القضاء على فساد الأمر الواقع بقلم المستشار سعد خليل
يُعد فساد الأمر الواقع أخطر أنواع الفساد وأعجبها، وتتمثل خطورته وأعجوبته فى كونه منظومة ودائرة للفساد يشارك فيها الجميع فتبدأ بالمخالفين وتتحقق أهدافها بتواطؤ أو إهمال المختصين ببعض الجهات الإدارية المختصة وبتعامل المواطنين مع هذا الفساد وبعد أن يؤتى الفساد ثماره للمخالفين يغرى غيرهم ليحذوا حذوهم فتنتقل عدوى الفساد حتى تنتشر وتصبح ظاهرة لا يمكن التغلب عليها أو التصدى لها ، فلم تملك الدولة فى العقود السابقة إلا الإقرار بهذا الفساد وتقنين الأمر الواقع فيصبح أمرا مشروعا ومن أمثلة هذا النوع من الفساد: التعدى على أملاك وأراضى الدولة والبناء عليها أو البناء على الأراضى الزراعية أو مخالفات التخصيص بتحويل الأراضى المخصصة للزراعة وتقسيمها والبناء عليها والتصرف فيها، وكذلك البناء دون ترخيص وأن المشاركة فى هذا النوع من الفساد تتحقق بقيام المخالف بارتكاب هذه المخالفة التى يعلم جيدا أنه يستطيع إكمالها عن طريق التواطؤ أو إهمال المختصين بالجهات الإدارية واكتفائهم باتخاذ إجراءات ورقية وهمية لإعفائهم من المسئولية ثم تأتى مشاركة المواطنين الذين يقومون بشراء الوحدات السكنية الناتجة عن هذا الفساد لأنها تكون أقل سعرا ولكونهم على يقين أنه لا تتم إزالتها والسوابق لديهم كثيرة، ثم تنتقل عدوى الفساد لآخرين عندما يرون أن هذا الفساد قد أتى ثماره لسابقيهم، ثم يصبح هذا الفساد ظاهرة لم تستطع الدولة، فى السابق، التغلب عليها أو التصدى لها أو وضع إجراءات لمنع ارتكابها فى المستقبل . ومنذ تأسيس الجمهورية الثانية جاء دستور 2014 مؤكدا دور الدولة فى تعزيز مكافحة الفساء وإعلاءً لسيادة القانون، وتأكيدا على تلك الاستحقاقات جاءت توجيهات رئيس الجمهورية الأخيرة بإزالة جميع التعديات على منشآت الرى والأراضى الزراعية وجسور الترع وأملاك الدولة أيا كانت التعديات أو أيا كان مرتكبها. تعكس تلك التوجيهات الإرادة السياسية الحقيقية لمكافحة الفساد وتمثل ضربات قوية للقضاء على أخطر أنواع الفساد وهو فساد الأمر الواقع ولمافيا التعدى على أراضى وأملاك الدولة ولمن تسول له نفسه الاعتداء على منشآت الرى أو الأراضى الزراعية أو جسور الترع فضلا عن القضاء على انتشار المناطق والبؤر العشوائية وما تمثله من تهديد للسلم الاجتماعى والأمن العام. كما تمثل تلك التوجيهات رسالة تحذير بأنه لا أمر واقع سيُفرض على الدولة, رسالة تحذير للموظفين المهملين بأنه لا مكان لكم فى الجمهورية الجديدة. ورسالة تنبيه وتوعية للمواطنين بضرورة التأكد من أن الوحدات والعقارات التى يقومون بشرائها أو التعامل عليها تمت وفقا لأحكام القانون، لأن الدولة لن تحمى من يخالف قوانينها. وكذلك رسالة بإعلاء دولة سيادة القانون وأنه لا أحد فوق القانون أو المحاسبة مهما يعل منصبه أو قدره. وهذه التوجيهات تحمل رسائل أمل نحو مستقبل أفضل, ورسالة أمل بأن هناك دولة قوية لها هيبتها وسلطتها, وبأن هناك دولة تحافظ على ممتلكاتها ومقدراتها ومواردها, وأن هناك جمهورية جديدة يتم بناؤها.
مصدر المقال | موقع بوابة الاهرام