حوار من التراث القضائي | المستشارة سالي الصعيدي أول قاضية جنائية تتحدث عن تجربتها في القضاء
نأخذكم اليوم لنعود بكم إلى الماضي لــ نبحث بين ثنايا الصحف عن أهم الاحداث في تاريخ القضاء المصري و العربي و نسترجع سوياً لحظات عاصرها البعض منا ، تلك الاحداث التي ستبقى خالدة في ذاكرة التاريخ ،
المستشارة “سالي الصعيدي” أول قاضية جنائية دخلت المحاكم الجنائية بمصر ، اختارت الجنائي عن اقتناع مؤكدة أنه الأقرب إلي فكرها ووجدانها ..تشير إلى أن نسبة المرأة للرجل في الإجرام قليلة ولكن إذا قررت أن تصبح مجرمة تكون من المجرمين العتاة في الإجرام ..تري أن الجهل هو المرض الحقيقي الذي يمثل خطورة علي المرأة وأن هؤلاء النسوة غير المتعلمات يحتجن لمساعدة حقيقية للنهوض بهن.
تؤكد المستشارة على ثقة رجل الشارع العادي في نزاهة القضاء مهما كانت المحاولات للنيل من هذه الثقة ..حاورتها حواء وسط لغط وأقاويل هنا وهناك حول مساندة النظام القديم لدخول المرأة مجال القضاء بدون وجه حق بل وحول نزاهة المصري بشكل عام
بداية المشهد..المستشارة “سالي الصعيدي” ضمن كثيرات متقدمات لمنصب القاضية لتنطبق الشروط علي مائة وسبعين ..يدخلن الإمتحان لينجح بالفعل اثنتي وأربعين قاضية يدخلن المحاكم عام 2007 لتكون هي واحدة منهن ..تحدثت عن تجربتها خلال السنوات السابقة كقاضية..وممارستها في البداية لكل التخصصات “الأسرة والمدني والجنائى والتجاري” لتختار هي الجنائي عن اقتناع وتحصل علي الماجستير في ذات الفرع ..
كان سؤالي الأول لها عن سبب اختيارها للقضاء الجنائي تحديدا رغم أنه مجال صعب يرجع حكم القاضي به لقناعته وهذا يحمله عبئا نفسيا كبيرا ؟
– فأكدت أن القضاء الجنائي صعوبته ترجع إلى أنه قضاء عقيدة وليس ورق فيتم قراءة ورق الإدانه وأدلة الثبوت وأدلة النفي ويختار القاضي ما يرتاح له ضميره وقلبه وما يشعره أن هذا الرجل مدان وهذا في غاية الصعوبة .
واخترت هذا المجال لأن والدي ظابط شرطة وأعيش هذا الجو منذ طفولتي وأطراف العملية كلها أمامي ظابط الشرطة ثم النيابة ثم القضاء فلم أكن بعيدة عن هذا الجو ولأنني قررت أن أعمل فكان لابد أن أمارس ما أحب وما أشعر أنني قادرة علي النجاح به .
حققتِ وأخريات نجاحا ملموسا أثناء عملكن بالنيابة الإدارية ثم بالقضاء ورغم ذلك هناك من يشكك في قدرات المرأة كقاضية وأنها لاتصلح لهذا العمل وأنها وصلت لذلك من خلال مساندة بعض الأشخاص في النظام القديم ؟
– نحن في مرحلة التشكيك وهذه الأقاويل بعيدة كل البعد عن الموضوعية لأن لدينا قاضيات في المحاكم الاقتصادية ومحاكم الأسرة وهناك قاضيات في التفتيش القضائي وأخريات في محكمة النقض ..إذن المرأة التي اعتلت كل هذه المناصب في القضاء في المحاكم الدستورية يجب أن تكون علي قدر من الكفاءة وإلا كان المجتمع الذكوري من القضاة سيرفضها .
ثم إذا شككنا في القاضيات إذن المجتمع الذكوري الذي أعطي لنا كقاضيات الفرصة للتقدم والتطور نشكك فيه أيضا .
هل لصعوبة أخذ إجراء أمام هؤلاء الأطفال المجرمين له علاقة بتردي المؤسسات العقابية لدينا ؟
– تنفيذ الأحكام علي الأطفال المذنبين يلغي أية فرصة للإصلاح ومعنى هذا أنه ضاع وأنه كما تقولين سيدخل مؤسسة عقابية لا يوجد بها اهتمام بالطفل المنحرف!!والكارثة لو دخل الطفل بجريمة انترنت وعاش مع مجرم قد يخرج وهو مجرم مخدرات.
كيف يتم الاهتمام بتلك المؤسسات العقابية ” الإصلاحيات ” من وجهة نظرك ؟
– للأسف لاتوجد لدينا مؤسسات عقابية مناسبة وعلينا أن نهتم بالطفل المنحرف الذي يعاد تأهيله من أجل أن يصبح إنسانا قويا هذا لن يحدث فقط بالقانون..فلدينا قانون الطفل المعدل ومعاهدات دولية واتفاقيات لحماية الطفل..ولكن السؤال المهم عندما يخطأ الطفل ويعاقب أين ستتم معاقبته وكيف ؟
المرأة كمجرمة .. ما ملامح وتفاصيل شخصيتها ؟
– علي ضوء الجنح التي مارستها في البداية جرائم المرأة أغلبها مشكلات مالية.. شيكات..إصابة خطأ..أشياء بسيطة ..إنما علي الجانب الآخر هناك سيدات بهن شراسة غريبة تصل لدرجة من الجريمة لا يمكن تصديقها .. أيضا هناك نساء مجرمات يحاولن الخداع بهيأتهن ولا يخطر بالبال أبدا أنهن مجرمات ،وإنما الرجل المجرم في الغالب ملامحه قاسية تعبر عنه .
أغرب قضية
ما الدوافع التي تدفع المرأة للإجرام وما أغرب قضية لامرأة قمتِ بالحكم فيها ؟
– الدوافع .. البيئة والاستعداد النفسي غير السوي والجهل كل هذا يؤثر علي المرأة وأحيانا يكون هذا نتيجة قهر ومعاملة سيئة من الأسرة والزوج فتتعرض المرأة لظروف غير عادية تدفعها للإجرام، ولكن هذا لا يمنع أن هناك نساءً يكن مجرمات بطبعهن
أما أغرب قضية لسيدة كانت تطفأ السجائر في جسد ابنها لتتسول به وعندما مات ألقت به أمام إحدي الشقق واعتقد أن حتي الاحتياج المادي لاينزع الرحمة هكذا من قلب أم .
ولكن أحيانا تُستخدم المرأة كأداة ويتم الضغط عليها لممارسة الجريمة من قبل الرجل ؟
– فعلا أحيانا ينصب الرجل ويضع زوجته في الصورة ..فقد حكمت في قضية نصب لرجل وزوجته دخلا معرض سيارات وتطلب هي السيارة للإيجار ليأخذها الزوج ويبيعها وهذه المرأة كانت حاملا وكانت من أصعب القضايا عليّ.
وهناك قضية لرجل كان يزور النقود ويستخدم زوجته لترويجها في شراء الخضراوات والأكل عن طريق هذه النقود المزورة ..هذا لايمنع أن هناك نسبة من السيدات مثلها مثل الرجل لديها حب المال وحب المتعة.
ما رصدك لتجارب الانتخابات التي أشرفتى عليها وخصوصا في تعاملاتك مع المرأة؟
– في انتخابات مجلس الشعب المنحل عرفت معني امرأة غير متعلمة تدخل لإعطاء صوتها فتعاني أشد المعاناة فما بالك في ممارستها لحياتها العادية ؟عرفت الكم الرهيب لدينا بمصر من غير المتعلمين سواء من الرجال أو النساء والكثير كان لا يعلم بوجود قاضيات لأننا قلة .
أثناء تلك الانتخابات كنت أظهر الكارنيه وقد نزلت الزاوية الحمراء والمطرية وبولاق وبلد اسمها سرياقوس , وأعتقد أنه حتي الرجل غير المتعلم نتيجة للخبرات والاحتكاكات والخروج للعمل يكون أكثر وعيا أما المرأة غير المتعلمة تأتي للإنتخابات في الغالب وهي لا تعي ماتفعله .أو من تختار.
هذا القطاع من النساء يحتاج لمساعدة مادية ومعنوية وثقافية وفكرية ويحتاج لمجهود جبار.
النَيل من هيبة القضاء كيف ترينه ؟
– من يريد أن يهدم أو ينال من هيبة القضاء نسبتهم قليلة ومحدودة وهناك تناقض بين طلب إشراف القضاء ومهاجمته والرجل العادي الذي يذهب للمحكمة أو للجنة الانتخابات ولايثق إلا في القضاء .
داخل الحرم القضائي كيف يتم التعامل مع القاضيات ؟
– في بداية عملنا كان هناك استنكار للقاضية المرأة عندما تحضر في الجنح مع من تم وضعهم في الكلبشات ويخرج المجرم من المحكمة للسجن ..فقد كان هناك نوع من التحفظ ولكن سريعا مايُزال عندما يجدنا من حولنا أننا نتصرف كرجال وننسي تماما أننا نساء ..فحينما أجلس كقاضية وألبس ثوب القضاء أطبق العدالة ولا يوجد مجال لأحاسيس المرأة .ثم أنني أتعامل مع الله فنحن لن نخلد .
بالطبع كان هناك رفض من بعض الرجال القضاة لكنه اختفي بعد التعامل معنا ولقد ظهر هذا بوضوح بعد الثورة بنسبة عالية ..وعلى المستوي الآخر هناك العديد من الزملاء تقييمهم موضوعي جدا والكثير منهم لهم عليّ أفضال وأعطوني دفعات للأمام والمرأة تستطيع بعملها واجتهادها أن تجبر الجميع علي احترامها وتقديرها.
دعوات هنا وهناك بعد الثورة ورغبات دفينة لعودة المرأة للمنزل لتفسح الطريق للشباب الذي يعاني البطالة ..ما رأى سيادتكم؟
– أعتقد أنه لو حدث شيء سلبي سندافع عن حقوقنا وما حققناه من مكتسبات ونجاحات في المجالات المختلفة .وأعتقد أننا لن نرجع للوراء ولا يصح أن أثور علي الفساد ثم أعترض علي التقدم والمكتسبات التي حققتها المرأة .ثم أن المرأة في كل العالم العربي في تقدم حتي في السعودية أكثر الدول تشددا
نشر هذا الحوار بمجلة حواء بتاريخ 27 يناير 2013 أجرت الحوار الأستاذة : إيمان الدربي