التوثيق الرقمي للعقود والمحررات .. نافذة على العالم بقلم الدكتور/ أحمد عبد الظاهر
في يوم الأحد الموافق الثالث من يناير الماضي، بدأت دائرة القضاء في إمارة أبو ظبي تطبيق نظام المصادقة الرقمية لمعاملات الكاتب العدل والتوثيق، وبحيث يتم تصديق أو توثيق المعاملة رقمياً بدلاً من نظام التصديق أو التوثيق اليدوي الذي كان مطبقاً من قبل.
ويوفر نظام المصادقة الرقمية للمعاملات العديد من أوجه الحماية للمعاملة، نظراً لأن هذا النظام متوائم مع منظومة الهوية الرقمية (UAE Pass)، فضلاً عن وجود رمز (QR) للتحقق من حالة معاملة الكاتب العدل وصحة الوثيقة ورمز باركود يحوي رقم المعاملة. ولا نغالي إذا قلنا بأن هذه هي التجربة الأولى من نوعها على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الأمر الذي نرى معه من الواجب الإشادة بهذا التطور وبهذا الإجراء غير المسبوق.
وفي اليوم ذاته، أي في الثالث من يناير 2021م، أطلقت شركة «جست تشين» (Just Chain)، الناشئة التي تتخذ من دولة الإمارات مقراً لها، وتُعنى بتطبيق الحلول القائمة على تقنية «بلوك تشين» في مجالات العدالة والسلامة العامة، منصة «نوتاري تشين» (NotaryChain)، والتي تعد أول منصة في العالم تقوم على تقنية «بلوك تشين» لتوفير خدمات الكاتب العدل. وتتيح المنصة تصديق المستندات القانونية بأسلوب رقمي وآمن، وتقليص المدة الزمنية والتكاليف لكاتب العدل العام والعملاء.
وتتمتع «نوتاري تشين» القائمة على منصة «بلوك تشين» من الفئة المؤسساتية، بأعلى مستويات الراحة والسرعة والأمان ومقاومة التزوير والعبث، إضافة إلى التحقق الفوري من المستندات المصدّقة مثل التوكيلات، وعقود التأسيس، والعقود، وشهادات الزواج وغيرها.
وتوفّر المنصة السحابية وكحّل تقني فعلي مجموعة واسعة من المزايا المتقدمة ومنها تسجيل الدخول لمرّة واحدة باستخدام الهوية الرقمية (UAE Pass)، والتواقيع الرقمية، والختم الإلكتروني، والتحقق المدمج من الهوية الإماراتية باستخدام الذكاء الاصطناعي، والتحقق الفوري من المستندات المصدقة باستخدام رمز الاستجابة السريع (QR Code)، والنماذج المدمجة للمستندات المصدقة والكثير غير ذلك.
وتجدر الإشارة إلى أن التفكير في استخدام تقنيات التعاملات الرقمية في معاملات الكاتب العدل والتوثيق قد بدأ مع تفشي جائحة كورونا، وللتعامل مع تداعيات هذه الجائحة وما اقتضته من تبني نهج التباعد الجسدي والاجتماعي كأحد التدابير الموصى بها من قبل منظمة الصحة العالمية للتعامل مع الجائحة وتفادي انتشار العدوى.
ولكن، ورغم أن الظروف قد اقتضت استخدام تقنيات التعاملات الالكترونية والحضور عن بعد بدلاً عن الحضور الشخصي أمام الكاتب العدل، فإن البعض قد ارتأى عدم جواز اللجوء إلى هذه الطريقة في إجراء المعاملات والتوثيقات، مستنداً في ذلك إلى المادة الخامسة عشرة من القانون الاتحادي رقم (4) لسنة 2013 بشأن تنظيم مهنة الكاتب العدل، بنصها على أن «يجب على ذوي العلاقة أو وكلائهم أن يحضروا أمام الكاتب العدل بأنفسهم».
فقد ارتأى البعض أن المقصود بهذا الحكم هو وجوب حضور ذوي العلاقة أو وكلائهم «بأجسادهم»، فلا يكفي مجرد الحضور عن بعد. فقد فسر البعض المراد بلفظ «بأنفسهم» على أن المقصود به هو الحضور «بأجسادهم».
