نائب رئيس مجلس الدولة يوجه رسالة لمجلس الأمن: النيل سيد مجراه سلاما و قوة
وجه المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة، رسالة فى الجزء الثالث عشر والختامى من دراسته التي أعدها خلال الأيام الماضية بعنوان: “مسئولية الأمم المتحدة وحقوق مصر التاريخية فى مياه نهر النيل والاستقرار القضائى لمحكمة العدل الدولية توثيق لعداون إثيوبيا على قواعد الأنهار”.
وأصدر خفاجى دراسة تحليلية فى ضوء تدخل الأمم المتحدة فى النزاعات المائية النظيرة حماية للدول المتشاطئة من الإضرار بها، والمبادئ التى استنتها محكمة العدل الدولية فى وحدة المصالح للمجارى المائية لبيان عدوان إثيوبيا على مياه نهر النيل”، وخصصه كرسالة إلى مجلس الأمن عن أن النيل سيد مجراه سلاماً و قوةً، وأن الرئيس السيسى القائد الحكيم الاستراتيجى لهذا العصر، وأن مصر تضع مجلس الأمن أمام مسئولياته بموجب حضارتها التليدة وأن الأمن المائى جزء من الأمن القومى.
ويقول المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة أن الأمم المتحدة تلعب دوراً كبيراً فى الشرعية النهرية، ومصر لها حقوق تاريخية مكتسبة فى نهر النيل منذ اَلاف السنين قبل نشأة المنظمة الدولية ذاتها وقبل خلق كثير من الدول، واُعيد الذاكرة الدولية لمجلس الأمن الموقر أنه لولا تدخل الأمم المتحدة منذ 45 عاما بين بنجلاديش والهند بتوقيع بروتوكول يحفظ حقوقهما لحدث من لا يحمد عقباه تهديداً للأمن والسلم الدوليين وهى ذات اعتبارات إصرار إثيوبيا على الملء الثانى للسد الإثيوبى دون اتفاق أو تفاوض، كما اُعيد الذاكرة الدولية لمجلس الأمن دوره الايجابى فى النزاع بين بريطانيا وألبانيا بقضية كورفو عام 1947، ويجب على مجلس الأمن الدولى أن يدرك أن تأخره عن حل العجز المائي مما ستتكبده دولتي المصب مصر والسودان خلال عشر سنوات مضت يمثل تهديداً حقيقياً للسلم والأمن الدوليين بلغ ذروته بقيام إثيوبيا بالإخطار المدلس المعدوم بالملئ الثانى ! ثم أنه لماذا يصمت الأمين العام للأمم المتحدة وقد منحه القانون الدولى أربع سلطات واسعة ! ولماذا لم يدق من قبل ناقوس الخطر بتنبيه مجلس الأمن بتفاقم الوضع بالقارة الإفريقية لنزاع طال استمراره سنوات عشر، وعلى مجلس الأمن إدراك أن الملء الثانى للسد الإثيوبى دون اتفاق أو تفاوض يمثل إحدى التحديات لمدى علو قواعد القانون الدولى ومدى فاعليته دوره . إن مصر العريقة طال صبرها للمطالبة بتسوية النزاع بالوسائل السلمية وأصبح الاَن تهديداً حقيقياً للسلم والأمن الدوليين وهو الدور الحقيقى لمجلس الأمن قبل استفحال المخاطر واضطرار الدول للزود عن حقوقها التاريخية دفاعاً عنها فتحدث الخسائر الدولية فينشط إلى دورٍ كان يجب عليه اتخاذه من قبل !
ويضيف الدكتور محمد خفاجى اُعيد الذاكرة الدولية لمجلس الأمن أنه واجه أزمات مشابهة للسد الإثيوبى فرض فيها قواعد الإنصاف للحياة المشتركة للدول المتشاطئة دون إضرار أو انقاص، وعليه أن يتذكر أن أحكام محكمة العدل الدولية تساوى دولة المنبع مع دولة المصب فكلتاهما شريكتان فى ملكية النهر ولا يجوز لإحداهما أن تنفرد بتصرف أحادى الجانب دون تفاوض أواتفاق، وأن المواثيق الدولية تناولت مبدأ الاستخدام المنصف و المعقول بعدم المساس بالحصص المائية من المياه الأنهار العابرة للحدود بما يمس الحاجات الحياتية للشعوب وبما يحفظ النظم الإيكولوجية للمياه وأن مخالفة قاعدة عدم التسبب في الضرر لباقي دول النهر تحقق المسئولية الدولية تجاه الإخلال بنظام الحصحصة فلا يجوز لدولة المجرى المائي أن تتخذ أي عمل (فيضان أو انقاص) يؤثر على الحقوق التاريخية لمصالح الدول المتشاطئة، إن مجلس الأمن يعلم أن استثمار الطاقة لا يخل بالملكية المشتركة للدول المتشاطئة دون تفرد مؤذى أو انفراد أحادى، وأن التوفيق بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة يتقيد بالاستخدام العادل والمعقول فى النهر الدولى، وأن شرط إنتاج الطاقة الكهرومائية هو الالتزام بحجم المياه وجودتها وحماية طبيعته وبقواعد القانون البيئي الدولي ومبادئ قانون المجاري المائية الدولية، وعلى مجلس الأمن أن يدرك أن النزاع فى حصص نهر النيل أخطر من النزاعات المسلحة ويهدد السلم والأمن والاستقرار الدولى، وسوف يكون فى موقف يحسد عليه حينما يكون تهديد الأمن والسلم الدولى وشيكاً فيضطر إلى التدخل بعد فوات الأوان ! فسيعرف حينئذ أنه لم يحالفه التوفيق عندما تخسر الشعوب .
ويذكر القاضى المصرى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة إن مصر دعاة سلام بقيادتها الحكيمة فالرئيس عبد الفتاح السيسى القائد الحكيم الاستراتيجى لهذا العصر، لأنه يتخذ خطوات شجاعة من أجل الحفاظ على أمن مصر المائى من ناحية وتعميق فكرة الحفاظ على وحدة المنافع المشتركة لدول حوض النيل من ناحية أخرى، والتى ترسخت عبر حقب تاريخية متباينة بمنح الدول المطلة عليه حق استخداماتها الاقتصادية دون إضرار بسائر الدول سواء كانت من المنبع أو المصب، وفى ذات الوقت فالرئيس السيسى أدرك منذ البداية أن نهر النيل هو الذى وهب الحياة لمصر عبر التاريخ مع الاحترام الكامل من جميع الدول لمبدأ الجوار أخذاً بقاعدة لا ضرر ولا ضرار .
ويشير الدكتور محمد خفاجى أن نهر النيل هبة من الله لحياة مصر، والنهر العظيم منذ فجر التاريخ سيد مجراه سلاما ً وقوة ًوسيبقى كذلك، وسفيراً فوق العادة للحضارة الإنسانية عبر الأجيال , وقد تعلمنا منذ الصغر أن نهر النيل ليس مجرد نهر عطاء لكنه رسالة في الفكر الإنسانى والقانونى فعلى ضفافه قامت أعظم حضارات التاريخ لذا فهو متجدد وتتجسد عظمته أنه يمنح لأبنائه السلام والأمان، فالنيل ليس مجرد الأب الشرعى للحضارة المصرية والإفريقية بل هو المعلم الأول للقانون، وأن مياه الأنهار على عكس طبيعة إقليم الدولة ليست ثابتة وإنما تنتقل بطبيعتها، وهى شديدة السيل والتدفق والفيض، فإقليم بعض الدول وهو أمر داخلى كمنبع لبعض الأنهار تجدها تصب في إقليم دولة أو دول أخرى وتصبح جزءاً من إقليمها أيضاً، فلكل دولة منها تتمتع بسيادة إقليمية على الجزء الواقع في أراضيها لكنها لا تستطيع أن تمارس تلك السيادة كاملة دون موافقة ورضاء الدول الأخرى المتشاطئة للنهر، وإلا عُد ذلك طبقاً لقواعد القانون الدولى انتهاكاً للحقوق المشروعة للدول المشتركة في النهر ذاته .
ويؤكد الدكتور محمد خفاجى أن مصر تضع مجلس الأمن أمام مسئوليته الدولية منذ يونيه 2020 وأن مجلس الأمن تأخر فى حل الأزمة على خلاف السوابق التاريخية له لأنزعة حسمها بحزم وجزم تخص الأنهار الدولية خارج قارة إفريقيا خلال عدة أشهر فقط ! ذلك أنه بتاريخ 19 يونيه 2020 أصدرت وزارة الخارجية المصرية بيانا يحيط الشعب المصري والمجتمع الدولي بأن مصر تقدمت بطلب لمجلس الأمن لإحاطته بشأن المساس بالأمن والسلم الدوليين؛ وذلك نظرا لتعثر المفاوضات التي دعت لها السودان و لم تؤت بثمار من الجانب الأثيوبي بل وتم التراجع عن نتائج تم التوصل لها مسبقا، وأعلنت الخارجية المصرية حينها أنه تمت مطالبة مجلس الأمن دعوة الأطراف للتفاوض وعدم أخذ قرارات أحادية، مؤكداً أن مصر لا تسعى لأي تصعيد أو خلق توتر ولن تسعى للحلول التي لا تخدم مصالح الدول الثلاث ، وأنه على المجتمع الدولي أن يتحمل مسئوليته تجاه حقوق مصر التاريخية وهى حقوق يجب ألا تغيب عن ذهن أهم أجهزة الأمم المتحدة مثل مجلس الأمن.
ويوضح الدكتور محمد خفاجى أن مصر دولة عظيمة تتصرف بما يليق بحضارتها التليدة وثقلها فى منطقة الشرق الأوسط واحترامها للشرعية الدولية المائية بشأن سد النهضة الإثيوبى، ودعوتها لمجلس الأمن بالتدخل من أجل التفاوض بحسن نية، يأتى تنفيذاً لالتزاماتها وفق قواعد القانون الدولي، للوصول إلى حل عادل ومتوازن لقضية السد الإثيوبى ، وعدم اتخاذ أية إجراءات أحادية من إثيوبيا ، قد يكون من شأنها التأثير على فرص التوصل إلى اتفاق عادل ومنصف ومعقول بما يحفظ السلم والأمن الدوليين من أية أثار ضارة بالحقوق التاريخية لمصر على حصصها فى نهر النيل .
ويذكر أنه على الرغم أن مجلس الأمن هو المسئول الرئيسى بمنظمة الأمم المتحدة عن حفظ السلم والأمن الدوليين إلا أنه لم ينشط بالسرعة الواجبة المعهودة فيه أو الجدية المفترضة المرتبطة بالخطورة الدولية إلى القيام بدوره المنوط به وفقاً لأحكام ميثاق الأمم المتحدة، وهو ما يوضح خطورة الموقف واتساع حدة الصراع وخلق مزيد من التوترات بمنطقة الشرق الأوسط، فتأخر قيامه بواجباته التى تفرضها عليه قواعد القانون الدولى وعلى خلاف السوابق التاريخية لمجلس الأمن ذاته لأنزعة متشابهة للأنهار الدولية خارج قارة إفريقيا وهو ما أوضحناه فى الأجزاء السابقة من هذه الدراسة .
ويشير الدكتور محمد خفاجى إلى أن الفقه هو عقل القانون والدبلوماسية اَلية من اَلياته وعمل القانون في هذا الشأن يختلف عن عمل الدبلوماسى، ذلك أن القانون المجرد من الثوابت التى تتواكب مع قوانين الطبيعة التى تحكم حركة الشمس والقمر والزلازل بينما النظريات السياسية متغيرة وغير ثابتة، كما أن عمل الدبلوماسى يقتصر على النوايا بينما العمل الفقهى يتعلق ببحث أصل الحق من مختلف الزوايا , فكل شئ قابل للحوار القانونى المجرد إلا الإفتئات على حقوق الأوطان، والواقع أننا تأخرنا في تأسيس أكاديمية علمية إفريقية لإعداد مدرسة للكوادر التى تحافظ على النهر الخالد.
وينتهى الدكتور محمد خفاجى فى الجزء الختامى أن دراسته إهداء لمصر والرئيس عبد الفتاح السيسى الذى أنقذ مصر من الضياع الدولى كما عانته ومازالت دول أخرى، ووضعها على خريطة العالم , والدراسة تعبير داخلى لكل من يشغله هموم وطنه فكلّ إنسانٍ يعيش على تراب هذا الوطن يعني الكثير من المعاني، ويفرض عليه الكثير من الواجبات والالتزامات ، فالوطنيّة لا تعني الاستفادة من خدمات الوطن فقط ، بل تعنى الإنتماء إلى الوطن والولاء له ، وذلك يقتضى أن يكون وطن الإنسان أحب إليه من جميع الأوطان، فحينما يحب الإنسان وطناً غيره أكثر من وطنه يتناقص ولاءه ويتضائل شعوره الوطني، ومصر أحوج ما تكون في ظل الظروف العالمية المستجدة أن يكون رجالها على استعداد للدّفاع عنها في كافة المواقع، ضد كل المخاطر ولو بكلمة القانون البصيرة، إن مصر هى جزءٌ من الوطن العربي والإسلامي والإفريقى الأكبر، ذلك أن قوى دولية عديدة تسعى إلى تفريق الأمّة الإفريقية إلى أوطانٍ كثيرة وهو ما يغم على بعض الدول، رغم إدراك مصر لهذه الحقيقة وتعلّق قلبها النابض بوطنها الأكبر إفريقيا الذي تجمع أقطاره قواسم مشتركة واحدة نحو الهدف الواحد.
مصدر الخبر | موقع اليوم السابع