fbpx
المقالات القانونية

د. إلهام سيف الدولة حمدان تكتب: القضاء والمرأة

بلاغٌ مهم إلى كل من يعشق تراب هذا البلد الأمين؛ ويعمل على رفعة شأنه بين الدول؛ وفحوى هذا البلاغ يقول: حكمت المحكمة برئاسة القيادة المصرية الواعية المستنيرة وزعيمها الرئيس عبدالفتاح السيسي؛ بضرورة اعتلاء “المرأة” منصة القضاء لتحقيق الأحلام التي داعبت خيالاتها منذ القِدَم؛ والظفر بنجاح نضالها الطويل من أجل الحصول على حقوقهن المجتمعية المشروعة بسلطة الأعراف والتقاليد والقوانين الوضعية.

لقد نَسِيَ ــ أو تناسى ــ هؤلاء المدعون بحماية تراث الدين والعقيدة؛ بأنهم جاءوا إلى الحياة من بطون الأمهات اللائي أرضعنهم من صدورهن إكسير الحياة واستمعت آذانهم إلى أولى نبضات الحياة من قلوبهن؛ ثم خرجوا إلى الدنيا ليمارسوا محاولات مستميتة لتهميش دورهن المؤثر في الحياة؛ ومحاولات غبية حمقاء لتغيير ناموس الكون والقفز على أحكام الشريعة السمحاء التي تعترف بأن الجميع أمام الله سواء.

حكمت المحكمة باعتلاء “المرأة” عرش القضاء؛ لدحض الأكاذيب التي روّج لها محرِّفي التراث من السلفيين المتشددين والمتسلِّفين وجيوش “الأدعياء” محترفي التجارة بالدين والعقيدة؛! من أجل السيطرة على عقول السذج من العامة والبسطاء، وجاء حكم المحكمة ليقطع الطريق على هؤلاء وهؤلاء؛ ولتنتصر الإرادة السياسية الواعية بمقدرات الوطن ومكانته وتاريخه قبل أن يبدأ الزمان.. بزمان!!

حكمت المحكمة المستنيرة بانتصار “نون النسوة” واعتلائها منصة القضاء لتتويج الفترات الطويلة من الكفاح في أعماق التاريخ البعيد؛ فقد لعبت المرأة المصرية دورًا مهمًا في المجتمع المصري؛ وكان لها مكانة خاصة ودور فعال في العصور القديمة؛ حيث تساوت مع الرجل وتقلدت أمور السياسة والحكم مذ حكمت “حتشبسوت” مصر خلال 22 سنة في فترة ما قبل الميلاد؛ ناهيك عن فترة وجود الملكات: نفرتيتي وكليوباترا، حتى تم تتويج كفاحهن في منتصف القرن العشرين؛ مع إرهاصة قيام الدولة الحديثة في عهد “محمد علي”؛ ثم النجاح في تأسيس أول حزب سياسي للمرأة تحت اسم “الحزب النسائي المصري” في العام 1942 وقيام الحزب بالمطالبة بتعديل قانون الانتخاب والاشتراك مع الرجال في حق التصويت؛ بل قمن بالتعبير عن مطالبهن في المظاهرات النسائية التي اندلعت في بداية العام 1951؛ وسقوط شهيدات في تلك المظاهرات العارمة وسط قاهرة المعز.

حكمت المحكمة والقيادة المصرية الواعية المستنيرة ــ وأنا أقصد تمامًا تكرار هذا المعنى ــ باعتلاء “المراة” منصة القضاء؛ لأنها أصدق المخلوقات على وجه الأرض في الإحساس بمعنى الحنان والرأفة والشفقة والحُب الحقيقي الذي لا تشوبه شائبة؛ والإيمان المُطلق بوجود جذور “بذرة الخلق” التي لا تجف ولا تنضب والمتجددة على طول الزمان في أعماقها؛ وهي إرادة الله الخلاَّق العظيم الذي منحها هذه الخاصية المتفردة؛ وستظل في ريعانها واخضرارها إلى يوم يُبعثون.

ولنا ــ في إيجاز ــ أن نستعرض ما جاء في سطور الصحف التي نقلت إلينا هذه الأخبار السعيدة بانتصار المرأة المصرية بعد رحلة الكفاح المتواصلة؛ ولنقوم بالتوثيق للتاريخ وللأجيال الصاعدة بأنه:

“للمرة الأولى في تاريخ مصر، جلست القاضية “رضوى حلمي أحمد علي” ، عَلَى منصة المحكمة الإدارية أو ما يُعرف بـ “مجلس الدولة”، بعد عقود من المطالبات والدعاوى القضائية لتمكين السيدات من العمل القضائي … “، ومنذ إنشائه عام 1946، لم يشهد “مجلس الدولة” المصري، وهو جهة قضائية مستقلة تتولى الفصل في المنازعات الإدارية، ظهور قاضيات على منصات محاكمة، إذ ارتبط ذلك باتجاه المجلس لرفض تعيين الإناث قاضيات فيه، واستمر ذلك حتى صدور أول قرار جمهوري بتعيين 98 قاضية بالنقل من هيئتي النيابة الإدارية وقضايا الدولة (هيئتين قضائيتين) في 3 أكتوبر “2021”.

وشهد شهر مارس 2022 تحقيق هذا الحلم الذي راود أذهان وأحلام كل المتطلعين إلى الانتصار لحقوق المرأة وانتصار الإرادة الواعية المستنيرة على كل أفكار الظلاميين الذين يتلفحون بعباءة القرون الوسطى؛ ويختبئون خلف مجلداتهم الصفراء ذات الأفكار التي لم تنل حظها في إعمال العقل والتدبير لمسايرة متطلبات العصر وظروفه متسارعة التغيير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رئيس قسم الإنتاج الإبداعي الأسبق بأكاديمية الفنون وعضو اتحاد كتاب مصر

 

مصدر المقال | موقع بوابة الاهرام

مقالات ذات صلة

اترك تعليق

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock