في القضاء.. الرئيس ينتصر للمرأة بقلم الدكتور رفعت أبو الاسعاد
في حين عمد نظام الرئيس مبارك طول فترة حكمه، التي أمتدت ثلاثين عاماً، إلي الاستقطاب السياسي للقضاء ورجاله، الامر الذي أدى إلى غياب المشاريع الإصلاحية لديه، ولدي نظامه والمعارضة علي حد سواء، أدرك الرئيس السيسي منذ مجيئه إلي سدة الحكم، أن إصلاح القضاء يعد أمرا ضروريا، وخيارات عاقلا رشيدا، من شأنه حماية الدولة ومقدساتها، وهو ما ظهر جليا في كلماته، التي ألقاها خلال الاحتفال بيوم القضاء، بدار القضاء العالي عامي 2015 و 2016، ورأينا ذلك أوضح ما يكو ن، في القرارات الأخيرة التي صدرت عن المجلس الأعلى للقضاء، والذي ترأسه سيادته في 3 /6 /2021 ، حيث جاء القرار الأول ببدء عمل العنصر النسائي في مجلس الدولة والنيابة العامة، طاوياً الصفحات الأخيرة للصراع المرير والطويل، الذي بدأته المرأة المصرية منذ عام 1949 ، ليتم قبول تعيينها في الوظائف القضائية، وعلي وجه الخصوص مجلس الدولة . جاء هذا القرار علاجاً لجراح الماضي، وإسهاماً في كتابة تاريخ جديد للمرأة المصرية، وتحقيقاً لطموحها، وإشارة لمستقبل واعد، تتطلع إليه منذ زمن امتد لأكثر من نصف قرن أو يزيد، وتجسيداً لحلمها في تحقيق المساواة مع الرجل في الحقوق والحريات دون تمييز، وأهمها حق تولي الوظائف القضائية، وتفعيلاً لنصوص المواد 4، 8، 9، 11، 12، 14، 53 من الدستور المصري الأخير، واتساقاً مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي شاركنا في صياغته ووافقنا عليه، واستكمالاً من السيد الرئيس لبناء دولة ديمقراطية حديثة، وإيماناً منه بحق المواطن في يومه وغده وشاهداً علي تدشين مباديء الجمهورية الجديدة .
إن النظام القانوني المصري، لا يميز بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، وذلك وفقا لنصوص المواد الدستورية المذكورة، بالإضافة إلي المادة 38 من قانون السلطة القضائية، الذي لم يشترط فيمن يعين في القضاء أن يكون من الذكور، وقد سار علي ذات النهج باقي القوانين المنظمة لعمل الهيئات القضائية، فلم تضع تلك القوانين أي حظر علي عمل المرأة فيها، كما أن الشريعة الإسلامية لا تمنع تولي المرأة منصب القضاء، فقد أصدرت المؤسسة الدينية في22 /10 /2002 ، بناء علي طلب السيد وزير العدل آنذاك المرحوم المستشار فاروق سيف النصر ، فتوى جاء فيها: ” لايوجد نص صريح قاطع من القران أو من السنة النبوية المطهرة يمنع المرأة من تولي وظيفة القضاء .”
وقد تمثل المانع من تعيين المرأة في القضاء، لا علي أساس من الدستور أو القانون أو الشريعة الإسلامية، وإنما لاعتبارات أحوال الوظيفة وملابساتها وظروف البيئة وأوضاع العرف والتقاليد، وغني عن البيان أن جميع هذه الاعتبارات، هي اعتبارات مخالفة للأصول الدستورية ومعطلة لنصوص القانون،
إلا أنه وبدءاً من العام 2003 صارت الأمور نحو تحقيق حلم المرأة المصرية، فتم تعيين السيدة تهاني الجبالي في منصب قاض، بل أصبحت عضواً في هيئة المحكمة الدستورية العليا، وهي أعلي درجات السلم القضائي، وفي أبريل 2007 صدر قرار جمهوري بتعيين 31 عضوة بهيئة النيابة الإدارية وقضايا الدولة، وقد تولت المرأة المصرية رئاسة هيئة النيابة الإدارية مرتان، الاولي من 1998- 2000 ، وهي السيدة هند عبد الحليم طنطاوي، والثانية من العام 2000 – 2001 ، وهي السيدة ليلي عبد العظيم جعفر، وشاركت السيدات من أعضاء الهيئتين المذكورتين، في الإشراف القضائي على الانتخابات التشريعية لأول مرة عام 2000، كما شاركت في عضوية لجان التوفيق في المنازعات التي جاء بها القانون رقم 7 لسنة 2000 ،
وكان مجلس الدولة، بداية من 1949 قد رفض تعيين المرأة في القضاء، وجاء في حكم محكمة القضاء الإداري الأول في هذا الصدد، والصادر في 20 /2 /1952 في الدعوي رقم 30 لسنة 4 ق: ” قصر الوظائف كوظائف مجلس الدولة والقضاء علي الرجال ودون النساء، هو مجرد تخيير الإدارة في مجالس تترخص فيه الملاءمة للتعيين في وظيفة بذاتها، بحسب ظروف الحال وملابستها كما قدرتها هي، وليس إخلالاً بمبدأ المساواة المقرر قانوناً، ومن ثم فلا معقب لهذه المحكمة علي تقديرها مادام قد خلا من إساءة استعمال السلطة ” .
وقد أثيرت هذه القضية مرة أخري عام 1978، ورفضت كلا المحكمتين “القضاء الإداري وا لإدارية العليا” تعيين السيدة هانم محمد حسن، لذات الاعتبارات التي أوردها حكم محكمة القضاء الإداري عام 1952،وفي ديسمبر 2009 أعلن المستشار الراحل محمد الحسيني رئيس مجلس الدولة آنذاك ، فتح باب قبول التعيين للإناث،الأمر الذي اندلعت على أثره أزمة كبيرة بين أعضاء المجلس، وفي 15/2/2010 عقد اجتماع طارئ للجمعية العامة لمستشاري المجلس ورفض القرار بأغلبية 89%، ومع إصرار المستشار الحسيني علي فتح باب القبول عقد الأعضاء جمعية ثانية رفضت قراره بأغلبية 99% ، وانتهت هذه الازمة بنزول رئيس المجلس الأعلى على رأي الجمعية العمومية، وارجاء التعينات للذكور والإناث معاً، وتم تشكيل لجنة وضعت تقريراً جاء فيه، أنه من الصعب تعيين النساء في الوقت الحالي، وتم فتح باب التعيين للذكور فقط، وذلك على الرغم من إقرار المحكمة الدستورية العليا في مارس 2010 ، أن الجهة المختصة بالتعيين، هي المجلس الخاص الذي هو أعلي سلطة إدارية بالمجلس ، وحتى يعد صدور الدستور الحالي واستحداث وإعادة صياغة لنص المادتين “11 و 14” منه، لم تتخذ إجراءات تعيين المرأة بالنيابة العامة ومجلس الدولة، بل صدرت في ظله مجموعة أحكام حديثة برفض الدعاوي التي أقامها بعض الخريجات، وأخرها الحكم الصادر في 31 /10 /2020 من محكمة القضاء الإداري، اعتماداً على ذات اعتبارات الحكم الأول الصادر في 1952 في الدعوي، ومازال الطعن
متداولا أمام المحكمة الإدارية العليا.
وعلي الرغم من تغيير وتبديل النصوص الدستورية في هذا الصدد، وتتطور صياغتها نحو إقرار الحق في المساواة وتولي الوظائف العامة، ورغم ما يوجد لدي محكمة القضاء الإداري من معين، يعينها علي استخلاص مقاصد المشرع من النصوص الجديدة في كل مرة، ولا سيما النصوص الأخيرة، وأهمها علي الإطلاق نص المادتين “11 و14″، إلا ان المحكمة ظلت علي مبدئها الذي وضعته في أول حكم لها عام 1952، معرضه عن المقاصد التي ابتغاها المشرع من النصوص في كل مرة، ولاسيما الحكم الأخير الصادر عام 2020، وبعدت كل البعد في هذه الأحكام عن الإرادة الحقيقة للمشرع، ذلك أن المستقر قانوناً، أن المعاني التي تدل عليها النصوص، ينبغي الوقوف عندها لإفصاحها عما قصده المشرع منها، ومرد ذلك أن النصوص الدستورية والقانونية لا تصاغ من فراغ، وان المصلحة الاجتماعية غاية نهائية لكل نص تشريعي.
إن الاحكام القضائية الصادرة من مجلس الدولة منذ العام 1952 وحتى الان في هذا الصدد، جاءت طبقاً للمستقر في قضاء الدستورية العليا، إنكاراً للحق في الترضية القضائية، بإقامة العراقيل في وجه اقتضائها علي سند من القول بالسلطة التقديرية والعرف والتقاليد، فجاءت معيبة في ذاتها بصفه جوهرية، كما كانت إهدارا للحماية التي يفرضها الدستور والقانون للحقوق الواردة في المواد الدستورية والقانونية، وإنكاراً للعدالة في جوهر خصائصها وأدق توجهاتها .
إن تلك الأحكام كانت دلالة واضحة، علي أنه ليس بالأمر اللازم لإنكار العدالة واهدار متطلباتها، أن يقع العدوان علي موجباتها من السلطة التشريعية أو التنفيذية بل كان ذلك من جهة القضاء ذاتها، وإزاء تعطيل قضاء مجلس الدولة للنصوص الدستورية الجديدة منذ صدورها، ولمدة بلغت سبع سنوات قضائية، ومع بلوغ الصبر مداه وبعد مداه، وبعد عدة توجيهات من السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي لتفعيل النصوص الدستورية في صدد تعيين المرأة من خلال هذه المدة، ففي اليوم العالمي للمرأة 2020، وجه السيد الرئيس وزير العدل، بدراسة معوقات تعيين المرأة في كل من النيابة العامة ومجلس الدولة، تفعيلاً للاستحقاق الدستوري للمرأة والمساواة وعدم التمييز، وقدمت الدراسة بالتنسيق مع الوزارة ومجلس القضاء الأعلى ورئيس مجلس الدولة، وبعد ذلك بأيام أعلن مجلس الدولة تعيين أعضاء من السيدات، لكن نقلاً من هيئة النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة، دون فتح باب التعيين للخريجات الجدد، وإزاء هذه الخطوة التي عدت مهرباً ً لعدم تفعيل النصوص، والذي لم يقتنع بها السيد الرئيس، كان القرار المذكور أول القرارات الصادرة عن المجلس، ولا يخفي وضع هذا القرار في مقدمة هذه القرارات من معني، ولعلهم يرشدون.
مصدر المقالة | موقع صدى البلد