الهيئات القضائية

“النقض” ترسى مبدأ قضائيا بشأن الإيجار القديم.. المحكمة تفصل فى نزاعا حول عقد بدون مدة

أصدرت الدائرة المدنية “ب” – بمحكمة النقض – حكما قضائيا يهم ملايين الملاك والمستأجرين، رسخت فيه لمبدأ قضائيا بشأن تفسير الارادة المشتركة للمتعاقدين في عقد الايجار وترتيب ما هو مقرر في قضائها بتحديد مدته بـ60 عاما قياسا على الحكر في ضوء تمحيص المحكمة لإرادة المتعاقدين، وأن عقد الإيجار لا ينتهي إلا بعد مرور 60 عامًا تبدأ من تاريخ إبرام العقد، وهي أكثر مدة إيجار ممكنة طبقًا للقانون المدني، وذلك بشأن المدة القانونية لمستأجري العقارات بعقود لا تحدد المدة.

 

ملحوظة: هذا الحكم خاص بعقد دون سنة 1998 بدون مدة، ولذلك حددت مدته بـ 59 سنة فقط، وهذا الحكم منسوخ من أحكام أخري مماثله له وليس بجديد منعا للغلط.

 

صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 941 لسنة 90 قضائية، لصالح المحامى بالنقض إبراهيم سعودى، برئاسة المستشار عطاء سليم، وعضوية المستشارين كمال نبيه محمد، والدكتور مصطفى سعفان، ورضا سالمان، أحمد عبد الحليم مهنا، وبحضور كل من رئيس النيابة لدى محكمة النقض أحمد صديق، وأمانة سر صلاح سلطان.

الوقائع.. نزاع بين المالك والمستأجرين حول حانوت

 

تتحصل وقائع النزاع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – في أن المطعون ضده الأول أقام على الطاعن والمطعون ضدهما الثانى والثالث الدعوى رقم 726 لسنة 2016 مدنى كلى ههيا، للحكم بانتهاء عقد الإيجار المؤرخ 6 فبراير 1998 وتسليم عين التداعى المبينة بالصحيفة، وقال بيانا لذلك: أنه بموجب ذلك العقد استأجر سالف الذكر منه الحانوت محل التداعى، وإذ أنذرهم بانتهاء مدة العقد في 12 أكتوبر 2016 وعدم رغبته في التجديد فلم يمتثلوا، فأقام الدعوى، وبتاريخ 30 أكتوبر 2018 حكمت المحكمة بالطلبات، ثم استأنف الطاعن هذا الحكم أمام محكمة استئناف المنصورة، وبتاريخ 26 نوفمبر 2019 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف، ثم طعن الطاعن بطريق النقض.

 

المحكمة تقضى بالطرد.. والمستأجرين يطعنون لإلغاء الحكم لهذه الأسباب

 

مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم حيث ذكرت إن الطعن أقيم على 4 أسباب ينعى بها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، وفى بيان ذلك يقول إنه لما كانت عبارة عقد ايجار عين التداعى المؤرخ 6 فبراير 1998 – المحرر بينه وبين المطعون ضده الأول – قد جاءت واضحة على تلاقى إرادة طرفيه على تحديد مدته بهلاك العقار الكائنة به، وأنه تمسك في دفاعه أمام محكمة الموضوع بانعقاده لأقصى مدة ممكنة في القانون المدني وهى 60 عاما قياسا على الحكر، وفقا لبنوده وشروطه، وزيادة الأجرة بمقدار 105 كل 10 سنوات، وتقاضى المطعون ضده سالف الذكر – المؤجر – 20 ألف مقدم إيجار تخصم من الأجرة شهريا، وكان الحكم الابتدائى المؤيد بقضاء الحكم المطعون فيه قد اعتبر أن العقد سالف الذكر لم تحدد له مدة معينة يسرى عليه، ومن ثم يعتبر منعقدا للفترة المحددة لدفع الأجرة، مرتبا على ذلك انتهائه بانقضاء مدته بالإنذار المؤرخ 12 أكتوبر 2016 فإنه يكون معيبا بما يستوجب نقضه.

 

كلمة السر.. الحكم خاص بعقد دون سنة 1998 بدون مدة

 

المحكمة في حيثيات الحكم قالت إن هذا النعى في محله – ذلك أنه من المقرر في قضاء محكمة النقض أنه ولأن كان لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تفسير صيغ العقود بما تراه أو فى بمقصود العاقدين منها، والمناط في ذلك بوضوح الإرادة لا وضوح اللفظ، وما عناه العاقدون منها بالتعرف على حقيقة مرماهم دون الاعتاد بما أطلقوه عليها من أوصاف وما ضمنوها من عبارات متى تبين أن هذه الأوصاف والعبارات تخالف الحقيقة، إلا أن شرط ذلك أن تقيم قضاءها على أسباب سائغة، كما أن النص في المادة 150/1 من القانون على أنه إذا كانت عبارة العقد واضحة فلا يجوز الانحراف عنها عن طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين، يدل على أن القاضى ملزم بأن يأخذ عبارة المتعاقدين الواضحة كما هي فلا يجوز له تحت ستار التفسير الخروج عن عبارة مؤداها إلى معنى أخر.

 

وبحسب “المحكمة”: كما لا يجوز للمحكمة أن تعتد بما تفيده عبارة معينة دون غيرها من عبارات المحرر، بل يجب عليها أن تأخذ بما تفيده العبارات بأكملها وفى مجموعها، ولما كان ما تقضى به المادة المشار إليها تعد من القواعد التي وضعها المشرع على سبيل الالزام وينطوى الخروج عنها على مخالفة القانون لما فيه من مسخ وتشويه لعبارة العقد الواضحة، فيخضع بهذه المثابة لرقابة محكمة النقض، وكان مؤدى نص المادتين 558، 563 من القانون المدنى يدل على انه إذا اتفق العاقدان على مدة ما نقضى الإيجار بفواتها وإلا فيمتد الإيجار إلى مدة أخرى طبقا لاتفاقهما أخذا بشريعة العقد، ذلك أن عقد الايجار عقد زمنى ما دامت هذه المدة لا تجعل الايجار مؤبدا، وأنه إذا كان الايجار مؤبدا لم يكن باطلا بل يبقى ساريا لمدة 60 سنة، وذلك قياسا على الحكر الذى لا تزيد مدته القصوى على تلك المدة وفقا لنص المادة 999 من القانون المدني، أو إلى مدة أقل يحددها القاضي تبعا لظروف وملابسات العقد.

 

النقض تقرر: عقد الإيجار لا ينتهي إلا بعد مرور 60 عامًا تبدأ من تاريخ إبرام العقد

 

ووفقا لـ”المحكمة”: لما كان ذلك وكان الثابت من الأوراق أن عقد ايجار عين التداعي المؤرخ 6 فبراير 1998 والمحرر بين الطاعن والمطعون ضدهما الثاني والثالث – كمستأجرين – والمطعون ضده الأول – كمؤجر – أنه تضمن – وفقا لبنوده وشروطه – أن مدة الايجار تبدأ من أول شهر فبراير سنة 1998 وتنتهى بهلاك العقار الكائنة به عين التداعى، وأن قيمة الايجار مبلغ 300 جنيه شهريا ويزيد بنسبة 10% كل 10 سنوات، وأن المطعون ضده الأول تقاضى مبلغ 20 ألف جنيه مقدم ايجار يخصم من الأجرة الشهرية بواقع نصف قيمة الأجرة – حتى ينفذ – بعدها تسدد الأجرة كاملة، بما مفاده أن إرادة طرفى العقد – وهو شريعتها – قد تلاقت على انتهاء مدة العقد والايجار بهلاك العين المؤجرة.

 

وكان الحكم الابتدائى المؤيد بقضاء الحكم المطعون فيه، قد انتهى إلى أن مدة العقد هي الفترة المحددة لدفع الأجرة، ورتب على ذلك قضاءه بطرد الطاعن والمطعون ضدهما الثانى والثالث من عين التداعى والتسليم، وانتهاء عقد ايجارهما بالانذار المؤرخ 12 أكتوبر 2016 ذلك حسب تفسير المحكمة عقد ايجارهما المؤرخ 6 فبراير 1998 وهو تفسير لا تحتمله عبارات العقد وشروطه في جملتها، وتخرج عن ظاهر مدلولها وإرادة المتعاقدين، والتي يتعين على المحكمة الأخذ بها واعتبار أن مدة العقد تبدأ من تاريخ أول فبراير سنة 1998 وينتهى بهلاك العين – المدة المتفق عليها – على أن لا تجاوز هذه المدة 60 سنة، وهى أقصى مدة ايجار ممكنة – طبقا للقانون المدنى – قياسا على الحكر، يتجدد بعدها العقد للمدة المحددة لدفع الأجرة وينتهى بانقضائها بناء على طلب أحد المتعاقدين، إذا هو نبه على النتعاقد الأخر في المواعيد المبينة بالمادة 563 من القانون المدنى، فإنه يكون معيبا بما يوجب نقضه.

