الزوجات المتضررات.. هل من حق الزوجة طلب الطلاق لـ”العنة”؟
الزوجات المتضررات.. هل من حق الزوجة طلب الطلاق لـ"العنة"؟
شهدت محاكم الأحوال الشخصية – محاكم الأسرة – إقامة بعض الزوجات دعاوى ضد أزواجهن، مطالبين فيها بطلاقهن للضرر – الطلاق بسبب العنة – والمطالبة بحقوقهن الشرعية المترتبة على عقد النكاح كنفقة العدة والمتعة ومؤخر الصداق، وكذلك الحصول على نفقة حضانة الصغار المترتب عليها النفقات الخاصة بهم، و”أجرة حاضنة” للأمهات، بالإضافة لتوفير مسكن ومواصلات وخادمة ورسوم الدراسة.
والطلاق للعنة.. من الموضوعات الهامة التي تشغل بال الكثيرين في الشارع المصري، بداية من غرابة المفهوم حتى علاقته بقانون الأحوال الشخصية، ومعنى “العنة” في حقيقة الأمر هي عدم مقدرة الرجل على معاشرة زوجته من الناحية الجنسية، وقد نص القانون رقم 25 لسنة 1929 في مادته “9” على أن: “للزوجة أن تطلب التفريق بينها وبين زوجها إذا وجدت به عيبا مستحكما لا يمكن البرء منه أو يمكن البرء منه بعد زمن طويل ولا يمكنها المقام معه إلا بضرر كالجنون والجزم والبرص…الخ ومن بينها مرض العنة”.
هل من حق الزوجة طلب “الطلاق للعنة”؟
في التقرير التالي، يلقى “برلمانى” الضوء على إشكالية في غاية الأهمية، تتعلق بمسألة “الطلاق للعنة” كأحد أسباب الطلاق للضرر، وذلك من حيث التعريف والشروط وصحة رفع الدعوى وأسبابها والآثار المترتبة عليه، وهل يحق للزوج في حالة اكتشافه أن زوجته بها عيب مستحكم يصعب معه الاستمرار في علاقاتهم الزوجية، سواء كان ذلك قبل زواجهما وهو ما يعنى أن الزوجة خدعت الزوج بالغش والتدليس، أو بعد الزواج؟ وهل يحق للزوج فسخ عقد زواجه لوجود عيب مستحكم بالزوجة استنادًا إلى ما قامت به الأخيرة من غش وتدليس؟ ورأى محكمة النقض في الأزمة، وذلك في الوقت الذي أجاز فيه القانون للزوجة أن تطلب التفريق بينها وبين زوجها إذا وجدت به عيبا مستحكما لا يمكن البرء منه – بحسب الخبير القانوني والمحامي بالنقض أحمد عبد القادر.
تعريف الطلاق لـ”العنة”
في البداية – يجب تعريف العنة بأنها عجز من الناحية الجنسية للرجل يصعب معه إتمام العلاقة الجنسية وهو من عيوب الرجل الموجبة للطلاق، وفي الغالب يكون عيب خلقي ووصفه عجز جنسي وليس ضعفا، ومن موجبات الطلاق، حيث إن الذي لا يقدر على الوطء لعدم انتصاب الذكر يسمى “عنينا”، والعنة لا تثبت بمجرد ادعاء الزوجة، ولا يمكن الحكم على الزوج بأنه عنين بمجرد أنه لم يطأ في المدة المشار إليها، لأن عجزه عن الوطء قد يكون لمرض عارض لا عن عنته، والعنة تثبت بإقرار الزوج أو ببينة على إقراره أو نكوله عن اليمين عند القاضي، وإذا تبين أن العنة لم تثبت على الزوج المشار إليه بعد وكان قد طلقها، فإنه يكون لامرأته ما للمرأة المطلقة المدخول بها من العدة والمهر كاملا والنفقة زمن العدة – وفقا لـ”عبد القادر”.
وأجمع الفقهاء الأربعة على صحة التفريق بين الزوجين للعيوب، لكن ذهب الأحناف إلى أن التفريق للعيب حقاً للمرأة وحدها إذا ما وجدت عيوباً في الرجل؛ وهي: الجبّ والعنّة والخصاء، وذلك بشرط ألا يكون الزوج قد وصل للزوجة ولو لمرة واحدة في العمر، وألا تكون الزوجة عالمة بالعيب وقت الزواج، وألا ترضى بالعيب بعد علمها به، وألا يكون بالزوجة عيب مانع من الاتصال الجنسي، بينما ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن التفريق للعيب حق ممنوح لكلا الزوجين لو توافرت عيوب خاصة، لكنهم اختلفوا فيما بينهم حول عدد تلك العيوب.
