أحوال محاكم مصر

كيف تصدت محكمة النقض لجريمة المعاكسة منذ 80 سنه؟

“تعرفوا أنكم ظراف تحبوا تروحوا أي سينما”.. الجملة التي زجت بصاحبها للسجن منذ 70 سنة، والتي ذكرت وقائعها محكمة النقض في الطعن المقيد برقم 440 لسنة 23 قضائية – جلسة 16 يونيو 1953 – وهى الواقعة التي أثارت الجدل حينها حول تكييف الواقعة بين الفعل الفاضح والسب والقذف، بينما في أيامنا هذه مثل هذه الوقائع تشكل أيضا جريمة تحرش، إلا أن تلك الواقعة تم تصنيفها سبا وليس فعلا فاضحا.

لماذا تلك الواقعة التي مر عليها أكثر من 70 سنة، شكلت سبا وليس “فعل فاضح”، لأنه يشترط لتوافر جريمة الفعل الفاضح المخل بالحياء وقوع فعل مادي يخدش في المرء حياء العين أو الأذن، أما مجرد الأقوال مهما بلغت من درجة البذاءة والفحش فلا تعتبر إلا سبا، وإذن فإذا كان الحكم قد اعتبر أن ما وقع من الطاعن من قوله بصوت مسموع لسيدتين يتعقبهما جملة: “تعرفوا أنكم ظراف تحبوا نروح أي سينما” جريمة فعل فاضح مخل بالحياء، فإنه يكون قد أخطأ، والوصف القانوني الصحيح لهذه الواقعة طبقا لمحكمة النقض أنها سبا منطبق على المادتين 306 و171 من قانون العقوبات.

المعاكسة زمان.. “تعرفوا أنكم ظراف تحبوا تروحوا أي سينما”

في التقرير التالى، يلقى “برلماني” على أرشيف عدد من قضايا محكمة النقض التي تناولت وقائع ومبادئ، ومراحل تطور مثل هذه القضايا منذ أكثر من 80 سنة – أي منذ إنشاء محكمة النقض المصرية عام 1931 – وصولا إلى التعديلات التي انتبه إليها المشرع المصرى بضرورة إجراء تعديلات حاسمة لمواجهة ظاهرة التحرش الجنسي، لا سيما مع تزايد حالات الجريمة الشاذة في الفترة الأخيرة، وكذلك تشديد عقوبة التحرش الجنسي، حيث شمل التصديق على قانون التحرش بتاريخ 19 أغسطس 2021 الماضي، وذلك بعد موافقة مجلس النواب، القانون رقم 141 لسنة 2021 بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937، والخاصة بتشديد العقوبات على التحرش الجنسي – بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض حسام حسن الجعفرى.

في البداية – يُعد التحرش الجنسي ضد النساء والفتيات مشكلة عالمية وليست محلية فقط، وهو شكل من أشكال العنف الجنسي القائم على النوع الاجتماعي، ويشكل التحرش الجنسي انتهاكاَ لحقوق الإنسان، ويؤدى هذا النوع من العنف إلى استدامة الأشكال النمطية لأدوار النوع الاجتماعي التي تهدر الكرامة الإنسانية للفرد، فغالبية العظمى من ضحايا العنف الجنسي، والناجين منه، هم من النساء والفتيات، فإن ظاهرة التحرش بالطبع تخالف قواعد وتقاليد وأعراف وعادات المجتمع العربي، والتحرش له نوعان الأول جسدي وهذا أكثر بشاعة ومن أكبر الجرائم الذي يعاقب عليه قانون الدولة وأى دين غير معترف بهذه الأفعال والثاني تحرش لفظي وهذا أقل نسبياً من الناحية العملية، حيث أصبحت تلك الظاهرة تؤرق النساء حول العالم، وفي إحصائية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة فإن واحدة من كل أربعة نساء تتعرض للتحرش بشكل يومي – وفقا لـ”الجعفرى”.

تطور الاتهام بالتحرش من سب وقذف وخدش حياء لفعل فاضح لتحرش جنسى

وكذا هناك إشكالية في غاية الأهمية تتمثل في موقف المشرع من التحرش بـ”عاهرة” ولو باللفظ حتى لو صادر بحقها أحكام في قضايا دعارة سواء كان ذلك التحرش مباشرا أو الكترونيا؟ وهل تعتبر جنحة أم جناية حيث أن التحرش الجنسي أو ما يعرف بجرائم العنف الجنسي بصفة عامة يصعب من الناحية العملية تحليلها وحصر المجني عليهم أو ضحايا هذا العمل المشين، حيث أن جميع دول العالم تعاني من مشكلة التحرش ولكن بنسب متفاوتة، واليوم أصبحت الدول العربية تنافس دول أفريقية وأوروبا والأميركتين في عدد ضحايا التحرش الجنسي، ففي السنوات الأخيرة زادت نسبة التحرش بشكل ملحوظ – الكلام لـ”الجعفرى”.

موقف المشرع من التحرش بـ”عاهرة” ولو باللفظ؟

أما عن التحرش بـ”عاهرة” ولو باللفظ – يُجيب “الجعفري” – هناك حكم صدر من محكمة النقض عام 1940 – أي منذ 80 سنة – وكان حكما رادعا تمثلت الواقعة في قيام شاب بمعاكسة فتاة والتحرش بها من خلال ترديد بعض الجمل والألفاظ مثل: “رايحة فين يا باشا، يا سلام يا سلام يا صباح الخير، ردي يا باشا، هو حرام لما أنا اكلمك، أنت الظاهر عليك خارجة زعلانة معلش”، حكم محكمة النقض اعتبر الجملة سبا وخدشا لحياء الأنثى تستوجب العقاب، وأن التعرض لأنثى أو خدش حيائها يكون معاقبا عليه، حتى لو كانت الأنثى عاهرة محترفة.

فقد رفضت محكمة النقض دفاع المتهم بمعاكسة أنثى، حينما ذكر أنها تعمل في الدعارة وأنه عاكسها وهي ذاهبة لمنزل الدعارة التي تعمل به، بدليل صدور أحكام ضدها بتهمة ممارسة الدعارة، إلا أن المحكمة حينما تأكدت من ثبوت جريمة السب والقذف وخدش حيائها أصدرت حكمها بتأييد حبسه، وقالت في حيثيات حكمها أن كون المجني عليها صادر ضدها أحكام بتهمة ممارسة الدعارة، فلا يقدح من كونها أنثى ينبغي حفظ شرفها واعتبارها وعدم المساس به رغما عنها – الكلام لـ”الجعفرى”.

ما تعريف جريمة التحرش؟

وجاء بالقانون رقم “141” لسنة 2021 بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم “58” لسنة 1937 الخاص بإعادة تنظيم جريمة التحرش وتغليظ العقوبة حيث عرفت التحرش بإنه إتيان فعل مادي سواء لفظي أو جسدي من الجاني على المجني عليه بما يخدش الحياء أو يأذي المجني عليه، وقد يحدث من ذكر على أنثى أو العكس أو ذكر على ذكر أو أنثى على أنثى.

ما عقوبة التحرش بالتعديلات الجديدة؟

وفقا للمادة 306 مكرر أ: “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز 4 سنوات وبغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد على 200 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية أو الإلكترونية، أو أية وسيلة تقنية أخرى”.

ما العقوبة في حالة تكرر الفعل من الجاني من خلال الملاحقة والتتبع للمجني عليه وفي حالة العودة؟

تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تجاوز 5 سنوات وبغرامة لا تقل عن 200 ألف جنيه ولا تزيد على 300 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا تكرر الفعل من الجاني من خلال الملاحقة والتتبع للمجني عليه، وفي حالة العودة تضاعف عقوبتا الحبس والغرامة في حديهما الأدنى والأقصى.

ما عقوبة التحرش إذا كان الجاني من أصحاب السلطة أو مارس الضغط على المجني عليها بسبب سلطة وظيفية أو أسرية؟

طبقا للمادة 306 مكرر ب: “يعد تحرشًا جنسيًا إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها في المادة (306 مكرر أ) من هذا القانون، بقصد حصول الجاني من المجني عليه على منفعة ذات طبيعة جنسية، ويعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات. وإن كان الجاني ممن نص عليهم في الفقرة الثانية من المادة (267) من هذا القانون، أو كانت له سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية على المجني عليه، أو مارس عليه أي ضغط تسمح له الظروف بممارسته عليه”.

من هم الذين نص عليهم في الفقرة الثانية من المادة “267” عقوبات؟

1- إذا كان الفاعل من أصول المجني عليه.

2- أو من المتولين تربيتها أو ملاحظتها.

3- أو ممن لهم سلطة عليها.

4- أو كان خادماً بالأجرة عندها.

ماذا لو ارتُكبت الجريمة من شخصين فأكثر أو كان أحدهم على الأقل يحمل سلاحا؟

لو ارتُكبت الجريمة من شخصين فأكثر أو كان أحدهم على الأقل يحمل سلاحًا؛ تكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن 7 سنوات.

كيف تحولت جريمة التحرش من جنحة إلى جناية؟

شمل التعديل بالمادة 306 مكررا “ب”، بأن جريمة التحرش أصبحت جناية عقوبتها السجن مدة لا تقل عن خمس سنوات، وكان قانون العقوبات السابق، وطبقا للمادة 306 مكررا “ب” قبل التعديل كان يعتبر جريمة التحرش الجنسي جنحة، ويعاقب مرتكبها بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه، ولا تزيد عن 20 ألف جنيه، وبإحدى هاتين العقوبتين، وشملت التعديلات:

1- معاقبة الجانى بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز 4 سنوات وبغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد على 200 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير فى مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية.

2- جرّم القانون استخدام وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية أو الإلكترونية، أو أية وسيلة تقنية أخرى كأداة للتحرش الجنسى.

3- تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تجاوز 5 سنوات وبغرامة لا تقل عن 200 ألف جنيه ولا تزيد على 300 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا تكرر الفعل من الجاني من خلال الملاحقة والتتبع للمجني عليه، وفى حالة العود تضاعف عقوبتا الحبس والغرامة فى حديهما الأدنى والأقصى.

4- يُعد تحرشًا جنسيًا إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها فى المادة 306 مكررًا (أ) من هذا القانون بقصد حصول الجانى من المجنى عليه على منفعة ذات طبيعة جنسية، ويعاقب الجانى بالسجن مدة لا تقل عن 5 سنوات.

5- إذا كان الجانى له سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية على المجنى عليه أو مارس عليه أى ضغط تسمح له الظروف بممارسته عليه، أو ارتكبت الجريمة من شخصين فأكثر أو كان أحدهما على الأقل يحمل سلاحًا تكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن 7 سنوات.

رأى محكمة النقض في الأزمة

هذا وقد تصدت محكمة النقض لمثل تلك الإشكاليات في الطعن المقيد برقم 440 لسنة 23 قضائية – جلسة 16 يونيو 1953 – والذى أرسى خلاله لمبدأين قضائيين أولهما في الإثبات بأن شاهد النفي سماعه لدى المحكمة الاستئنافية عدم تعليقها على هذه الشهادة لا يقدح في سلامة حكمها، ثانيهما: في الفعل الفاضح متى تتوافر هذه الجريمة؟ مجرد الأقوال مهما بلغت من البذاءة تعتبر سبا.

الوقائع..شخص يعاكس فتيات بقول: “تعرفوا أنكم ظراف تحبوا نروح أي سينما”

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: سب علنا سيدة سائرة في الطريق العام بأن وجه إليها العبارات الواردة بالمحضر وطلبت عقابه بالمادتين 171و306 من قانون العقوبات، ومحكمة عابدين الجزئية قضت حضوريا عملا بالمادتين 171و278 من قانون العقوبات بتغريم المتهم عشرين جنيها، وذلك على اعتبار أن ما وقع منه يعتبر فعلا فاضحا مخلا بالحياء، فاستأنف، ومحكمة مصر الابتدائية قضت حضوريا بتأييد الحكم المستأنف، فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض… الخ.

مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم

مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم، حيث ذكرت إن مبنى الوجه الأول والثاني والرابع من أوجه الطعن هو أن المحكمة الاستئنافية سمعت شاهد النفي فجاءت شهادته مؤيدة لدفاع الطاعن، ولكن المحكمة أيدت الحكم الابتدائي لأسبابه دون أن تعرض لهذه الشهادة وتبدي رأيها فيها، ودون أن تورد أسبابا لحكمها مما يجعله غير مسبب، وفضلا عن ذلك لم يعن الحكم ببيان ركن العلانية.

فيما ردت المحكمة على هذا النعى بقولها: وحيث إنه لما كانت المحكمة غير ملزمة بالتعليق على شهادة شاهد النفي وتبرير اطراحها وأخذها بشهادة شاهد الإثبات، وكان الحكم المطعون فيه قد أخذ بأسباب الحكم الابتدائي الذي أيده، مما يجعله مقاما على تلك الأسباب ومن بينها ما قالته المحكمة بشأن العلانية من أن العبارات التي وجهها المتهم إلى السيدتين المجني عليهما صدرت منه في الطريق العام وبصوت مسموع وهو ما يتحقق به ركن العلانية، فإن ما يثيره الطاعن لا يكون له أساس.

محكمة النقض توضح الفرق بين الفعل الفاضح والسب

كما ذكرت مذكرة الطعن أن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه في الوجه الثالث أنه حين وصف الواقعة التي نسبت إلى الطاعن بأنها جريمة فعل فاضح تأسيسا على أن الإخلال بالحياء كما يكون بالأفعال يكون أيضا بالأقوال قد أخطأ في تطبيق القانون، لأن جريمة الفعل الفاضح لا تتوافر إلا بوقوع فعل مادي مغاير لقواعد السلوك ولا يكفي فيها مجرد الأقوال مهما كانت بذيئة.

وردت “النقض” على هذا النعى بقولها: وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما مؤداه أن ضابط مكتب الآداب شاهد أثناء سيره في شارع عبد العزيز الطاعن وآخرين يتعقبون سيدتين وسمع الطاعن يقول لهما بصوت مسموع “تعرفوا أنكم ظراف تحبوا نروح أي سينما” فقبض عليه وعلى زميليه اللذين وجها عبارات أخرى وحرر لكل منهم محضرا على حدة، ثم عرض الحكم للوصف القانوني لهذه الواقعة وقال إنها تعد سبا علنيا، كما وصفتها النيابة، كما تعد في الوقت ذاته فعلا علنيا فاضحا وأنها أكثر انطباقا على جريمة الفعل الفاضح المنصوص عليها في المادة 278 من قانون العقوبات، وانتهى الحكم من ذلك إلى إدانة الطاعن عن هذه الجريمة.

شرط وقوع الفعل الفاضح

وبحسب “المحكمة”: وحيث إنه لما كان يشترط لتوافر جريمة الفعل الفاضح المخل بالحياء وقوع فعل مادي يخدش في المرء حياء العين أو الأذن، وكان مجرد الأقوال مهما بلغت من درجة البذاءة والفحش يخرج بذلك عن نطاق هذه الجريمة ولا تعتبر إلا سبا، فإن الحكم إذ اعتبر الواقعة الثابتة به جريمة فعل فاضح مخل بالحياء يكون قد أخطأ ويكون وصفها القانون الصحيح هو السب المنطبق على المادتين 306و171 من قانون العقوبات، إلا أنه لما كانت العقوبة المحكوم بها على الطاعن مقررة في القانون لجريمة السب علنا فإنه يتعين رفض الطعن.

مصدر الخبر | موقع برلماني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى