محكمة النقض توضح القصد الجنائي في جرائم التزوير
أوضحت محكمة النقض خلال نظرها الطعن رقم 11994 لسنة 89 قضائية، أن القصد الجنائي في جريمة التزوير من المسائل المتعلقة بوقائع الدعوى التي تفصل فيها محكمة الموضوع في ضوء الظروف المطروحة عليها، وليس بلازم أن يتحدث الحكم عنه صراحة، وعلي استقلال ما دام الحكم قد أورد من الوقائع ما يدل عليه، وكان ما أثبته الحكم المطعون فيه في مقام التدليل على توافر جرائم التزوير في محررات رسمية في حق الطاعن.
الوقائـع
اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخرين سبق محاكمتهم في قضية الجناية رقم ٢٩٢١ لسنة ٢٠١٨ قسم المناخ والمقيدة بالجدول الكلي برقم 616 لسنة ٢٠١٨ .
بأنهم في غضون شهر أغسطس عام ٢٠١٧ بدائرة قسم المناخ – محافظة بورسعيد .
1. وهم ليسوا من أرباب الوظائف العمومية اشتركوا بطريق الإتفاق والمساعدة مع مجهول
في ارتكاب تزوير في محررات رسمية هي عقدي بيع السيارتين رقمي ٧٥٣٦ / أ ، ٧٥٣٧ / أ لسنة ٢٠١٧ والمنسوب صدورهما لمكتب توثيق شهر عقاري شمال القاهرة ، وشهادتي بيانات ومطابقتي بصمة المنسوب صدورهم لوحدة مرور تراخيص القطاع العام بالقاهرة وكان ذلك بطريق الإصطناع بأن اتفق معه علي إنشائهم على غرار المحررات الصحيحة وساعده بأن أمده بالبيانات المراد إثباتها فدونها المجهول وذيلهم بتوقيعات عزاها للمختصين بالجهتين آنفتي البيان ومهرهم بأختام عزاها لذات الجهتين فتمت الجريمة بناء علي هذا الإتفاق وتلك المساعدة .
2. قلدوا بواسطة الغير خاتمي شعار الجمهورية الخاصين بمكتب توثيق شهر عقاري شمال القاهرة وحدة مرور تراخيص القطاع العام بأن إصطنعهما على غرار الأختام الصحيحة واستعملهما بأن وضع بصمتهما علي المحررات موضوع الإتهام الأول
3. اشتركوا بطريق المساعدة مع موظفة عمومية / …………… مراجعة مكتب تراخيص النقل بإدارة مرور بورسعيد – حسنة النية – في ارتكاب تزوير في محرر رسمي التصريحين المؤقتين المنسوبين لجهة عملها آنفة البيان حال تحريرهما بجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمهم بتزويرهما بأن أوعزوا للمختصين بشركة بورسعيد للشحن والتفريغ المثول أمام المختصين بإدارة مرور بورسعيد فتقدم مندوب التراخيص بالشركة أحمد نجيب سلامة متولي وبيده المحررات المزورة موضوع الاتهام الأول وأثبتت الموظفة المختصة ذلك وتمت الجريمة بناء على تلك المساعدة .
4. استعملوا المحررات المزورة موضوع التهمة الأولي للاعتداد بهم فيما زورت من أجله بأن قدموهم للمختصين بشركة بورسعيد للشحن والتفريغ والاحتجاج بما ورد بها علي خلاف الحقيقة بإثبات الملكية وبيع السيارة للشركة المجني عليها آنفة البيان .
5. توصلوا إلي الاستيلاء علي المبلغ النقدي المبين قدراً بالأوراق والمملوك للشركة المجني عليها بورسعيد للشحن والتفريغ وكان ذلك بطريق الإحتيال لسلب بعض ثروتها وباستعمال طرق إحتيالية من شأنها الإيهام بوجود واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة بأن قدم لممثلي الشركة مندوب الترخيص المحررات المزورة موضوع التهمة الأولي علي زعم ملكية السيارة آنفة البيان علي خلاف الحقيقة وتمكنوا بتلك الوسيلة من الإيهام من الاستيلاء علي المبالغ سالفة الذكر .
