fbpx
المقالات القانونية

قضايا هامة.. تنتظر حكم الدستورية بقلم شوقي السيد

■ يذكرنا التاريخ دومًا، بمناسبة الاحتفال بيوم القضاء مع أول أكتوبر من كل عام، بتكريم الشهداء من رجال القضاء سدنة العدل وحملة الميزان، الذين ضحوا بحياتهم فى محراب العدالة، وهم يحكمون بالحق والعدل والإنصاف، بضمائرهم والقانون، فى تاريخ حافل لمسيرة القضاء المصرى، مدافعين عن استقلاله، ومتمسكين بنزاهته وحيدته، والبعد عن ممارسة العمل السياسى، أو الانخراط فى العمل العام، فلقد رفض القضاة منذ قديم انضمامهم إلى المنظمات أو الانخراط فى الأحزاب السياسية منذ كان الاتحاد الاشتراكى وبعده، وقد أكدت نصوص الدستور فى باب سيادة القانون- باعتباره أساس الحكم فى الدولة، وفى باب السلطة القضائية- على استقلال السلطة القضائية والقضاة، وعلى ضمان حيدتهم ونزاهتهم وأنهم لا يخضعون إلا لضمائرهم والقانون، وكذا حظر التدخل فى عملهم واعتبار ذلك جريمة لا تسقط بالتقادم.

■ كما أكدت قرارات مجلس القضاء الأعلى فى كل مرة على التزام القاضى بقواعد السلوك والشرف والأخلاق، والبعد عن البريق الإعلامى أو المشاركة فى العمل العام، أو الانحياز إلى أى سلطة من السلطات، والوقوف ضد التدخل فى عمل القاضى، وتهديد استقلاله ونزاهته، فواجهت الأحداث التى جرت فى ثورة 2011، ومن بعدها فى 30 يونيو، ضد التهديد والطغيان والدفاع عن استقلال القضاء وسيادة القانون، ولسوف يظل التاريخ شاهدا على نزاهة القضاء المصرى واستقلاله، لهذا كان التكريم والاحتفال بيوم القضاء فى أول أكتوبر من كل عام شاهدًا على العصر، ولن تفلح الشائعات المغرضة، ولا الروايات والقصص الشيطانية، أن تنال من هذه المسيرة الطويلة والثوب الأبيض ناصع البياض.

■ ويظل البعد عن الاشتراك فى العمل السياسى أو العمل العام، فريضة واجبة، ضمانًا لتجرد القضاة واستقلالهم وعدم انحيازهم، ولهذا فلقد باءت بالفشل كل المحاولات التى سعت إلى ضم القضاة للعمل السياسى
أو الأحزاب منذ قديم، وتعرض رجاله دفاعًا عن تمسكهم بالاستقلال لما تعرضوا له، وتحمّل القضاة فى سبيل ذلك الصدام والانتقام والعدوان.

■ ويذكرنا التاريخ كذلك، فى هذه المناسبة، بفترة سادت فيها الفوضى، والتى لا يمكن بطبيعتها أن تكون خلاقة، وقد سادت البلاد من قبل، وسمحت بادعاء البطولات، وحب الظهور، وأدت إلى ظهور نوع من القضايا من بعض الأشخاص، سمحوا لأنفسهم بأن يكونوا أوصياء على الدولة وعلى تصرفاتها، فسعوا إلى التنقيب عن تصرفاتها وقراراتها، رافعين شعارات براقة لحماية الأموال
ودفاعًا عن حقوق الإنسان، قاصدين بذلك حب الظهور وادّعاء البطولات، واتخذوا من ساحة القضاء سبيلًا والإعلام طريقًا، فأقاموا الدعاوى التى تكاثرت أمام ساحات المحاكم، بقصد الابتزاز وإجراء الصفقات وإطلاق التهديدات ضد من تعاقد مع الدولة من الشركات أو المؤسسات، طعنًا على تلك التصرفات والقرارات، تحت ستار اتهام النظام وإهدار المال العام وطرق الأبواب الخلفية،
للإيذاء والإثراء والابتزاز.. كما أبرموا الاتفاقات وأطلقوا التهديدات، وبحثوا عن تصرفات الدولة، واتجهوا بها إلى القضاء قاصدين البطلان وتحقيق الفوضى والاضطراب.

■ ولما كان فى ذلك إهدار واضح لقواعد مستقرة وثابتة، منها أن على الدولة أن تحترم تعهداتها، «وأن من يخطئ فعليه أن يتحمل خطأه على أم رأسه»، كما يقول المثل الألمانى، تحقيقًا للاستقرار وحماية للحقوق والمراكز القانونية، وتدعيمًا لسلطان القاضى فى إعادة التوازن الاقتصادى للعقود والتصرفات،
دفعًا للغبن إذا كان، وحماية للمراكز القانونية والحقوق ودرءًا للاضطراب والانهيار والفوضى.

■ وفى مواجهة ذلك الطوفان من القضايا، وقد تزاحمت أمام ساحات المحاكم، وهزت قواعد الاستقرار والاستثمار وأصابت الدولة فى سمعتها، عندئذ أدركت خطورة الأمر واتجهت لحماية اقتصادها وتصرفاتها من الطعون الكيدية، بإصدار قانون ينظم إجراءات الطعن عليها، بأن يكون الطاعن طرفًا فى العقد، سواء كانت الدولة أو غيرها، فأصدرت القانون رقم 32 منذ عام 2014 بشأن تنظيم بعض إجراءات الطعن على عقود الدولة، رغم أن القواعد العامة تمنع إساءة استعمال حق التقاضى، وتوجب التعويض، فصدر القانون، ووضع الضوابط والقواعد التنظيمية لحق التقاضى فى الطعن، فكان سدًا مانعًا لهؤلاء من الجرى وراء الابتزاز والظهور وادّعاء البطولات، وتم الطعن على القانون بعدم الدستورية، وكان ذلك فى غضون عام 2014، أى منذ سبع سنوات، وقيد الطعن أمام المحكمة الدستورية العليا منذ ذلك الحين، برقم 120/36 ق، وأوقفت القضايا المتداولة أمام المحكمة، لحين الفصل فى الطعن أمام المحكمة الدستورية العليا، بحسبانها السلطة القضائية التى
تراقب دستورية القواعد واللوائح، ومازال الطعن منظورًا أمام المحكمة الدستورية، لم يفصل فيه بعد!!.

■ وبعد صدور حكم المحكمة الدستورية العليا، سوف تستأنف القضايا الموقوفة أمام المحاكم سيرتها، أيًا كانت درجات التقاضى التى تقف أمامها، ويستمر نظرها أمام المحاكم لعدة سنوات، حتى يتم الفصل فيها.

■ هذا الكم الهائل من القضايا الهامة الموقوفة، منها ما صدرت فيها أحكام، ومنها مازالت أمام محكمة الطعن، ومنها ما لم يصدر، ومنها ما قُضى فيها بالبطلان، فى ظل ما كان سائدًا، ومازالت أمام محكمة الطعن، وكل هذه القضايا مازالت معلقة وموقوفة، وحتى صدور حكم من المحكمة الدستورية العليا فى شأن القانون المطعون فيه.

■ خطورة تأخير الفصل فى هذا الطعن، أن هذه القضايا الموقوفة ترتبط بالاستثمار والتنمية فى البلاد، وهى قضايا هامة وقديمة، وقد صدر القانون لينظم إجراء التقاضى والطعن عليها، ويحترم حق التقاضى، سواء كانت الدولة أو غيرها، بل حتى لو لم يكن طرفًا فى العقد وبشروط، المهم أن حق التقاضى والطعن لم يعد «سداح مداح»، كما كان،
وقد جرى تنظيمه، ليغلق الباب أمام المزايدين والانتهازيين لإيقاف التحايل والابتزاز والتهديد، ويمهد السبيل لتحقيق عدالة ناجزة باقتدار، ولعل ما حدث وسمعنا عنه من وقائع تم ضبطها بتقديم الرشاوى والابتزاز للتهديد.. وعدم الطعن أو للتنازل عنه، وقد صدر فيها الحكم بالإدانة، كان ذلك كاشفًا لحقيقة ما كان.

■ وللحق، فلقد عوّدتنا المحكمة الدستورية العليا، على مدى تاريخها الطويل، على إصدار أحكامها بالعدالة الناجزة الواجبة وفى الوقت المناسب، لاستقرار الأوضاع وحماية المراكز القانونية والحقوق، وتعظيم تيسير إجراءات التقاضى، والعدالة الناجزة، وهى شعارات ونداءات انطلقت قديمًا ومجددًا بمناسبة يوم القضاء، وهى أولى وأشد أمام المحكمة الدستورية العليا، خاصة إذا كانت تلك القضايا الهامة مازالت معلقة، تنتظر حكم الدستورية.. ومازال أمامها مشوار طويل بعد الحكم فى الطعن، ونأمل أن يكون ذلك قصيرًا
وقصيرًا جدًا، حتى يتحقق التيسير والعدالة، فى يوم القضاء المصرى.. وفى كل أيامه القادمة، ترسيخًا لتاريخه
الطويل فى البلاد.

مصدر المقال | موقع المصري اليوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليق

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock