النقض تضع ضوابط التصالح فى جرائم الأموال العامة
أصدرت الدائرة الجنائية “د” – بمحكمة النقض – حكما فريدا من نوعه، بإلغاء حكم أول درجة بالسجن 3 سنوات ومصادرة المضبوطات ورد المبالغ المختلسة، والقضاء مجددا بانقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح بعد رد المبلغ المختلس، والمحكمة في حكم فريد من نوعه تُرسخ لمبدأ “التصالح في جرائم الأموال العامة”.
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 20564 لسنة 92 القضائية، لصالح المحامى بالنقض محمد عبدالصبور، برئاسة المستشار عزمى الشافعى، وعضوية المستشارين الدكتور عادل أبو النجا، ومحمد عبد العليم مهران، ومحمد عبدالحليم طلبه، وأحمد محمد ممدوح، وبحضور رئيس النيابة العامة لدى محكمة النقض محمد نايل، وأمانة سر على جود.
الوقائع.. اتهام شخص باختلاس المال العام والتزوير
اتهمت النيابة العامة الطاعن في قضية الجناية رقم 59 لسنة 2020 قسم المنيا الجديدة، والمقيدة بالجدول الكلي برقم 2715 لسنة 2020 جنوب المنيا بأنه قبل يوم 14 من أكتوبر سنة 2020 – بدائرة قسم المنيا الجديدة – محافظة المنيا:
1-بصفته عاملا بإحدى شركات المساهمة شركة “……..” للتجارة والتوزيع اختلس مبلغا ماليا قدرة 355000 جنيها من أموال الشركة آنفة البيان والتي وجدت في حيازته بسبب وظيفته، وذلك على النحو المبين بالتحقيقات.
2-أرتكب تزويرا في محرر لإحدى شركات المساهمة شركة “……..” لأمن ونقل الأموال وكان ذلك عن طريق الاصطناع على غرار الصحيح منها بأن قام بتذيلها بتوقيعات نسبت زورا للمدعو / “على. أ”، مندوب شركة “….” لأمن ونقل الأموال بتلك الجهة ومهرها بأختام مزورة نسبت للجهة سالفة البيان وجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة.
3-استعمل المحرر المزور أنف البيان فيما زور من أجله بأن قدمه لجهة عمله للإحتجاج بصحة ما دون به من بيانات مزوره ولإعمال آثاره على النحو المبين بالتحقيقات.
4-قلد اختامًا لإحدى شركات المساهمة شركة “…..” لأمن ونقل الأموال على غرار الصحيح منه واستعملها بأن مهر بها المحرر المزور سالفة البيان مع علمه بتقليدها، وذلك على النحو المبين بالتحقيقات.
النيابة تحيل المتهم للمحاكمة.. والجنايات تقضى بسجنه 3 سنوات ومصادرة المضبوطات ورد المبلغ المختلس
وفى تلك الأثناء – أحالته النيابة العامة إلى محكمة جنايات المنيا لمعاقبته طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، والمحكمة المذكورة قضت (حضوريا) وعملا بالمادة 32 من قانون العقوبات معاقبته بالسجن لمدة 3 سنوات عما أسند إليه من اتهام ومصادرة المضبوطات والزمت المتهم المصاريف الجنائية ورد المبلغ المختلس، وتم الطعن على الحكم بطريق النقض.
المتهم يطعن على الحكم لإلغائه
حيث إن الطعن قد استوفى الشكل المقرر في القانون، من حيث إن البين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه إذ دان الطاعن بجرائم اختلاس أموال إحدى الشركات المساهمة، والتزوير في محرر رسمي منسوب صدوره لإحدى شركات المساهمة، وتقليد أختام خاصة بها واستعمالها، استنادا إلى المواد 113 مكرر/1، 118، 118 مكررا، 206 مكرر/1، 214 مكررا من قانون العقوبات.
المتهم يلجأ للتصالح مع الدولة لإلغاء الحكم
المحكمة فى حيثيات الحكم قالت: لما كان ذلك، وكان القانون رقم 16 لسنة 2015 بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية الصادر بتاريخ 12 من مارس سنة 2015، نص في المادة الثانية على إضافة المادة 18 مكررا “ب” إلى قانون الإجراءات الجنائية التي تتضمن النص على إنه: “يجوز التصالح في الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات كتالى:
1- ويكون التصالح بموجب تسوية بمعرفة لجنة من الخبراء.
2- يصدر بتشكيلها قرار من رئيس مجلس الوزراء.
3- ويحرر محضر يوقعه أطرافه.
4- ويعرض على مجلس الوزراء لاعتماده.
5- ولا يكون التصالح نافذا إلا بهذا الاعتماد.
6- وبعد اعتماد مجلس الوزراء توثيقا له وبدون رسوم يكون المحضر التصالح في هذه الحالة قوة السند التنفيذي.
7- ويتولى مجلس الوزراء إخطار النائب العام سواء كانت الدعوى ما زالت قيد التحقيق أو المحاكمة، ويترتب عليه انقضاء الدعوى الجنائية عن الواقعة محل التصالح بجميع أوصافها.
8- وفي جميع الأحوال يمتد أثر التصالح إلى جميع المتهمين أو المحكوم عليهم دون المساس بمسئوليتهم التأديبية.
9- ويقدم طلب التصالح من المتهم أو المحكوم عليه أو وكيله الخاص …….”.
صدور قرار إيقاف تنفيذ العقوبة المقضى بها على الطاعن
ووفقا لـ”المحكمة”: لما كان ذلك، وكان البين من الشهادتين المرفقتين بالأوراق والصادرتين من نيابة جنوب المنيا الكلية والمؤرختين في 6 من يوليو سنة 2023، 4 من سبتمبر سنة 2023 صدور قرار إيقاف تنفيذ العقوبة المقضى بها على الطاعن في الجناية محل الطعن من المستشار المحامى العام الأول بناء على خطاب المكتب الفني المؤرخ في 31 من مايو سنة 2023 وإخلاء سبيل الطاعن بتاريخ كان البين من الاطلاع على الشهادات الرسمية – التي تم ضمها بملف الطعن الخبراء المختصة بنظر طلبات التصالح والتسوية في جرائم العدوان على المال العام.
قبول التسوية والتصالح مع الطاعن عن مووضع الدعوى
وتضيف “المحكمة”: و أن اللجنة قررت بجلسة 20 من فبراير سنة 2023 قبول التسوية والتصالح مع الطاعن عن مووضع الدعوى، كما أن البين من الصورة الرسمية التي طلبت المحكمة ضمها من خطاب من مجلس الوزراء للسيد الأستاذ المستشار النائب العام ومذكرة المكتب الفني للأخير أن الطاعن قام بسداد مبلغ محل الجريمة ومبلغا مساويا له وإقرار الجهة المجنى عليها بالتصالح – واعتماد رئاسة مجلس الوزراء لذلك التصالح بجلسته المنعقدة بتاريخ الأول من مارس سنة 2023.
وتشير “المحكمة”: بما مفاده تحقق معنى التصالح مع الجهة المجني عليها، الأمر الذي يكون معه طلب التصالح المقدم من الطاعن قد استوفى كافة الشروط المبينة بنص المادة سالفة البيان، فإنه يتعين والحال كذلك، نقض الحكم المطعون فيه والقضاء بانقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح، ولا يغير من ذلك اتهام الطاعن بالتزوير في محرر رسمي منسوب صدوره لإحدى شركات المساهمة وتقليد أختام خاصة بها واستعمالها إذ إن انقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح في جريمة اختلاس إحدى الشركات المساهمة وهي أساس الواقعة بما ينصرف أثره إلى جميع أوصاف الدعوى المرتبطة بها.
فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه والقضاء بإنقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح.
أسباب صدور قانون بالتصالح
وفى هذا الشأن يقول المحامى بالنقض محمد عبدالصبور، مقيم الطعن، إن المال العام يلعب دورا هاما في حياة الدول والمجتمعات، بفضل دوره في تمكين مرافق الدولة من القيام بواجباتها في إدارة المرافق العامة، وتقديم خدماتها للجمهور، وقد كان المال العام محل استهداف كبير ممن سولت لهم أنفسهم الاعتداء عليه، وقد مكنت الصفة الوظيفية العديد من الأشخاص من الاستيلاء على المال العام.
ويضيف “عبدالصبور” في تصريح لـ”برلماني”: ونظراً لخطورة هذه الجرائم فقد شدد المشرع العقاب على هذه الجرائم، تحقيقا للردع اللازم، وكان الاتجاه السائد على مستوى قانون الإجراءات الجنائية هو عدم التصالح في هذه الجرائم، إلا أن الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مرت بها مصر عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 و 30 يونيو 2014 دفعت للمطالبة المستمرة بمحاسبة مرتكبي جرائم الاعتداء على المال العام، بما يضمن تحقيق العدالة في مواجهة مرتكبي هذه الجرائم من ناحية واسترداد الدولة لمالها العام المسلوب بطائفة من صور الفساد المالي والإداري.
وأوضح “عبدالصبور” ولصعوبة تحقيق هذه الأهداف مجتمعة، قام المشرع بإصدار القانون رقم 16 لسنة 2015 والصادر في 12 مارس 2015 الذي أجاز التصالح الجنائي بين الدولة والمتهم، إذ أجاز بمقتضاه التصالح في جرائم الباب الرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات الخاصة بجرائم الاعتداء على المال العام .
مصدر الخبر | موقع برلماني