وأحالته إلى محكمة جنايات بورسعيد لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً في 8 من أبريل لسنة ٢٠١٩ عملاً بالمواد
40/ثانياً ، ثالثاً ، 41/1 ، ٢٠٦/3 ، 4 ، ۲۱۱ ، ۲۱۲ ، ۲۱۳ ، ٢١٤ ، ٣٣٦/1 من قانون العقوبات مع إعمال المواد 23/ 2 ، 30 ، 32 من ذات القانون بمعاقبته بالسجن المشدد لمدة خمس سنوات ومصادرة المحررات المزورة المضبوطة .
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض فى 14 من إبريل سنة 2019 .
وأودعت مذكرة بأسباب الطعن عن المحكوم عليه في 30 من مايو سنة 2019 موقعاً عليها من الأستاذ / عبد الستار عبد الحميد جاد المحامى .
وبجلسة اليوم سمعت المرافعة على ما هو مبين بمحضر الجلسة .
المحكمـــة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر والمرافعة وبعد المداولة قانوناً :
وحيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون .
حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم الاشتراك بطريقى الاتفاق والمساعدة في تزوير محررات رسمية وتقليد أختام إحدى الجهات الحكومية بواسطة الغير واستعمالها والنصب ، قد شابه القصور في التسبيب ، والفساد في الاستدلال ، والإخلال بحق الدفاع ؛ ذلك بأن اعتوره الغموض والإبهام وعدم الإلمام بوقائع الدعوى ولم يبين الواقعة بياناً كافياً وخلا من بيان الأدلة التي استند إليها في الإدانة ومؤداها وأورد مضمون أقوال شهود الإثبات على نحو قاصر واجتزأ منها ما يفيد انتفاء صلته بالواقعة ولم يدلل على توافر أركان الجرائم التي دان الطاعن بها ولم يبين الأفعال والمقاصد التي أتاها والدالة على اشتراكه في التزوير.
كما لم يقم الدليل على اتفاقه مع الآخرين السابق محاكمتهما والمجهول على ارتكابه لها ، لا سيما وقد خلت الأوراق وأقوال الشهود من إسناد أية دور له ، كما أنه لم يدلل على توافر القصد الجنائي في حق الطاعن وعلمه بالتزوير كما أنه لم يبين أوجه الشبه بين الخاتم الصحيح والخاتم المقلد ورغم ذلك دانه بجريمة تقليد أختام إحدى المصالح الحكومية.
كما لم يورد مضمون تقرير أبحاث التزييف والتزوير بصورة وافية ، وخلا الحكم من بيان مضمون ومؤدى الأوراق المزورة وأوجه تزويرها ، وَاِكتفَى بإِثبَات اِطْلَاع المَحْكَمَة عَلَى تلك المُحَرَّرات المُزَوَرة دون بيان مَضمُونَهُا وَمَواطِن التَزْوِير فِيْها وأطرح الدفع بانتفاء صلته بالواقعة والمحررات المزورة برد غير سائغ.
كما استند الحكم من بين ما استند إليه إلى تحريات الشرطة وأقوال مجريها التي اعتمد الحكم على ما جاء بها وهى لا تصلح دليلاً على الإدانة مطرحاً دفاعه فى هذا الشأن بما لا يسوغ ، كما وأن الأوراق خلت من دليل يقيني على إدانة الطاعن إذ لم يقل أحد من الشهود أنه قام بتزوير المحررات وتقليد الأختام أو ساهم في ذلك وقد أقام الحكم قضاءه في هذا الشأن على افتراضات ظنية ، مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها ، وأقام عليها في حقه أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات ومما ثبت بتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير ، والاستعلامية الصادرين من مكتب توثيق شمال القاهرة ومن الإدارة العامة لمرور القاهرة وحدة تراخيص القطاع العام والإفادة الصادرة من شركة النيل للنقل الثقيل وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها.
وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى وإيرادها لمضمونها على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، ولئن كان من المقرر أنه ينبغي ألا يكون الحكم مشوباً بإجمال أو إبهام مما يتعذر معه تبين مدى صحة الحكم من فساده في التطبيق القانوني على واقعة الدعوى.
إلا أنه من المقرر– أيضاً – أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، وإذ كان مجموع ما أورده الحكم المطعون فيه كافياً في تفهم واقعة الدعوى بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة فإنه ينتفي عنه قالت الغموض والإبهام وعدم الإلمام بوقائع الدعوى ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الشأن في غير محله .
لما كان ذلك ، وكان لا يلزم قانوناً إيراد النص الكامل لأقوال الشاهد الذي اعتمد عليها الحكم بل يكفي أن يورد مضمونها ولا يقبل النعي على المحكمة إسقاطها بعض أقوال الشاهد لأن فيما أوردته منها وعولت عليه ما يعني أنها أطرحت ما لم تشر إليه منها لما للمحكمة من حرية في تجزئة الدليل والأخذ بما ترتاح إليه والالتفات عما لا ترى الأخذ به – ما دام أنها قد أحاطت بأقوال الشاهد ومارست سلطتها في تجزئتها بغير بتر لفحواها أو مسخ لها بما يحيلها عن معناها أو يحرفها عن مواضعها.
وإذ كان ما أورده الحكم المطعون فيه بالنسبة لأقوال الشهود يحقق مراد الشارع الذي استوجبه في المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية من بيان مؤدى الأدلة التي يستند إليها الحكم الصادر بالإدانة وحصل مضمونها بطريقة وافية ولم يجهل بها – كما يدعي الطاعن في طعنه – أو يحرفها عن مواضعها فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد يكون في غير محله .
لما كان ذلك ، وكان الاشتراك في جرائم التزوير يتم غالباً دون مظاهر خارجية وأعمال مادية محسوسة يمكن الاستدلال بها عليه فإنه يكفي أن تكون المحكمة اعتقدت حصوله من ظروف الدعوى وملابساتها وأن يكون اعتقادها هذا سائغاً تبرره الوقائع التي أثبتها الحكم.
ولما كان الحكم قد أورد من الأدلة القولية والفنية مما يكشف عن اعتقاد المحكمة باشتراك الطاعن بطريقي الاتفاق والمساعدة مع آخرين سبق الحكم عليهم وآخر مجهول في ارتكاب جرائم التزوير فإن هذا حسبه ليستقيم قضاؤه.
وكانت المادة 40 من قانون العقوبات لا تشترط في الشريك أن يكون له علاقة مباشرة مع الفاعل الأصلي للجريمة إذ الشريك إنما هو في الواقع شريك في الجريمة ذاتها يستمد صفته من فعل الاشتراك الذي ارتكبه ومن قصده منه ومن الجريمة التي وقعت بناء على اشتراكه فإن رمى الحكم بقالة القصور في التسبيب لعدم استظهار عناصر الاشتراك والتدليل على توافره في حق الطاعن وفي شأن استناد الحكم إلى أقوال شهود الإثبات في قيام جريمة الاشتراك في تزوير الأوراق الرسمية في حقه إذ لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير أدلة الدعوى مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض .
لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة التزوير من المسائل المتعلقة بوقائع الدعوى التي تفصل فيها محكمة الموضوع في ضوء الظروف المطروحة عليها وليس بلازم أن يتحدث الحكم عنه صراحة وعلي استقلال ما دام الحكم قد أورد من الوقائع ما يدل عليه وكان ما أثبته الحكم المطعون فيه في مقام التدليل على توافر جرائم التزوير في محررات رسمية في حق الطاعن.
وما استدل به على علمه بالتزوير يتحقق به كافة العناصر القانونية لتلك الجرائم التي دانه بها ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلاً في واقعة الدعوى وتقدير أدلتها بما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن جناية تقليد ختم، أو علامة إحدى المصالح أو إحدى جهات الحكومية المنصوص عليها في المادة 206 من قانون العقوبات تتحقق متى كان التقليد من شأنه خدع الجمهور في المعاملات ولا يشترط القانون أن يكون التقليد متقناً بحيث ينخدع به الفاحص المدقق بل يكفي أن يكون بين الختمين.
أو العلامتين المقلدة والصحيحة تشابه قد يسمح بالتعامل بها ، وكان الحكم قد حصل من تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير أن جميع بصمات شعار الجمهورية لم تؤخذ من قالب خاتم شعار الجمهورية الصحيح وهو ما يكفي في بيان تحقق المحكمة بنفسها من تقليد الخاتم موضوع الجريمة المسندة إلى الطاعن وتقدير أوجه التشابه بين الخاتم المقلد والخاتم الصحيح بما تتوافر به عناصر تلك الجريمة في حقه ويكون النعي على الحكم في هذا الخصوص بدعوى القصور غير سديد.
فلهــــــــــذه الأسبـــــــاب
حكمت المحكمة :- بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع برفضه .
أمين الســـر رئيس الدائـــرة
مصدر الخبر | موقع نقابة المحامين