادات والتقاليد، الصالح العام، ظروف البيئة، أوضاع العرف، صعوبة بيئة العمل وتهيئة المرافق، وضرورة توفيق النساء بين واجباتهن الأسرية والمجتمعية.
وإشكالية هذا التوجه أنه يجعل كلا من السلطة التقديرية والعادات والتقاليد والآراء المختلفة أعلى من الدستور والقوانين اللذين نصا على المساواة وتكافؤ الفرص وعدم التمييز وتولى النساء المناصب القضائية، كما أن هذا التوجه يقرر للنساء ما هو المناسب وغير المناسب لهن بدلا من أن يكون لكل متقدمة لهذه الوظيفة الحرية فى أن ترى فى نفسها المقدرة فى القيام بمهامها وواجباتها مثل الذكور بعيدا عن النظرة النمطية والتقليدية لأدوار النساء داخل المجتمع، وتناسى هذا التوجه أن لدينا 66 قاضية فى الجهات القضائية يقمن بعملهن على أكمل وجه بل وتم الإشادة بدورهن وتميزهن من وزير العدل ونادى القضاة والعديد من الجهات المختلفة، كما أنهن يعملن فى نفس البيئة وظروف العمل ويستخدمن نفس المرافق مثلهن مثل نظرائهن من القضاة الذكور.
أما التوجه الثانى لرفض مجلس الدولة والنيابة العامة لتعيين النساء كان استنادًا لبعض الآراء الدينية والفقهية المختلفة والتى تمنع تولى المرأة المناصب القضائية، على الرغم من أن هناك آراء أخرى تجيز هذا الحق، ففى 22 أكتوبر 2002 أرسل السید المستشار فاروق سیف النصر، وزیر العدل، خطابا إلى كل من شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوى، ومفتى الجمهورية الدكتور أحمد الطیب، ووزیر الأوقاف الدكتور محمود حمدى زقزوق من أجل معرفة الموقف الشرعى من قضیة تعیین النساء فى القضاء وجاء نص الفتوى بأنه «لا یوجد نص صریح قاطع من القرآن الكریم أو من السنة النبویة المطهرة یمنع النساء من تولى وظیفة القضاء»، ونتيجة لهذه الفتوى تم تعیین عدد من عضوات النیابة الإداریة وهیئة قضایا الدولة كقاضیات فى «المحاكم الاقتصادية، الأسرة، المدنیة والجنائیة».
كما أن النساء فى الدول العربية والإسلامية تشغل العديد من المناصب القضائية ففى السودان تترأس المحكمة العليا قاضية، بالإضافة إلى 38 قاضية أخرى، وفى لبنان 60% من القضاة نساء، 48% من القضاء التونسى من النساء وترأست المرأة المجلس الأعلى للقضاء، 45% من القضاء الجزائرى من النساء وتترأس المرأة مجلس الدولة الجزائرى، 30% فى المغرب، 26% فى الأردن، 12% فى العراق وترأست المرأة مجلس الدولة العراقى، كما تتواجد المرأة فى النيابة العامة فى الإمارات وقطر ومؤخرًا فى السعودية.
وجدير بالذكر أن نسبة القاضيات المصريات طبقًا للاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة 2030 عند انطلاقها فى 2017 كان 0.5% (66 قاضية من 12 ألف قاضٍ)، وقد وضعت الاستراتيجية فى أحد مؤشراتها وصول نسبة النساء فى القضاء إلى 25% بحلول عام 2030، إلا أنه بعد مرور 4 سنوات على الاستراتيجية فإن نسبة النساء فى القضاء تراجعت إلى 0.3 % (66 قاضية من 22 ألف قاضٍ) نتيجة لتعيين المزيد من القضاة الذكور دون الإناث.
وتنفيذًا لتوجيهات الرئيس أصدر مجلس الدولة قرارًا بالموافقة على تعيين عدد من عضوات النيابة الإدارية وعضوات هيئة قضايا الدولة، بطريق النقل لمجلس الدولة، لشغل وظيفة (مندوب) أو وظيفة (نائب) بالمجلس، وأننا نرى أن هذه الاستجابة جاءت منقوصة لأن اقتصار التعيين على عضوات النيابة الإدارية وعضوات هيئة قضايا الدولة به تمييز وعدم مساواة وعدم تكافؤ فرص بينهن وبين نظرائهن من عضوات هيئات التدريس أو المحاميات الكفؤات، كما أن المجلس تغاضى عن التعيين فى أولى وظائف السلم الوظيفى القضائى بمجلس الدولة وهى وظيفة (مندوب مساعد) ولم يفتح باب التقديم للخريجات بجانب الخريجين على قدم المساوة فى دفعة 2020 والجارى التقديم لها حتى 20/3/2021، وقد حاولت إحدى الخريجات التقديم على الموقع الإلكترونى مثل الخريجين الذكور نتيجة إيمانها وتصديقها بأنه طبقًا لتوجيهات الرئيس حلمها أصبح واقعًا، فذكرت على صفحتها على مواقع التواصل الاجتماعى «فبعد تسجيلى على الموقع المختص بالتسجيل قبِلَ الموقع جميع البيانات بل قام تلقائيا بحساب النسبة المئوية وكتابة التقدير التراكمى «ممتاز مع مرتبة الشرف» وعند القيام بالخطوة الأخيرة ظهرت عبارة «الرقم القومى غير صالح للتسجيل!!».
طبقًا لتوجيهات الرئيس إن تعيين النساء بمجلس الدولة والنيابة العامة تفعيلًا للاستحقاق الدستورى بالمساواة وعدم التمييز تفعيلًا كاملًا، إلا أن الاستجابة من مجلس الدولة جاءت منقوصة وتُفرغ الحق من مضمونه وتُميز بين فئات وأخرى ولا تفتح الباب للتقديم للخريجات مثل الخريجين على قدم المساواة بالطريقة الطبيعية من بداية السلم الوظيفى، وأن يكون الاختيار طبقًا لمعيار الكفاءة، مما يعنى أن التمييز ما زال قائمًا.
نشر بــ الشروق بتاريخ 18/3/2021