طالب أول طعن أمام المحكمة الدستورية العليا على قانون الإيجار القديم المعدل مؤخرا، والذى صدق عليه رئيس الجمهورية، وحمل رقم 164 لسنة 2025 ،
بشأن بعض الأحكام المتعلقة بقوانين إيجار الأماكن وإعادة تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، الاستمرار في تنفيذ الحكم السابق صدوره من المحكمة الدستورية ،
في الدعوى رقم 105 لسنة 19 ق دستورية عليا.
وجاء نص الحكم الصادر من المحكمة الدستورية في الدعوى رقم 105 لسنة 19 ق دستورية عليا والذى طالب الطعن الجديد الاستمرار فى تنفيذه كالتالى:
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 3 نوفمبر سنة 2002 الموافق 28 شعبان سنة 1423 هـ، برئاسة المستشار الدكتور محمد فتحى نجيب رئيس المحكمة ،
وعضوية المستشارين ماهر البحيرى ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وعلى عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصى،
وحضور المستشار الدكتور عادل عمر شريف رئيس هيئة المفوضين وحضور ناصر إمام محمد حسن أمين السر أصدرت الحكم الآتى فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا ،
برقم 105 لسنة 19 قضائية “دستورية:
بتاريخ اليوم الأخير من شهر مايو سنة 1997، أودعت المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، طالبة الحكم بعدم دستورية نص المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 ،
قى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وذلك فيما تضمنته من أنه ” لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان المؤجر ولو انتهت المدة المتفق عليها فى العقد”.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فى ختامها الحكم برفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
” المحكمة ”
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة حيث إن الوقائع -على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل فى أن المدعية كانت قد أقامت على المدعى عليه الأخير ،
الدعوى رقم 1310 لسنة 1997 إيجارات أمام محكمة شمال القاهرة الإبتدائية ، ابتغاء الحكم بانتهاء عقد الإيجار المؤرخ 1/1/1976 المبرم بينهما وإخلاء العين المؤجرة،
وتسليمها على قول منها بأن العقد محدد المدة وينتهى فى 31/12/1996، وقد أنذرته بعدم رغبتها فى تجديده لحاجتها إلى العين إلا أنه لم يمتثل مما اضطرها إلى إقامة الدعوى ،
وأمام المحكمة طلب المدعى عليه الأخير رفض الدعوى إستناداً إلى المادة (18) من القانون 136 لسنة 1981 فدفعت المدعية بعدم دستوريتها.
وبعد أن قدرت المحكمة جدية الدفع صرحت لها بإقامة الدعوى الدستورية فأقامتها.
وحيث إن المادة (18) من القانون 136 لسنة 1981 تنص على أنه “لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان ولو انتهت المدة المتفق عليها فى العقد إلا لأحد الأسباب الآتية :
أ- الهدم الكلى أو الجزئى …….. .
ب- إذا لم يقم المستأجر بالوفاء بالأجرة المستحقة ….. .
ج- إذا ثبت أن المستأجر قد تنازل عن المكان المؤجر ….. أو …. أو … وذلك دون إخلال بالحالات التى يجيز فيها القانون للمستأجر تأجير المكان مفروشاً أو…..
أو تركه لذوى القربى وفقاً لأحكام المادة (29) من القانون 49 لسنة 1977.
د – إذا ثبت بحكم قضائى نهائى …. .
ومع عدم الإخلال بالأسباب المشار إليها لا تمتد بقوة القانون عقود إيجار الأماكن المفروشة “.
وحيث إن المسألة التى يتوقف الفصل فى الدعوى الموضوعية ، على قضاء المحكمة الدستورية فيها -وهى التى يتوافر بها شرط المصلحة لقبول الدعوى الدستورية –
هى تحديد مدى دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981، إذ أن المدعى عليه فى الدعوى الموضوعية هو المستأجر الأصلى لعين النزاع ،
الذى يتمسك بالامتداد الذى قرره القانون لمدة عقد الإيجار، فى مواجهة تمسك المدعية بالمدة المتفق عليها فى العقد المبرم بينهما، ومن ثم فإن نطاق الدعوى الدستورية يتحدد بهذه الفقرة وحدها.
وحيث إن المدعية تنعى على نص هذه الفقرة مخالفتها للمادة الثانية من الدستور وخروجها على أحكام الشريعة الإسلامية لما يترتب على حكمها من تأبيد لمدة عقد الإيجار ،
فضلاً عن إخلاله بمبدأ التضامن الاجتماعى الذى أقره الدستور فى مادته السابعة ، ومساسه بالملكية الخاصة التى كفلها الدستور فى مادتيه (32، 34).
وحيث إنه عن النعى بمخالفة النص الطعين للشريعة الإسلامية ، فهو مردود، ذلك أن المقرر فى قضاء هذه المحكمة ، أنه إذ نصت المادة الثانية من الدستور ،
على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، فإن مقتضى هذا النص، أنه لا يجوز لنص تشريعى يصدر فى ظله أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية ،
فى ثبوتها ودلالتها معاً، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هى التى يمتنع الاجتهاد فيها لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية ثوابتها التى لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً،
أما الأحكام غير القطعية فى ثبوتها أو فى دلالتها أو فيهما معاً، فإن باب الاجتهاد يتسع فيها لمواجهة تغير الزمان والمكان، وتطور الحياة وتنوع مصالح العباد،
وهو اجتهاد إن كان جائزاً ومندوباً من أهل الفقه، فهو فى ذلك أوجب وأولى لولى الأمر ليواجه ما تقتضيه مصلحة الجماعة درءاً لمفسدة أو جلباً لمنفعة أو درءاً وجلباً للأمرين معاً.
إذ كان ذلك، وكان الحكم قطعى الثبوت فى شأن العقود كافة ، هو النص القرآنى الكريم “يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود” – آية رقم (1) سورة المائدة -،
وقد اختلف الفقهاء إختلافاً كبيراً فيما هو مقصود بالعقد فى تفسير الآية الكريمة ، ونضحت كتب المفسرين بهذا الاختلاف الذى كشف عن ظنية دلالة النص بالرغم من قطعية ثبوته،
ورجح متفقاً عليه بعد كل خلاف أن النص قد تضمن أمراً بتنفيذ العقود قاطبة وإنفاذ آثارها، وهو أمر يشمل عقد الزواج الذى عنى العزيز الحكيم بترتيب أحكامه،
كما يشمل العقود المالية التى اتفق الفقهاء على أن إرادة المتعاقدين فيها لها سلطان ما دامت لا تخالف أمراً مقرراً بنص قطعى فى ثبوته ودلالته.
وحيث إن عقد الإيجار قد رحبت الآفاق فيه لاجتهاد الفقهاء وحدهم، وقادهم اجتهادهم فى شأن مدته إلى القول بوجوب أن يكون مؤقتاً، أما المدة التى يؤقت إليها فقد اختلفوا فيها إختلافاً شديداً،
ومن ذلك قولهم أنه يجوز إجارة العين المدة التى يعيش إليها المتعاقدان عادة ، وأن التأقيت قد يكون بضرب أجل ينتهى بحلوله العقد، أو بجعل أجله مرهوناً بحدوث واقعة محمولة على المستقبل.
وحيث إن النص الطعين لم يعمد إلى تأبيد عقد الإيجار، وإنما هو قصد إلى تقرير امتداد لهذا العقد يتجاوز المدة المتفق عليها فيه، وهو امتداد وإن كان غير محدد بمدة معينة،
إلا أن مدته تتحدد بوقائع عدة ، منها تلك الوقائع التى عددتها باقى أحكام المادة (18) من القانون 136 لسنة 1981، فيما أعقب صدر الفقرة الأولى المطعون عليها،
والتى يلزم إذا توافرت شروط إحداها إنهاء العقد، ويتصل بالتأقيت أن يطلب المستأجر نفسه إنهاء العقد، ثم يتحقق التأقيت النهائى للعقد بوفاة المستأجر،
إذا وقعت هذه الوفاة خلال مدة الامتداد القانونى له، وذلك دون خوض فى حكم المادة 29 من القانون 49 لسنة 1977، لخروجه عن نطاق الدعوى .
إذ كان ذلك وكان النص الطعين فيما أتاه من حكم، لم يخرج عن دائرة ما اجتهد فيه الفقهاء -وكان له أن يخرج- ولم يخالف حكماً شرعياً قطعى الثبوت والدلالة ،
وإنما هو قرر أمراً لا يجوز الاتفاق على مخالفته، وهو أمر يندمج مع باقى ما تراضى عليه المتعاقدان من شروط، لتصبح فى مجموعها هى أحكام العقد من حقوق وإلتزامات،
يمتثل العاقدان فيه معاً للأمر القرآنى الكريم “أوفوا بالعقود”، فإنه بذلك لا يكون قد خالف أحكام الشريعة الإسلامية من أى وجه من الوجوه.
وحيث إنه عن النعى بمساس النص الطعين بحق الملكية وإخلاله بمبدأ التضامن الاجتماعى ، فإنه نعى مردود، ذلك أن المقرر فى قضاء هذه المحكمة،
أنه ولئن كان الدستور قد كفل حق الملكية الخاصة ، وحَوّطه بسياج من الضمانات التى تصون هذه الملكية وتدرأ كل عدوان عليها،
إلا أنه فى ذلك كله لم يخرج عن تأكيده على الدور الاجتماعى لحق الملكية، حيث يجوز تحميلها ببعض القيود التى تقتضيها أو تفرضها الضرورة الاجتماعية،
وطالما لم تبلغ هذه القيود مبلغاً يصيب حق الملكية فى جوهره أو يعدم جُلّ خصائصه، إذ كان ذلك وكان ما أملى على المشرع المصرى تقرير قاعدة الامتداد القانونى لعقد الإيجار،
هو ضرورة اجتماعية شديدة الإلحاح تمثلت فى خلل شديد فى التوازن بين قدر المعروض من الوحدات السكنية وبين حجم الطلب عليها،
وهو خلل باشرت ضغوطه الاجتماعية آثارها منذ الحرب العالمية الثانية ، وكان تجاهلها يعنى تشريد ألوف من الأسر من مأواها بما يعنيه ذلك من تفتيت فى بنية المجتمع وإثارة الحقد ،
والكراهية بين فئاته ممن لا يملكون المأوى ومن يملكونه، وهو ما يهدر مبدأ التضامن الاجتماعى ، مما دعا المشرع المصرى إلى تبنى قاعدة الامتداد القانونى لعقد الإيجار،
منذ التشريعات الاستثنائية لإيجار الأماكن الصادرة أثناء الحرب العالمية الثانية وحتى النص الطعين، كى يصون للمجتمع أمنه وسلامته محمولين على مبدأ التضامن الاجتماعى .
وحيث إنه مما تقدم يبين أن النص الطعين لا يكون قد تضمن مساساً بحق الملكية الخاصة أو إخلالاً بمبدأ التضامن الاجتماعى، وإذ كان لا يخالف أى نص دستورى آخر فإنه يتعين القضاء برفض الطعن.
فلهذه الأسباب حكمت المحكمة برفض الدعوى ، وبمصادرة الكفالة ، وألزمت المدعية المصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة .
مصدر الخبر | موقع اليوم السابع