الآثار المترتبة على الطلاق للعنة
إذا ثبتت عنته بالإقرار بها أو بالبيّنة على إقراره فإنه يترتب على طلاقه ما يلي:
أولا: العدة في قول جمهور أهل العلم خلافا للشافعية، جاء في الموسوعة الفقهية: تُجب على زوجة العنين العدة عند الحنفية والحنابلة كما تُجب عند المالكية احتياطا، ولا يملك الزوج الرجعة في العدة أو بعدها، أما عند الشافعية فليس عليها عدة ما دام لم يصيبها.
ثانيا: المهر المسمى كاملا، وقيل لها مهر المثل، وهذا عند الحنفية والحنابلة، وأما عند المالكية فلها نصف المهر إذا طلقها قبل السنة، ولها نصف المهر عند الشافعية مطلقا.
وجاء في الموسوعة الفقهية: زوجة العنين لها جميع المهر عند الحنفية، وعند الحنابلة لها المهر المسمى على الصحيح من المذهب، ونُقل عن أحمد أن لها مهر المثل، والخلوة من العنين كالخلوة من أي زوج تُوجب عندهم المهر، أما المالكية فالمشهور عندهم أن لها أيضا الصداق كاملا بعد انتهاء السنة، أما إذا طلق قبل انتهاء السنة فللزوجة نصف المهر، وتعوض المتلذذ بها زيادة على ذلك بالاجتهاد، وقال الشافعى: ليس للمرأة إن استمتع بها زوجها إذا قالت: لم يُصبني ليس لها إلا نصف المهر.
ثالثا: الفرقة في العنة فسخ وليست طلاقا في قول الحنابلة والشافعية، وطلاق عند الحنفية والمالكية إلا أنه طلاق بائن عندهما لا يملك الزوج الرجعة فيه.
رابعا: لا نفقة لها زمن العدة ما دام فراقها فراق بائن، قال المرداوي الحنبلي في الإنصاف: وأما البائن بفسخ أو طلاق فإن كانت حاملا فلها النفقة والسكنى وإلا فلا شيء لها.
حدد المشرع شروط يجب توافرها للمطالبة للطلاق للعنة
هذا وقد نص القانون رقم 25 لسنة 1929 في مادته 9 من الباب الثالث على أن للزوجة أن تطلب التفريق بينها وبين زوجها إذا وجدت به عيبا مستحكما لا يمكن البرء منه أو يمكن البرء منه بعد زمن طويل ولا يمكنها المقام معه إلا بضرر كالجنون والجزم والبرص.. إلخ”.
وبالتالي فقد حدد المشرع شروط يجب توافرها للمطالبة للطلاق للعنة وهي كالاتي:
1- أن يكون الزوج مصابا بعيب مستحكم لا براء منه أو أن يكون البراء منه يحتاج وقتا طويلا.
2- أن تصاب الزوجة بضرر بالغ من جراء عدم مواقعة الزوج عليها.
3- ألا تعلم الزوجة بهذا العيب قبل الزواج وألا ترضى به بعد معرفته بهذا العيب فإن علمت الزوجة بهذا العيب ورضيت بالحياة فليس لها أن تطلب الطلاق لهذا السبب.
4- ألا تكون قد رضيت بالعيب بعد أن علمته بعد الزواج، سواء كان الرضاء صراحةً أو ضمناً.
مفاد نص المادتين 9 ،11 من القانون 25 لسنة 1920
مفاد نص المادتين 9 ،11 من القانون 25 لسنة 1920 بشأن أحكام النفقة وبعض مسائل الأحوال الشخصية وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة أن المشرع جعل للزوجة حق طلب التفريق من الزوج إن ثبت به عيب مستحكم لا يمكن البرء منه أصلاً أو يمكن البرء منه بعد زمن طويل بحيث لا يتسنى لها الإقامة معه إلا بضرر شديد وأنه توسع فى العيوب المبيحة للفرقة فلم يذكرها على سبيل الحصر مخولاً الاستعانة بأهل الخبرة لبيان مدى استحكام المرض ومدى الضرر الناجم عن الإقامة مع وجوده كل ذلك شريطة ألا تكون الزوجة قد رضيت بالزوج مع علمها بعيبه صراحة أو دلالة.
ولما كانت المذكرة الإيضاحية للقانون، قد أوضحت أن التفريق للعيب في الرجل قسمان قسم كان معمولاً به بمقتضى مذهب الإمام أبى حنيفة وهو التفريق للعيوب التي تتصل بقربان الرجل لأهله وهى عيوب العنة والخصاء وباق الحكم فيه وِفْقَهُ وقسم جاء به القانون وزاده على ما كان معمولاً به وهو التفريق لكل عيب مستحكم لا تعيش الزوجة معه إلا بضرر وكان ما نصت عليه المادة 11 سالفة الذكر من الاستعانة بأهل الخبرة من الأطباء يقصد به تعرف العيب وما إذا كان متحققاً فيه الأوصاف التي أشارت إليها ومدى الضرر المتوقع من المرض وإمكان البرء منه والمدة التي يتسنى فيها ذلك وما إذا كان مسوغاً لطلب التطليق أولا.
كيفية رفع دعوى طلاق للعنة:
1-تتقدم الزوجة أولا بطلب إلى لجنة فض المنازعات الأسرية.
2- ثم إقامة الدعوى أمام المحكمة وتقدم وثيقة الزواج وتدعم اوراقها ببعض المستندات “شهادات طبية تدل على أن الزوجة ما زالت بكرا حتى تاريخه وشهادات طبية تدل على عدم مقدرة الزوج على معاشرة زوجته”- إن وجدت.
3- ثم تطلب إحالة الدعوى للطب الشرعي، فقد نصت المادة 11 من الباب الثالث من القانون رقم 25 لسنة 1929 على أن يجب عرض القضية على المختصين للوقوف على طلب الطلاق.
4- ثم بعد ذلك تقدم النيابة مذكرتها في الموضوع وإذا ثبت طلبات الزوجة قضت لها المحكمة بتطليقها طلقة بائنة.
السؤال بالعكس.. هل يحق للزوج فسخ عقد زواجه لوجود عيب مستحكم بالزوجة؟
وفى هذه الحالة الزوج في حالة اكتشافه أن زوجته بها عيب مستحكم يصعب معه الاستمرار في علاقاتهم الزوجية، سواء كان ذلك قبل زواجهما وهو ما يعنى أن الزوجة خدعت الزوج بالغش والتدليس، أو بعد الزواج؟ وهل يحق للزوج فسخ عقد زواجه لوجود عيب مستحكم بالزوجة استنادًا إلى ما قامت به الأخيرة من غش وتدليس؟ فإنه طبقًا لما نصت عليه المادة الثالثة من قانون الأحوال الشخصية رقم 1 لسنة 2000، تصدر الأحكام طِبقًا لقوانين الأحوال الشخصية والوقف المعمول بها ويعمل فيما لم يرد فى شأنه نَصٌّ فى تلك القوانين بأرجح الأقوال من مذهب الإمام أبى حنيفة.
والمذهب الحنفي اتجه لإعطاء الزوجة حق طلب التفريق إذا وجدت بزوجها عيبًا مستحكمًا تتضرر منه ولا يمكن البرء منه أو يمكن بعد زمن طويل وسواء أكان ذلك العيب موجودًا بالزوج قبل العقد ولم تعلم به عند إنشائه أم حدث بعد العقد ولم ترض به، أما بالنسبة للزوج فإنَّه لم يعطه الحق فى طلب التفريق بسبب العيب الموجود بالزوجة مطلقًا حتى ولو كان العيب مستحكمًا ويمنع مقصود العقد وحتى لو شرط الزوج فى العقد عدم وجود العيب بالزوجة ثم اكتشف وجوده بعد النكاح، وعلى ذلك أخذ قانون الأحوال الشخصية بهذا الرأي طبقا لما قررته المادة التاسعة من القانون حيث نَظَّمت حق الزوجة فى طلب الفرقة لعيبٍ فى الزوج، والتالي نصها:
“للزوجة ان تطلب التفريق بينها وبين زوجها إذا وجدت به عيبًا مستحكمًا تتضرر منه لا يمكن البرء منه أو يمكن بعد زمن طويل ولا يمكنها المقام معه إلا بضرر كالجنون أو الجذام أو البرص سواء كان ذلك العيب موجودًا بالزوج قبل العقد ولم تعلم به أم حدث بعد العقد ولم ترضى به”.
المشرع أجاز للزوج الطلاق للضرر وليس للعيب المستحكم
فى المقابل لم يضع القانون أى نَصٍّ يتعلق بخصوص أحقية الزوج فى طلب فَسخ عقد الزواج لعيبٍ فى الزوجة، ولذلك سارت أحكام محكمة النقض على هذا المنوال فقررت بأنه: المُقَرَّر شرعًا أنَّ الزوج ليس له خيار الفَسخ إذا وجد فى امرأته عيبًا ما لأنه يَقدر أن يدفع الضرر عن نفسه بالطلاق، وهذا يعنى أن الرجل لا يجوز له طلب فسخ عقد زواجه أو على الأقل أن يطلب إبطاله إذا وجد عيبًا بالمرأة استنادًا على أساس ما قامت به زوجته من غش وتدليس وإخفاء ذلك العيب لبعد الدخول، وبرر الأحناف ذلك بأنَّ الزوج متمكنٌ مِن رفع هذا الضرر بالطلاق بخلاف المرأة التى لا يمكنها التطليق لوجود عيب بزوجها إلَّا عن طريق رفع أمرها إلى القضاء، وذلك بعد أن تثبت ذلك العيب.
رأى محكمة النقض في الأزمة
كما قررت محكمة النقض بأن تقدير وجود العيب المستحكم بالزوج الذي لا يرجى زواله أو لا يمكن البرء منه إلا بعد زمن طويل ويحول دون مباشرة العلاقة الزوجية، بما تتضرر منه الزوجة هو ما يدخل في سلطة محكمة الموضوع دون رقابة عليها من محكمة النقض متى كان قضاؤها يقوم على أسباب سائغة – الأمر الذي معه متى تحقق الشروط السابقة فإنه يحق للزوجة المطالبة بالطلاق لعيب العنة ويعد الطلاق في هذه الحالة طلاقا بائنا حيث نصت المادة 5 من القانون 25 لسنة 1929 على أن الطلاق يكون راجعيا إلا الطلاق قبل الدخول والطلاق على مال “الخلع والابراء” وما نص على أن يكون بائنا.
رأى أخر لمحكمة النقض
محكمة النقض المصرية، قد سبق لها وأن تصدت لهذا الأمر، المتمثل فى الإجابة على السؤال هل من حق الزوجة طلب التفريق من الزوج للعيب المستحكم، وذلك فى الطعن رقم 353 لسنة 72 جلسة 25 أكتوبر 2003 الذى قالت فيه: “من حق الزوجة فى طلب التفريق للعيب المستحكم، وشرطه، أن يكون العيب لا يمكن البرء منه أو يمكن بعد زمن طويل لا يتسنى للزوجة الإقامة معه إلا بضرر شديد، وألا تكون قد رضيت بالزوج مع علمها بعيبه صراحة أو دلالة”، والعيوب المبيحة للتفريق هي العنة والخصاء وكل عيب لا تعيش الزوجة معه إلا بضرر، وذلك مع جواز الاستعانة بأهل الخبرة لبيان مدى استحكام المرض والضرر الناجم عن الإقامة مع وجوده.
قضاء الحكم المطعون فيه بتطليق المطعون ضدها تأسيساً على أن الجراحة التي أجراها الطاعن نتج عنها إساءة معاشرته للمطعون ضدها جنسياً وأنه هجرها لعدم توفيقه فى معاشرته لها أخذاً بأقوال شاهديها، انتهاء التقرير الطبي الشرعي إلى أن الطاعن لا يعانى من أي نوع من أنواع العنة وأن الجراحة التي أجراها تركيب جهاز تعويض لا ينشأ عنها ثمة آلام ولا أضرار تسئ معاشرته للمطعون ضدها جنسياً، مفاده هو استخلاص الحكم دليلاً يتناقض مع التقرير الطبي، أما أثره هو الفساد في الاستدلال.
أهمية تقرير الطب الشرعي في الطلاق للعنة
تقدير أدلة الدعوى واستخلاص الواقع منها من سلطة قاضى الموضوع، وشرطه إفصاحه عن مصادر الأدلة التي كون منها عقيدته وفحواها وأن يكون لها مأخذها الصحيح من الأوراق ومؤدية إلى النتيجة التي انتهى إليها، إذ كان الثابت بتقرير الطبيب الشرعي أن الطاعن لا يعانى من عنة من أي نوع وأن الجراحة التي أجراها لا ينشأ عنها ثمة آلام ولا أضرار عضوية موضعية بمعاشرته للمطعون ضدها جنسياً وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أيد الحكم الابتدائي الذي قضى بتطليق المطعون ضدها وأسس قضاءه على أن تلك الجراحة نتج عنها إساءة عشرتها جنسياً وأن شاهديها شهدا بأن الطاعن هجرها لأنه لم يوفق فى معاشرته لها، فإنه يكون قد استخلص دليلاً يتناقض مع ما ورد بالتقرير الطبي الشرعي ويكون الحكم مشوباً بالفساد في الاستدلال.
المقرر فى قضاء محكمة النقض أن لقاضى الموضوع سلطة تقدير أدلة الدعوى واستخلاص الواقع منها إلا أن ذلك مشروط بأن يفصح عن مصادر هذه الأدلة التى كون منها عقيدته وفحواها وأن يكون لها مأخذها الصحيح من الأوراق مؤدية إلى النتيجة التى انتهى إليها، وأن إقامة الحكم قضاءه على واقعة استخلصها من مصدر لا وجود له أو موجود ولكنه مناقض لما استخلصه أو غير مناقض ولكن يستحيل عقلاً استخلاص تلك الواقعة منه يعد فساداً فى الاستدلال.
مصدر الخبر | موقع برلماني