الهيئات القضائية

ما هي سلطة محكمة الموضوع في تقدير الدليل؟.. «النقض» تجيب

أكدت محكمة النقض في حكمها بالطعن رقم ٤٤٥٣ لسنة ٨٦ قضائية ـ الدوائر الجنائية – جلسة ٢٠١٦/١١/٠٨، من المقرر ان الادلة في المواد الجنائية إقناعيه فللمحكمة إن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام لا يصح في العقل ان يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت اليها من باقي الادلة القائمة في الدعوى .

الحكم
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة قانوناً .
حيث إن الطعن قد استوفي الشكل المقرر فى القانون .
ينعي الطاعنون بمذكرتي أسباب طعنهم علي الحكم المطعون فيه أنه إذا دانهم بجريمة
الحريق العمد قد شابه القصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال والاخلال بحق الدفاع والخطأ فى الإسناد ، ذلك بأنه لم يبين الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمة , ولم يستظهر رابطة السببية والاتفاق الحاصل فيما بين المتهمين علي مقارفة الواقعة , وتساند فى الإدانة إلي أقوال شهود الإثبات رغم تناقض الإولى فى أقوالها بالاستدلالات والتحقيقات وكونها سماعية وتراخيها فى الإبلاغ وعدم صدق أقوال الثاني وعدول الرابع عن شهادته وكون أقوال الثاني والثالث سماعية ونسب إلي الشاهدة الأولي وجود خلافات بين زوجها وبين المتهمين كما أورد فى مدوناته أن المتهمين قد سئلوا بالتحقيقات علي خلاف الثابت بالأوراق , ولم يرد علي ما دفع به من عدم قبول الدعويين الجنائية والمدنية لرفعهما من غير ذي صفة وتناقض أقوال الشاهد الثاني مع تقرير الأدلة الجنائية وتناقض باقي الشهود وعدم جدية التحريات وكيدية الاتهام وتلفيقه بدلالة المستندات الرسمية المقدمة لمحكمة الموضوع وعدم تواجدهم علي مسرح الجريمة وقت حصولها والتفت عن المستندات التي تفيد عدم مشاهدة الشاهد الرابع للواقعة أو سماع أقواله أمام النيابة أو التوقيع علي الأقوال المنسوبة له أمامها ولم تستجب المحكمة إلي طلب سماعه رغم حضوره بالجلسة وإصرارهم علي طلب سماعه دون بيان العلة . مما يعيبه ويستوجب
نقضه .
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى فى قوله : ” بتاريخ ٢١ / ٩ / ٢٠١٤ قام زوج الشاهدة الأولى بقتل شخص من أقارب المتهمين قاموا علي إثرها بكسر القفل الموجود علي ورشة زوج الشاهدة الأولى واقتحموها وسكبوا كمية من مادة شديدة الاشتعال فأحرقوها وما بها من منقولات علي الوجه المبين بالتحقيقات وبتقرير قسم الأدلة الجنائية ثم لاذوا بالفرار ” . وساق الحكم علي صحة الواقعة وإسنادها للطاعنين أدلة إستقاها من أقوال شهود الإثبات وتقرير قسم الأدلة الجنائية وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها .
لما كان ذلك , وكان من المقرر أنه وإن كان علي المحكمة أن تبين واقعة الدعوى بياناً كافياً تتحقق به أركان الجريمة والظروف التي وقعت فيها إلا أنه من المقرر أيضاً أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، وإذ كان مجموع ما أورده الحكم المطعون فيه كافياً فى تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة فإنه تنتفي عنه قالة القصور فى التسبيب .
لما كان ذلك , وكان لا يبين من مطالعة محضر
جلسة المحاكمة أن المدافع عن الطاعنين قد دفع أمام محكمة الموضوع بما يثيره فى طعنه من انقطاع رابطة السببية , فإن المحكمة غير ملزمة بالرد علي دفاع لم يطرح أمامها ولا يقبل إثارته لأول مرة أمام هذه المحكمة لأنه يقتضي تحقيقاً موضوعياً تنحسر عنه وظيفتها .
لما كان ذلك , وكان ما أثبته الحكم فى مدوناته كافياً بذاته للتدليل علي توافر الاتفاق الحاصل بين الطاعنين علي ارتكاب جريمة الحريق العمد من معيتهم فى الزمان والمكان ونوع الصلة بينهم وصدور الجريمة عن باعث واحد واتجاههم جميعاً وجهة واحدة فى تنفيذها وأن كلاً منهم قصد قصد الآخر فى إيقاعها بالإضافة إلي وحدة الحق المتعدي عليه , ومن ثم يصح طبقاً لنص المادة ٣٩ من قانون العقوبات اعتبار كل منهم فاعلاً أصلياً فى تلك الجريمة , ومن ثم فإن منعاهم فى هذا الصدد لا يكون سديداً .
لما كان ذلك , وكان من المقرر أن محكمة الموضوع لا تلتزم بحسب الأصل بأن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها وأنها غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إذا تعددت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به منها بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه ولها أن تعول علي أقواله فى أيه مرحلة من مراحل التحقيق أو المحاكمة مادامت قد اطمأنت إليها دون أن تلتزم بتحديد موضع الدليل من أوراق الدعوى ما دام له أصل فى الأوراق , وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة وتعويل القضاء عليها مرجعه إلي محكمة الموضوع تقدره التقدير الذى تطمئن إليه دون معقب ، ولها أن تأخذ من الأدلة التي تطمئن إليه وأن تطرح ما عداه دون إلزام عليها ببيان علة ما إرتأته وفي اطمئنانها إلي أقوال الشهود ما يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها علي عدم الأخذ بها , وكان من المقرر أيضاً أنه لا مانع فى القانون من أن تأخذ المحكمة بالأقول التي ينقلها شخص عن آخر حتي ولو كان مجهولاً متي اطمأنت إليها ورأت أنها صدرت حقيقة ممن رواها وكانت تمثل الواقع فى الدعوى – كما هو الحال فى الدعوى المطروحة – وأن تأخر المجني عليها فى الإبلاغ عن الحادث لا يمنع من الأخذ بأقوالها مادامت قد أفصحت عن إطمئنانها إلي شهادتها وأنها كانت علي بينة بالظروف التي أحاطت بها ، فإن ما يثيره الطاعنون من منازعة فى سلامة استناد الحكم إلي أقوال شهود الإثبات والتفاته عن المستندات الدالة علي عدم مشاهدة الشاهد الرابع للواقعة أو سماع أقواله أمام النيابة العامة ينحل إلي جدل فى تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب ولا يقبل إثارته أمام محكمة النقض .
لما كان ذلك , وكان من المقرر أن الخطأ فى الإسناد الذي يعيب الحكم هو الذي يقع فيما هو مؤثر فى عقيدة المحكمة التي خلصت إليها ، وكان ما يثيره الطاعنون بشأن ما نسبه الحكم للشاهدة الأولي من وجود خلافات بين زوجها وبين المتهمين وما أورده فى مدوناته أن المتهمين سئلوا بالتحقيقات علي خلاف الثابت بالأوراق فإنه بفرض تردي الحكم فى هذا الخطأ فإنه لا يمس جوهر الواقعة ولا أثر له فى منطقه أو النتيجة التي خلص إليها , فإن النعي علي الحكم فى هذا الشأن يكون علي غير أساس .
لما كان ذلك , وكان الأصل المقرر بمقتضي المادة الأولي من قانون الإجراءات الجنائية أن النيابة العامة تختص دون غيرها برفع الدعوى الجنائية ومباشرتها طبقاً للقانون وأن اختصاصها فى هذا الشأن مطلق لا يرد عليه القيد إلا استثناء بنص من الشارع وكانت النيابة العامة قد أقامت الدعوى ضد الطاعنين عن جريمة الحريق العمد المؤثمة بالمادة ٢٥٣ من قانون العقوبات التي خلت من أي قيد علي حريتها فى رفع الدعوى الجنائية عن الأفعال المبينة بها , ومن ثم فإن منعي الطاعنين فى هذا الصدد يكون علي غير سند , ولا علي الحكم إن هو إلتفت عن دفاعهم فى هذا الصدد لأنه دفاع قانوني ظاهر البطلان بعيد عن محجة الصواب .
لما كان ذلك , وكان منعي الطاعنين علي الحكم بعدم الرد علي الدفع بعدم قبول الدعوى المدنية مردوداً، بأنه فضلاً عن عدم جوازه لأن ما قضي به غير مُنه للخصومة فى هذه الدعوى فمصلحتهم فيه منعدمة ، إذ أن الحكم لم يفصل فى الدعوى المدنية بل تخلي عنها بإحالتها إلي المحكمة المدنية المختصة للفصل فيها عملاً بالمادة ٣٠٩ من قانون الإجراءات الجنائية .
لما كان ذلك , وكان الثابت من محضر الجلسة أن الحاضر مع الطاعنين اقتصر فى دفاعه علي القول بأن هناك تناقض فى أقوال الشهود وتناقض الشاهد الثاني مع تقرير الأدلة الجنائية دون بيان ماهية هذا التناقض ، فإن دفاعه بهذه الصورة يكون مجهلاً ولاً تثريب علي المحكمة إن هي سكتت عنه إيراداً له ورداً عليه مادامت قد اطمأنت إلي ما أوردته من أدلة الثبوت فى الدعوى .
لما كان ذلك , وكان البين من محضر جلسة المحكمة أن المدافع عن الطاعنين لم يطلب سماع الشاهد الرابع علي خلاف ما ذهب إليه أسباب طعنه فليس له من بعد أن يعيب علي المحكمة عدم اتخاذها إجراء لم يطلبه منها .
لما كان ذلك , وكان لا جدوي من النعي علي قصور التحريات مادام البين من الواقعة كما صار إثباتها فى الحكم ومن استدلاله أن الحكم لم يتساند إليها فى الإدانة ، وإنما أقام قضاءه علي الدليل المستمد من أقوال
شهود الإثبات وتقرير الأدلة الجنائية فإن ما يثيره الطاعنون فى هذا الصدد يكون غير سديد .
لما كان ذلك , وكانت الأدلة فى المواد الجنائية اقناعيه فللمحكمة أن تلفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية مادام يصح فى العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها المحكمة من باقي الأدلة القائمة فى الدعوى .
لما كان ذلك , وكان من المقرر أن نفي التهمة والدفع بعدم التواجد علي مسرح الجريمة وكيدية الاتهام وتلفيقه من الدفوع الموضوعية التي لا تستلزم من المحكمة رداً خاصاً اكتفاء بما تورده من أدلة الثبوت التي تطمئن إليها بما يفيد إطراحها ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنون نعياً علي الحكم فى هذا الصدد يكون غير مقبول. لما كان ما تقدم , فإن الطعن برمته يكون علي غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة: بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه .

مصدر الخبر | موقع نقابة المحامين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى