القضاء حول العالم

بعد قضية زوجين سوريين.. المحكمة الدستورية الألمانية تقضي بعدم دستورية قانون زواج القاصرات

قضت المحكمة الدستورية العليا الألمانية في كارلسروه، بعدم دستورية قانون زواج القاصرات الذي أقرته الحكومة الألمانية عام 2017. وأمهلت المحكمة السلطة التشريعية حتى يونيو 2024 لتعديله.

وفي عام 2017، أقرت الحكومة الألمانية، قانونا لمكافحة زواج القاصرات. ونص القانون على أن يكون الحد الأدنى لسن الزواج في ألمانيا 18 عاما. لكن المادة التي أثارت جدلا في الأوساط الألمانية ووصلت صداها إلى المحكمة الدستورية العليا، هي أن القانون أبطل القانون، عقود الزواج -بأثر رجعي- لمن كانوا في أعمار تتراوح بين 16 إلى 17 عاماً أثناء الزفاف، أو لو تدنت أعمارهم عن السادسة عشرة حتى لو كان الزواج قد تم خارج البلاد.

ما القصة؟

في عام 2015، تزوجت فتاة سورية تبلغ من العمر 14 عاماً في سوريا من ابن عمها البالغ من العمر 21 عاماً. ومع اندلاع الحرب الأهلية بعد الثورة، هرب الاثنان معاً وقصدا ألمانيا ليصلا أخيراً إلى مدينة أشافنبورج في أغسطس 2015. في ألمانيا، رفض مكتب رعاية الشباب الاعتراف بهذا الزواج وأقرَّ كفالته على هذه الفتاة ورعايتها.

لكن الزوج الشاب رفع دعوى ضد مكتب رعاية الشباب أمام محكمة الأسرة وتقدم بطلب لإعادة النظر في الرعاية، بأنه زواجه صحيحا بموجب القانون السوري، لإرجاع زوجته إليه. بيد أن محكمة العدل الاتحادية، التي كانت مختصة في نهاية المطاف في الإجراءات الأولية، أوقفت الإجراءات ولجأت إلى المحكمة الدستورية العليا للسؤال حول المتطلبات الدستورية التي يجب مراعاتها مع القصر حول الاعتراف المحلي بالزواج المبرم في الخارج.

وأشارت المحكمة في مستهل حكمها أن التعديلات الأخيرة التي أضيفت للقانون المدني الألماني تضمنت أمرا قانونيا مباشرا بأن الزيجات المبرمة بموجب القانون الألماني والتي تشمل قاصرين بموجب القانون الأجنبي “غير قانونية” إذا كان أحد الزوجين على الأقل في ذلك الوقت لم يكمل الزواج السنة السادسة عشرة من العمر.

ما الحكم؟
في حكمها الصادر اليوم، قضت المحكمة من حيث المبدأ، بأحقية الهيئة التشريعية الاعتماد على الحد الأدنى لسن الطرفين المعنيين في الزيجات المبرمة في الخارج، كما أقرت المحكمة بأحقية السلطات في إبطال الزواج إذا كان أحد الطرفين دون هذا السن وقت الزواج دون دراسة الحالة الفردية.
لكن المحكمة قضت بأن القانون بشكله الحالي “ينتهك الحق الأساسي للإنسان في حرية الزواج”، لأنه خلا من التداعيات المترتبة على إبطال عقد الزواج مثل مطالبات النفقة. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون هناك احتمال أن يصبح الزواج المبكر المبرم في الخارج صالحا أيضا بموجب القانون الألماني بعد بلوغ سن الرشد.
وقضت المحكمة، بسريان القانون مع وضع اشتراطات بشأن مطالبات النفقة وهو ما تحدده محكمة الأسرة. وألزمت المجلس التشريعي بوضع لائحة دستورية جديدة في غضون 30 يونيو 2024 على أبعد تقدير.

ما أسباب الحكم؟
قالت المحكمة في حيثيات حكمها التي حصلت عليه “الشروق” بأن التعديلات الجديدة لم تفي بجميع المتطلبات الدستورية، كما أنها تنتهك الحق الأساسي في حرية الزواج.

وأوضحت المحكمة أن المادة 13 من لائحة مكافحة زواج القاصرات الملحقة للقانون المدني الألماني على الرغم من توافقه مع المبادئ الهيكلية التي تميز الزواج بالمعنى المقصود في القانون الأساسي، إلا أنه “يقيد بشكل غير معقول حرية الزواج بسبب عدم وجود أحكام تبعية وإمكانيات غير كافية لمواصلة الزواج بشكل فعال محليًا بعد بلوغ سن الرشد”.

وأضافت أن الزواج كما أقره القانون الأساسي الألماني هو شراكة تقوم على الإرادة الحرة والمساواة في الحقوق والاستقلالية ، ويقصد بها من حيث المبدأ أن تستمر؛ يتم تأسيس الزواج من خلال مراسم الزواج كعمل رسمي يمكن التعرف عليه خارجيًا. وأن حرية الزواج كحق من حقوق الإنسان تنطبق بالتساوي على المواطنين الألمان والأجانب والأشخاص عديمي الجنسية (…) بغض النظر عن مكانها ووفقًا للنظام القانوني الذي تم تأسيسها وما إذا كانت الآثار القانونية للرابطة الزوجية أو الأسرية يجب تقييمها وفقًا للقانون الألماني أو القانون الأجنبي.

في الوقت نفسه أكدت المحكمة أن عقود الزواج الأجنبية المبرمة خارج البلاد تقع ضمن نطاق سلطة حماية حرية الزواج المنصوص عليها بالقانون الأساسي الألماني، بما يعني أن إبطال تلك العقود لا يتعارض ولا ينتهك المبادئ الهيكلية الدستورية للزواج.

وأضافت أن تلك المبادئ تهدف على وجه التحديد إلى ضمان المبدأ الهيكلي للزواج على أساس قرار حر ذاتي المسؤولية وتمكين الشراكة المتساوية والمسؤولية المشتركة عن الزيجات التي تتم في ألمانيا من خلال عدم إخضاع الزيجات المبرمة قبل سن 16 للالتزامات القانونية للزواج في ألمانيا.

وأضافت أن القاصرين لا يمتلكون بعد المهارات والقدرات والكفاءات والمعرفة والنضج الفكرية والاجتماعية الموجودة عادة لدى البالغين، وغالبًا ما يفتقرون إلى الخبرة اللازمة للتعرف على المخاطر المرتبطة بالإعلانات القانونية وتقييمها بشكل واقعي.

لهذا أقرت المحكمة بأحقية السلطة التشريعية في إبطال عقود الزواج إذا كان أحد الطرفين دون 18 عاما، حسبما جاء في القانون الصادر عام 2017.

لكن المحكمة الدستورية العليا، قالت إن فرضية أن القانون السابق لم يحقق العدالة الكافية للحاجة إلى حماية القاصرين في الاعتراف المحلي بالزيجات التي تم عقدها بشكل صحيح بموجب قانون أجنبي “يمكن أن يستند إلى أسس سليمة بما فيه الكفاية”.

وأشارت المحكمة إلى أن مسئولية الدولة عن توفير الحماية للقصر المتأثرين بزواج القاصرات “مصلحة عامة ذات أهمية كبيرة لها أساسها الدستوري في حق الأطفال في دعم وتشجيع الدولة في تطورهم إلى شخصيات مستقلة في المجتمع”.

ولفتت إلى قرار البرلمان الأوروبي في 4 أكتوبر 2017 بشأن “إنهاء زواج الأطفال” إلى الإضرار الكبير بحقوق الأطفال، وخاصة الفتيات المعنيات، في زواج الأطفال.

وقالت المحكمة إلى المشرع فشل في تنظيم عواقب إبطال عقود الزواج مثل الالتزامات المالية كالنفقة والميراث، كما لم يتضمن القانون أي أحكام محددة بشأن السماح لهؤلاء القصر بإمكانية الزواج مجددا في ألمانيا بعد بلوغ سن الرشد.

وهو ما اعتبرته المحكمة “أمرا لا يتناسب مع مبدأ حماية القاصرين، وتعدي غير معقول على حرية الزواج؛ لأنه لا يوجد حكم يمكّن القاصر، مع بلوغها سن الرشد، من إجراء الزواج باعتباره زواجًا صحيحًا في ألمانيا على أساس قرار تقرره بنفسها الآن”.

وفي نهاية المطاف، انتهت المحكمة إلى أن انتهاك لائحة القانون المدني الجديد للمبادئ الدستورية لا تؤدي إلى إلغائه أو بطلانه، لكنها شددت إلى بقائه لفترة انتقالية حتى يونيو 2024 ليجري المشرع التعديلات اللازمة. في الوقت نفسه إلزام المحاكم تحديد النفقة لحالات الزواج الباطلة طبقا لكل حالة.

 

مصدر الخبر | موقع الشروق

زر الذهاب إلى الأعلى