وعلى كل حال، وأياً كان وجه الرأي في هذا الشأن، وللتغلب على هذه العقبة التشريعية، ولإزالة أي لبس أو غموض قد يثور في أذهان القائمين على تطبيق القانون، فقد استدعى الأمر إصدار قرار مجلس الوزراء رقم (18) لسنة 2020 بمنح ترخيص مؤقت لمشروع استخدام تقنيات التعاملات الرقمية في أعمال الكاتب العدل.
والسند القانوني لهذا القرار يكمن في المرسوم بقانون اتحادي رقم (25) لسنة 2018 بشأن المشروعات ذات الصفة المستقبلية. وتحدد المادة الأولى من قرار مجلس الوزراء المشار إليه الهدف منه، بنصها على أن «يهدف هذا القرار إلى استخدام تقنية التعاملات الرقمية وما يتصل بها من أعمال أو إجراءات كالاتصال عن بعد أو التوقيع الالكتروني، وغير ذلك بشأن جميع الإجراءات التي يمارسها الكاتب العدل، دون اشتراط الحضور الشخصي لأطراف العلاقة أو وكلاءهم أمام الكاتب العدل لإجراء المعاملة، وذلك من خلال ما يأتي:
1- استخدام تقنيات التعاملات الرقمية بشأن جميع الإجراءات التي يمارسها الكاتب العدل.
2- تحقيق أحكام استيفاء الرسوم وتقديم المعاملة والحضور والتوقيع وغير ذلك من الإجراءات من خلال التقنيات الالكترونية.
3- جواز استخدام التقنيات الالكترونية دون التقيد بالتواجد المكاني للكاتب العدل على أن يكون ذلك وفقاً لنطاق اختصاصه».
واتساقاً مع ذلك، ولتحقيق الأهداف سالفة الذكر، تؤكد المادة الرابعة من القرار شرعية استخدام وسائل تقنيات التعاملات الرقمية، بنصها على أن «تتحقق أحكام تقديم المحررات والتحقق من الهوية والقيد والحضور والتوقيع واستيفاء الرسوم والإعلان المنصوص عليها في هذا القرار، إذا تمت كلياً أو جزئياً من خلال تقنية التعاملات الرقمية».
ويمتد نطاق تطبيق القرار إلى جميع المعاملات التي يجريها الكاتب العدل على المستويين الاتحادي والمحلي (المادة الثانية من القرار).
ولما كان القرار ينطبق على المستويين الاتحادي والمحلي، ونظراً لحداثة التجربة بما يقتضي وضع الضوابط اللازمة لها، لذا تخول المادة الثامنة من القرار لوزير العدل أو لرئيس دائرة القضاء المختص أو من يفوضه إصدار القرارات التنظيمية بشأن استخدام تقنية التعاملات الرقمية.
وبناء على هذا التفويض التشريعي، وفي إمارة أبو ظبي، صدر قرار رئيس دائرة القضاء رقم (27) لسنة 2020 بشأن ضوابط استخدام تقنيات التعاملات الرقمية في أعمال الكاتب العدل، والذي يجيز توثيق العقود والمحررات عن بعد باستخدام تقنيات التعاملات الرقمية، كما يجيز توجيه اليمين وتوثيق المحررات المشفوعة بيمين عن بعد، ويجيز أيضاً التوقيع والتصديق عن بعد.
وكما هو واضح من عنوانه، فإن قرار مجلس الوزراء رقم (18) لسنة 2020 يتضمن منح ترخيص «مؤقت» لمشروع استخدام تقنيات التعاملات الرقمية في أعمال الكاتب العدل. فهذا الترخيص مؤقت بمدة محددة، وليس ترخيصاً دائماً، ولذلك حددت المادة التاسعة من القرار مدة سريانه بستة أشهر فقط تبدأ منذ تاريخ صدوره في الحادي والثلاثين من مارس 2020م.
ويعني ذلك أن مدة سريان القرار انتهت في الثلاثين من سبتمبر 2020م. وتبدو فائدة مثل هذه القرارات في النظر في المشروعات المستحدثة أو المشروعات ذات الصفة المستقبلية على حد تعبير المشرع، وإتاحة الفرصة لتطبيق مثل هذه المشروعات الجديدة على أرض الواقع. فإذا ثبت نجاحها، وبناء على نتائج التطبيق، يمكن إجراء التعديلات التشريعية اللازمة لتطبيقها بشكل دائم غير مؤقت بمدة معينة.
وهكذا، وبالنظر لنجاح تجربة الكاتب العدل الرقمي، وفي السابع والعشرين من سبتمبر 2020م، وبموجب المرسوم بقانون اتحادي رقم (13) لسنة 2020 بتعديل يعض أحكام القانون الاتحادي رقم (4) لسنة 2013 بشأن تنظيم مهنة الكاتب العدل، تم إضافة فصل ثالث مكرر بعنوان (استخدام وسائل تقنية المعلومات)، متضمناً ست مواد مستحدثة، تحمل أرقام 15 مكرراً (1) إلى 15 مكرراً (6).
وتجيز هذه المواد المستحدثة استخدام وسائل تقنية المعلومات في كافة معاملات الكاتب العدل، مع التأكيد على أن أحكام تقديم المحررات والتحقق من الهوية والقيد والحضور والتوقيع واستيفاء الرسوم والإعلان المنصوص عليها في هذا القانون تتحقق، إذا تمت كلياً أو جزئياً من خلال وسائل تقنية المعلومات.
من ناحية أخرى، وفيما يتعلق بالتصرفات العقارية، وفي الثامن عشر من مايو 2020م، أصدر وكيل دائرة البلديات والنقل في إمارة أبو ظبي القرار الإداري رقم (50) لسنة 2020 بشأن استخدام تقنية الاتصال المرئي في التصديق على التوقيعات على التصرفات العقارية.
وطبقاً للمادة الأولى من هذا القرار، «يسمح باستخدام تقنية الاتصال المرئي المباشر للتصديق على توقيعات الأطراف في العقود والطلبات ذات العلاقة بالتصرفات العقارية المطلوب تسجيلها لدى البلديات».
وتحدد المادة الثانية من القرار ذاته التزامات الموثق في حالة استخدام تقنية الاتصال المرئي المباشر للتصديق على التصرفات العقارية، بنصها على أنه «بالإضافة إلى الشروط الواردة بالمادة (10) من اللائحة التنفيذية للقانون رقم (3) لسنة 2005 في شأن تنظيم التسجيل العقاري بإمارة أبو ظبي المشار إليها، يلتزم الموثق بالآتي:
1- استخدام البرامج والأنظمة الالكترونية الخاصة بالاتصال المرئي المباشر المعتمدة في البلدية المعنية حصراً دون غيرها.
2- إبلاغ المتعاقدين بوجوب تسجيل المعاملة عبر الاتصال المرئي والحصول على موافقتهم في هذا الشأن قبل البدء بالتسجيل.
3- التحقق من شخصية المتعاقدين وفق الاشتراطات القانونية لإتمام المعاملات والطلب منهم التوقيع على العقد أو الطلب أمام الموثق عن بعد من خلال الاتصال المرئي المباشر، والتصديق على توقيعاتهم.
4- حفظ تسجيلات المعاملات عبر الاتصال المرئي بالتنسيق مع الإدارة المختصة بتقنية المعلومات في البلدية المعنية.
5- إدراج عقد البيع والشراء أو عقود التصرفات الأخرى الموقعة من أطرافها.
6- في حال وجود اختلاف بين النسخ المحفوظة لدى أطراف العقد أو الطلب أو النسخة المحفوظة لدى الدائرة يعتد بالنسخة المحفوظة بالبرنامج الالكتروني المعتمد في الدائرة».
وكما هو واضح، فإن هذا القرار ينظم فقط استخدام تقنية الاتصال المرئي في التصديق على التوقيعات الواردة على التصرفات العقارية، دون أن يتطرق إلى مسألة المصادقة الرقمية لهذه التصرفات، بما مؤداه أن تتم المصادقة بالطريقة العادية في التصديق.
وفي الختام، أي من الواجب الإشارة إلى أن هذه المرحلة من التطور قد تفتح الباب في المستقبل القريب نحو ظهور الكاتب العدل الذكي والموثق الذكي والتسجيل العقاري الذكي، وبحيث يمكن الاستعانة بالروبوت أو الإنسان الآلي في توثيق العقود والمحررات. والله من وراء القصد…
مصدر الخبر | موقع نقابة المحامين