 

رئيس رابطة المستأجرين يوضح حقيقة الحكم

 

وفى هذا الشأن – يقول المحامى شريف عبد السلام الجعار، رئيس رابطة المستأجرين، أن هذا الحكم خاص بالقانون المدني الجديد 96 وهو مبدأ خاص بالإيجار الجديد، حيث أن قضاء محكمه النقض يقضى في موضوع المنازعة على حدا بمعنى أن محكمه النقض محكمة موضوع وليست محكمه قانون مثل المحكمة الدستورية العليا، بمعنى أن المحكمة الدستورية العليا تقضى فى نص القانون ذاته وتحدد إذا كان دستورى ويجوز العمل به، أم أنه غير دستورى وفى هذه الحالة يتم الغاء القانون أو النص برمته، ولكن محكمه النقض تقضى وفق القانون المعمول به وتقضى فى حالة خاصة معروضة عليها وجميع أحكام محكمة النقض بشأن قانون الإيجارات القديمة تقضى بالامتداد لجيل واحد وفقا للمادة 29 من قانون 49 لسنة 1977، وذلك لأن هذه المادة قضت المحكمة الدستورية العليا فى 2002 بدستوريتها ودستورية الامتداد لجيل واحد وعلى هذا تقضى محكمه النقض المصرية التزاما بدستورية النص.

 

ويضيف “الجعار” في تصريح لـ”برلماني”: ولكن الأمر يختلف فى قضاء محكمة النقض الخاص بعقود الايجارات المبرمة بعد 1996 والمسماة بالإيجار الجديد، فهنا اختلفت محكمة النقض فى قضائها على كلمة “مشاهرة” أو مدى الحياة أو تجدد تلقائيا كل هذه العبارات يستخدمها الأفراد أثناء صياغه العقود الايجارية الجديدة، وهناك نية وإرادة من وراء استخدام هذه الكلمات في العقود احيانا تكون النية منصرفة للإيجار لمدد طويلة، وأحيانا تكون النية منصرفة لمدة محددة أقل من المدة الطويلة فى هذه الحالة عندما يختصم طرفي العقد حول المدة، ويلجأوا إلى القضاء للفصل بينهم، ويصل الأمر إلى محكمة النقض وقد تعزر على القاضي إثبات المدة الحقيقية المتفق عليها في العقد.

 

المحامى شريف عبد السلام الجعار رئيس رابطة المستأجرين

 

ويوضح رئيس رابطة المستأجرين: هنا انقسم قضاء النقض إلى قسمين فقد قضت دوائر قياسا على قانون الحكر المادة 999 من القانون المدني على أن المدة 60 سنه، وينتهى العقد وهناك دوائر أخرى قضت بأن المدة وفق دفع الأجرة، بمعنى لو كانت سنوية تكون الايجارة سنه وإن كانت نصف سنوية تكون مده الايجارة 6 أشهر وإن كانت شهرية تكون الايجارة لمدة شهر والحكم فى الطعن رقم 5472 لسنة 81 قضائية الصادر بتاريخ 13 يونيو 2016 قد أرسى قاعدة قانونية أنه إذا تعزر على القاضي الموضوعي إثبات المدة يحكم بمدة الحكر وهى 60 سنة.

 

تطورات جديدة ومهمة يشهدها ملف الإيجار القديم

 

يشار إلى أن حكم النقص بالالتزام بمدة 60 عامًا للإيجار، هو حكم لحالة فردية ولا يؤثر على التعديلات التي تتم بقانون الإيجار القديم حيث أن هذا الحكم خاص بعقد دون سنة 1998 بدون مدة، ولذلك حددت مدته بـ 59 سنة فقط، وهذا الحكم منسوخ من أحكام أخري مماثله له وليس بجديد منعا للغلط، وهو حكم يدعوا لاحترام مدة الـ60 عاما واستكمال المدة إلا أن القاضي يحكم وفق التشريعات الحالية ولكن مع التعديلات التشريعية سيكون هناك مشروع قانون جديد وقد تتغير المدة.

 

يأتي هذا في الوقت الذي يشهد فيه البرلمان المصري تطورات جديدة وهامة في ملف الإيجار القديم، وذلك بعد اعلان الحكومة تشكيل لجنة مشتركة تمثل الملاك والمستأجرين بهدف العمل على صياغة مشروع قانون، يتم طرحه أولا على الرأي العام، بهدف إجراء حوار مجتمعي بشأنه، قبل إقراره من البرلمان، بهدف الوصول إلى صيغة تعيد التوازن بين المالك والمستأجر، وفي الوقت نفسه مراعاة البعد الاجتماعي، باعتباره أحد أهم القضايا التاريخية المعقدة، وهو ملف الإيجارات القديمة.

وتعتبر أزمة الإيجار القديم من الأمور التي ستظل تشغل بال الملايين بين المالك – المؤجر – والمستأجر في الوقت الذي لاتزال تتوالى ردود الأفعال حول التعديلات المرجوة، الأمر الذي يزيد معه الحالة ترقبا لما سوف تقره اللجنة المشتركة المرتقبة من تشريعات جديدة خلال الفترة المقبلة، مع مراعاة أهمية وحساسية وخطورة هذا القانون، فضلاَ عن مراعاة التوازن بين مصلحة الطرفين المالك والمستأجر.

11

2
3
4

مصدر الخبر | موقع برلماني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى