الهيئات القضائية

قاضٍ مصرى بالأدلة: اختلال ميزان العدل الدولى.. قراءة فى أحكام العدل الدولية

قاضٍ مصرى بالأدلة: اختلال ميزان العدل الدولى.. قراءة فى أحكام العدل الدولية

تتساءل شعوب العالم عن الأسباب التى دعت محكمة العدل الدولية فى جرائم الإبادة الجماعية أن توقف العمليات العسكرية لبعض الشعوب كأوكرانيا، وتمنعها عن شعوب أخرى كقطاع غزة بفلسطين، مما دعا المفكر والمؤرخ القضائي القاضي المصري الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي- نائب رئيس مجلس الدولة إلى إعداد دراسة متميزة بعنوان «انهيار المنظومة الأممية واختلال ميزان العدل الدولى ضد الشعوب المسلمة – قراءة فى أحكام العدل الدولية النظيرة».

قام فيها الفقيه المصري بدراسة الحالات المماثلة للأحكام الصادرة عن محكمة العدل الدولية للشعوب المسلمة التى تعرضت لحرب الإبادة ومنها مسلمي البوسنة والهرسك ومسلمي الروهينجا ومقارنتها بغيرها، وتوصل إلى نتائج مذهلة تستحق الوقوف عندها فى فكر هذه المحكمة، وفى أزمة القانون الدولى وعجزه، وازدواج المعايير لدى الغرب ومنظومة العدالة ذاتها.

ونعرض للجزء الأول من دراسة القاضي المصري فى نقطتين عن المعايير المزدوجة للعدل الدولية توقف العمليات العسكرية فى أوكرانيا وتتجاهلها فى غزة ؟ وإسرائيل تهدد الأمن الإقليمي وتتجاهل التدابير المؤقتة وتستمر فى إبادة غزة وتهدم معبد العدل الدولى.

أولاً: المعايير المزدوجة للعدل الدولية توقف العمليات العسكرية فى أوكرانيا وتتجاهلها فى غزة؟

يذكر الدكتور محمد خفاجي، عن المعايير المزدوجة للعدل الدولية عن الإبادة الجماعية توقف العمليات العسكرية فى أوكرانيا وتتجاهلها فى غزة ؟ أنه فى 16 مارس 2022 أمرت محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير مؤقتة لحماية حق أوكرانيا.

وأمرت المحكمة: أولاً بأنه يتعين على روسيا «التعليق الفورى للعمليات العسكرية» التي بدأتها في 24 فبراير 2022 في أراضي أوكرانيا، و ثانيًا أمرت المحكمة بأن على روسيا «التأكد من أن أي وحدات مسلحة عسكرية أو غير نظامية قد يتم توجيهها أو دعمها، لا تتخذ أي خطوات لتعزيز العمليات العسكرية»، وثالثًا أمرت المحكمة بالإجماع باتخاذ إجراء إضافي يقضي بامتناع الطرفين عن القيام بأي عمل قد يؤدي إلى تفاقم النزاع أو تمديده أو يجعل حله أكثر صعوبة.

ويضيف: وبالتالي فإن محكمة العدل الدولية تجاوزت طلبات أوكرانيا بوقف العمليات العسكرية بناءً على ادعاءات الإبادة الجماعية، إلى وقف كامل للأنشطة العسكرية الروسية في أوكرانيا، قائلة إن روسيا يجب أن «تعلق العمليات العسكرية التي بدأتها في 24 فبراير 2022» في أراضي أوكرانيا، متجاهلة شرط أن تكون مستندة إلى مزاعم الإبادة الجماعية. وهى لم تكتف فحسب بالتعليق الفورى للعمليات العسكرية بل حصنته بألا تتخذ أي منظمات أو أشخاص قد يخضعون لسيطرتة روسيا أو توجيهها أي خطوات لتعزيز العمليات العسكرية.

وأخيراً أشارت المحكمة أيضاً إلى أنه يتعين على كل من روسيا وأوكرانيا “الامتناع عن أي عمل قد يؤدي إلى تفاقم النزاع أو إطالة أمده”، وهذه اللغة فى صياغة قرار المحكمة أوسع مما طلبته أوكرانيا في الأصل فى قضيتها ضد روسيا.

ويؤكد أن قرار محكمة العدل الدولية فى قضية قيام قوات الإحتلال الإسرائيلى بالإبادة الجماعية ضد سكان قطاع غزة لم ينطق بوقف العمليات العسكرية أو بوقف إطلاق النار، كما توقعناه مثل حالة أوكرانيا، على الرغم من اختلاف الحالتين فسبب إبادة شعب فلسطين هو سعيه للحصول على حقه فى تقرير المصير، فغزة أرض فلسطين العربية وهى محتلة من إسرائيل التى ارتكبت الإبادة، بينما أوكرانيا ليست محتلة بل سبب الحرب لديها أنها أرادت أن تخرج من عباءة الأمة السوفيتية بالانضمام لدول الاتحاد الأوروبى على نحو يضر بالأمن القومى وخصوصية دول منطقة الأمة السوفيتية ككل.

فاختلاف السبب يجعل غزة أكثر الحاحاً فى طلب الحماية، وهو الأمر الذى كانت تحتاجه غزة العربية المسلمة بالفعل بوقف العمليات العسكرية بها، على حين أوقفتها المحكمة فى حالة أوكرانيا ما يجعل المعايير المزدوجة تسيطر على فكر وعقل محكمة العدل الدولية المفروض فيها اعتدال الميزان لا اختلاله، وهو ما يدفع على الاعتقاد بأن القانون الدولي أصبح قانوناً عاجزاً.

ويضيف لم يقتصر الأمر على فكر المحكمة الدولية فى ازدواج المعايير بين حالتين متماثلتين مع الأخذ فى الاعتبار أن غزة محتلة، بل امتد إلى فكر الغرب ذلك أن رئيسة المفوضية الأوروبية «أورسولا فون دير لاين»، وهى سياسية ألمانية تنتمي لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي تشغل منصب رئيسة المفوضية الأوروبية – أدانت الهجمات الروسية ضد البنية التحتية المدنية في أوكرانيا، في نفس الوقت تقريبًا أعربت فيه سيادتها عن دعمها الثابت لإسرائيل وهي تدمر آخر محطات الطاقة العاملة في غزة وتجعل القطاع غير صالح للسكن أو الحياة , مما يحرم شعب فلسطين من حق تقرير المصير.

لقد أصبح عجز القانون الدولي حقيقة مؤلمة لا يستطيع معه الاضطلاع بالمهام التى خلق من أجلها لتحقيق الأمن والسلم الدوليين بين الدول منذ الحرب العالمية الثانية، فهل يطفئ نار العدوان فى المنطقة حرب عالمية أو إقليمية ثالثة ؟ ذلك مالا تتحمله شعوب المنطقة.

ثانياً: إسرائيل تهدد الأمن الإقليمي وتتجاهل التدابير المؤقتة وتستمر فى إبادة غزة وتهدم معبد العدل الدولى.

يقول الدكتور محمد خفاجي: إن إسرائيل تجاهلت التدابير المؤقتة ومازالت مستمرة فى إبادة شعب غزة مما نال من سمعة ومصادقية أمريكا الحليف الأكبر والداعم الأساسى بإمدادها بأسلحة الدمار، وأصدقاء إسرائيل يجدون صعوبة كبيرة في تجاهل عدوان إسرائيل المدمر لغزة، وبدونهم سوف تبقى إسرائيل معزولة بشكل كبير حيث تعتمد إسرائيل على أمريكا ، وبدرجة أقل على انجلترا، للحصول على الدعم العسكري، وتوريد الذخائر، وحق النقض في مجلس الأمن، والثقل الدبلوماسي.

ولا ريب أن هناك قلقاً داخل الإدارة الأمريكية بشأن الأساليب التي تستخدمها إسرائيل لمواصلة الحرب وتداعياتها السيئة على الأمن الإقليمي وعلى سمعة ومصداقية الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها التى تدعى أنها نصيرة سيادة القانون، وإسرائيل تهدم معبد العدل الدولى على رؤوس الشعوب التى خلقت المحكمة لإرساء العدل بينها.

ويختتم الفقيه المصري: إن قوات الاحتلال الإسرئيلى أصبحت مصدراًللتوتر الإقليمى فى منطقة الشرق الأوسط بتجاهلها التدابير المؤقتة الصادرة من محكمة العدل الدولية، ويجب على هذه المحكمة استعادة الثقة فى قراراتها، خاصة وأن الأمن الإقليمي أضحى معرضاً للخطر بسبب عدم تنفيذ أحكامها لتمييزها غير المبرر بين حالتى أوكرانيا وغزة، فتوقف العمليات العسكرية فى الأولى وتحرمها على الثانية التى هى الأولى بالرعاية.

فالحق فيها أوضح، ولا يجب حرمان الشعوب من حقها في استخدام سبل الانتصاف القانونية المتاحة بوقف العمليات العسكرية لإثبات أن أفظع الجرائم قد ارتكبت في الأراضي المسلمة، وكان يجب عليها أن تحكم بما يمليه اليقين القانوني بوقف إطلاق النار للشعوب المُبادة كما فعلت فى الحالات النظيرة حتى لا تؤدي قراراتها إلى خلق مزيد من التوترات السياسية بين الدول وشعوبها.

 

مصدر الخبر | موقع اخبار اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى