قاضٍ مصري: إسرائيل.. تاريخ حافل بالاغتيالات للفلسطينيين «3 / 3»
أصبحت منطقة الشرق الأوسط على صفيح ساخن وسط توترات إقليمية بالغة التعقيد، بسبب حرب الإبادة التى تشنها قوات الاحتلال ضد سكان قطاع غزة، زادت من حدته سياسة الاغتيالات التى تنتهجها إسرائيل، باستخدام الأسلحة شديدة الدقة بالتطور التقني واستخدام الذكاء الاصطناعي مما ينذر بحرب إقليمية خطيرة قد تكون مقدمة لحرب عالمية ثالثة.
وتقف مصر موقفاً ثابتاً لدعم القضية الفلسطينية، وتنويراً للعقل العربى نعرض للجزء الثالث من دراسة المفكر والمؤرخ القضائي القاضي المصري الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي – نائب رئيس مجلس الدولة بعنوان: «إسرائيل شرعنت الاغتيالات المسمى بالقتل المستهدف منذ عام 2000 والقضاء الإسرائيلى منحها صك المشروعية عام 2006».
ونعرض للجزء الثالث والأخير لدراسة الفقيه المصرة لنظرة العقل الإسرائيلى للتفاوض والعقلية التفاوضية المستحيلة ومصر الداعم الرئيسي للقضية الفلسطينية واللاعب الرئيسى لعملية التفاوض المعقدة التى تعرقلها إسرائيل , وأن إسرائيل أول دولة فى العالم تشرعن سياسة الاغتيالات وتاريخها حافل.
نظرة العقل الإسرائيلى للتفاوض
يثير الدكتور محمد خفاجي، نقطة غاية فى الدقة والأهمية ويذكر: «ما لا يفهمه العالم نظرة العقل الإسرائيلى للتفاوض والعقلية التفاوضية المستحيلة.. إن العقلية الإسرائيلية تشرعن الاغتيال بحجة أنه وسيلة للدفاع عن النفس، ويرى العقل الإسرائيلى أن حركة المقاومة الفلسطينية حماس تصر على أنه لا يوجد شيء يمكن التفاوض عليه مع إسرائيل، باستثناء كيفية تفكيك الدولة اليهودية.
حركة الجهاد الإسلامي
كما يرى العقل الإسرائيلى وجود قوة أصغر وأكثر تشدداً في المعسكر الأصولي وهي حركة الجهاد الإسلامي، التي تعارض بشكل قاطع السلام مع إسرائيل تحت أي ظرف من الظروف، ثم يرى العقل الإسرائيلى وجود الميليشيات الأصولية المدعومة من إيران المنضمة إلى الفصائل الفلسطينية في جنوب لبنان.
الحرب المقدسة من أجل تخليص الأرض
ويضيف المستشار محمد خفاجي: «وترى العقيدة الإسرائيلية خطورة الجماعات الأصولية الثلاث على وجود دولة إسرائيل ذاتها وعقديتهم أن المسلمين ملزمون بأمر نبيهم، بقتال وقتل اليهود أينما وجدوهم، وأن الجهاد – الحرب المقدسة – من أجل تخليص الأرض هو واجب ديني شخصي على كل مسلم.
عقيدة راسخة لدى اليهود
وأخيراً يرى العقل الإسرائيلى أن هذه الجماعات تمثل عدواً أكثر خطورة من الفصائل الفلسطينية العلمانية المختلفة، وتنتهى العقيدة الإسرائيلية إلى أن كل هؤلاء الأعداء لإسرائيل يخططون لاستعادة فلسطين بالكامل على مراحل وتلك عقيدة راسخة لدى اليهود.
العمق الاستراتيجى للعقل الإسرائيلي
ويوضح الدكتور محمد خفاجى، أنه من المهم قراءة العمق الاستراتيجى للعقل الإسرائيلي وعقيدته التى تنظر إلى عملية الحوار على أنه حواراً مستحيلاً مع حركة المقاومة حماس التى تراها تسعى إلى تدمير إسرائيل وفقاً للعقيدة الإسرائيلية، وهذا يعني أنه في مثل هذه المفاوضات، سوف يُسمح لإسرائيل بتبرير إبادتها، لذا فيرى العقل الإسرائيلى أن الإبادة الجماعية للفلسطينيين هى العمل الاستباقى الواجب فعله دوماً بركيزة أن إسرائيل تدافع عن نفسها مما يبرر لجوءها إلى القوة العسكرية باعتبارها تدابير للمساعدة الذاتية، ويبرر لديها الاغتيال كشكل من أشكال الدفاع عن النفس الوقائي،على الرغم من تحول السلوك القانوني من الدول العربية المطبعة مع إسرائيل وهو تحول مؤسف لأنه يركز اللوم الفلسطينى بشكل غير عادل لصالح الدولة اليهودية.
مشروعية الاغتيال بالقوة من قبيل الأعمال الانتقامية
ويؤكد المؤرخ القضائي الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي: «الرأي عندي أن ما يراه العقل الإسرائيلى من مشروعية الاغتيال بالقوة العسكرية هو فى حقيقته وجوهره من قبيل الأعمال الانتقامية، وهو الأمر المحظور بموجب ميثاق الأمم المتحدة، إذ لا يسمح للدول باستخدام القوة إلا إذا كانت لديها أسباب قانونية كافية».
ومشكلة الانتقام كسبب للاستخدام المسموح به للقوة من جانب الدول محددة صراحة وبصورة قاطعة في إعلان الأمم المتحدة لمبادئ القانون الدولي بشأن العلاقات الودية والتعاون بين الدول: «تتحمل الدول واجب الامتناع عن أعمال الانتقام التي تنطوي على استخدام القوة»، وفقاً لإعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول.
حظر الأعمال الانتقامية
ويشير نائب رئيس مجلس الدولة، إلى الأعمال الانتقامية عقابية بطبيعتها ولا يمكن القيام بها من أجل الحماية أو الدفاع عن النفس، وإلا تحول القانون الدولي للسلام إلى قانون الانتقام الدولي.. فوفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2625، الدورة الخامسة والعشرون أن حظر الأعمال الانتقامية يستنتج في معظمه من التنظيم الواسع للقوة في المادة 2/4، والالتزام بتسوية النزاعات سلمياً في المادة 2/3، والحظر التام للأعمال الانتقامية يفترض درجة من التماسك العالمي الذي لا وجود له ببساطة فى العصر الحال.
عقيدة الإسرائيليين لا تعترف بحق العرب فى فلسطين
ويلخص المفكر القضائي: «وصفوة القول عندي أن ما لا يفهمه العالم نظرة العقل الإسرائيلى للتفاوض والعقلية التفاوضية المستحيلة ففى عقيدتهم العميقة أنه لا تفاوض مع الفلسطينيين لأن عقديتهم لا تعترف بحق العرب فى فلسطين، ويتخذون من تطويل عملية التفاوض التى قاربت على 10 أشهر – وستصل لعام أو أكثر دون اتفاق – ستاراً صورياً للعالم من أجل شرعنة الاحتلال والاعتراف بالواقع المخالف للقانون الدولي وشرعنة الاغتيالات والإبادة الجماعية المناقضة للقانون الدولي الإنساني».
مصر الداعم الرئيسي للقضية الفلسطينية
يقول الدكتور محمد خفاجي: إن مصر الداعم الرئيسي للقضية الفلسطينية على مر العصور، وترفض مصر بثبات التهجير القسري للفلسطينيين فى سيناء حرصاً منها على عدم تصفية القضية الفلسطينية، وأمام عينيها ذكرى النكبة ما حدث من تهجير قسرى للفلسطينييين عام 1948 الذين لم يتمكنوا من العودة إلى ديارهم مرة أخرى، ومن ثم فإن أي طرد أو تهجير جماعي آخر من شأنه أن ينهي أي أمل في إقامة دولة فلسطينية، وهي القضية التي تتضامن معها مصر.
مصر اللاعب الرئيسى لعملية التفاوض
ويؤكد المؤرخ القضائي الفقيه الدكتور محمد خفاجي، أن مصر قد لعبت ومازالت تلعبُ دوراً محوريًا تاريخيًا وجيوسياسيًا، تجاه القضية الفلسطينية، ومنذ البداية كان الموقف الرسمي للدولة المصرية واضحاً بمطالبة إسرائيل بالسماح بدخول المساعدات بشكل آمن إلى قطاع غزة، مع الدعوة إلى هدنة إنسانية فورية ورفض التهجير القسري حرصاً على الوجود الفلسطينى على أراضيهم، فضلا عن أن مصر بصبر وأناة وحكمة هى اللاعب الرئيسى لعملية التفاوض المعقدة التى تعرقلها إسرائيل.
الاغتيال المسمى بالقتل المستهدف من قبل إسرائيل
يقول الدكتور محمد خفاجي: «القتل المستهدف الاغتيال (بالعبرية הרג ממוקד) هو تكتيك استخدمته حكومة إسرائيل خلال الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بصفة خاصة، والصراع الصراع العربي الإسرائيلي بصفة عامة، والصراع بالوكالة بين إيران وإسرائيل، فضلًا عن ثمة صراعات أخرى مستحدثة.
سياسة التصفية الجسدية
وقد استخدمته إسرائيل على نطاق واسع بدءاً من عام 2000 خلال الانتفاضة الثانية عندما أصبحت إسرائيل أول دولة تحدد علنًا سياسة التصفية الجسدية والقتل الوقائي المستهدف وتحديداً في نوفمبر 2000 فى بيت سحور بالقرب من بيت لحم أربعة، حينما أطلقت قوات الاحتلال صواريخ موجهة بالليزر من مروحية أباتشي لاستهداف حسين عبيات فأردته قتيلًا مع ربتي منزل، وقبل عام 2000 كان القتل المستهدف من إسرائيل إرهاصات تتم بصورة مستترة.
استخدام القوة المميتة لاستهداف أشخاص مختارين
ويضيف: «لا يوجد تعريف واضح وصريح للقتل المستهدف «الاغتيال» بموجب القانون الدولى لكن يمكننا تعريفه بأنه عبارة عن سلوك مادي صادر من شخص من أشخاص القانون الدولي باستخدام القوة المميتة لاستهداف أشخاص مختارين بشكل فردي انتقائي بقتلهم، مع توافر السلوك المعنوي بانصراف النية والوعي إلى ارتكاب هذا الاستهداف المميت بغض النظر عما إذا كان ذلك الاستهدف المميت قد يصيب الأبرياء غير المستهدفين من عدمه».
المحكمة العليا الإسرائيلية ومشروعية القتل المستهدف
ويذكر المؤرخ القضائي الفقيه الدكتور محمد خفاجي، أن المحكمة العليا الإسرائيلية قد قضت في 14 ديسمبر 2006، بمشروعية القتل المستهدف التى تقوم بها قوات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية بركيزة الدفاع عن النفس من الإرهابيين بصفتهم مدنيين، وهم يفتقرون إلى وضع المقاتل بموجب القانون الدولي بحسبانهم في نظر المحكمة، مدنيين يشاركون بشكل مباشر في الأعمال العدائية، يفقدون بها حصانتهم، حيث تكون الاغتيالات مشروعة متى توافرت معلومات قوية ومقنعة بخصوص هوية الهدف للحد من الإرهاب حسب تعبير المحكمة.
إسرائيل أول دولة فى العالم تطبق سياسة الاغتيالات بالقتل المستهدف
ويذكر نائب رئيس مجلس الدولة في دراسته، أن إسرائيل أول دولة فى العالم تعترف بسياسة القتل المستهدف في عام 2000، كما جاء فى كتاب نيلز ميلزر لعام 2008 بعنوان «القتل المستهدف في القانون الدولي»، بركيزة أنها سياسة الإحباط المستهدف للإرهاب من قبل الحكومة الإسرائيلية، وبدأ استخدامه بشكل علني خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية في عام 2000، حيث تم استخدام المروحيات والطائرات الحربية والأفخاخ المتفجرة الإسرائيلية ضد أشخاص في الأراضي التي زعمت إسرائيل أنهم إرهابيون.
تنفيذ الاغتيالات
وبحلول عام 2007، تم اغتيال 210 من هؤلاء الأهداف، فضلاً عن 129 من المارة الأبرياء، حسبما أشارت منظمة بتسليم الإسرائيلية ذاتها التى تعمل فى مجال حقوق الإنسان.
إسرائيل.. تاريخ حافل بالاغتيالات للفلسطينيين بالقتل المستهدف
ويشير المفكر القضائي، إلى أن تاريخ إسرائيل حافل بالاغتيالات «القتل المستهدف»، حيث كانت هناك إرهاصات قبل عام 2000، إذ قامت إسرائيل بعدة محاولات لاغتيال ياسر عرفات، الرئيس السابق لمنظمة التحرير الفلسطينية، منها إسقاط طائرات ركاب كان على متنها ومحاولة غسل دماغ أسير فلسطيني لقتله، حتى قبل وفاته في فرنسا عام 2004 وكان عمره 75 عاما، وكان السبب المعلن لوفاته سكتة دماغية ناجمة عن اضطراب في الدم، وهنا سرت شائعة أنه قد تم تسميمه من قبل إسرائيل.
اغتيال يحيى عياش صانع القنابل لحماس
وفى عام 1996 اغتالت إسرائيل يحيى عياش صانع القنابل لحماس حينما رد على هاتف مفخخ انفجر، مما أدى إلى مقتله، والتاريخ يسجل أيضاً أنه عام 1997 قيام عملاء المخابرات الإسرائيلية بحقن السم في أذن خالد مشعل، رئيس الجناح السياسي لحركة حماس فى ذلك الوقت أثناء وجوده في عمان بالأردن، لولا تدخل ملك الأردن ذاته وتهديده المباشر بمحاكمة العملاء الإسرائيليين والتراجع عن اتفاق السلام ما لم يتم توفير الترياق وتم توفيره ونجا مشعل من الاغتيال بالسم.
استخدام المروحيات في القتل المستهدف
ويضيف الدكتور المستشار محمد عبد الوهاب خفاجي: «على أن البداية الحقيقية بصورة كاملة لانتهاج إسرائيل سياسة الاغتيالات المتمثلة في القتل المستهدف كانت عام 2000، حيث أطلقت مروحيات إسرائيلية صواريخ على سيارة حسين عبيات- أحد كبار نشطاء فتح، في قريته بالضفة الغربية.. توفى على إثرها عبيات واثنين من المارة الأبرياء، وفى عام 2002 أسقطت إسرائيل قنبلة على منزل صلاح شحادة في غزة، القائد العسكرى لحركة المقاومة الفلسطينية حماس، وقتل وعائلته و 12 من جيرانه أيضاً.
غارات جوية لتنفيذ سياسة الاغتيالات
وفى عام 2004 أجرت إسرائيل غارة جوية قتلت بمقتضاها عدنان الغول خبير الصواريخ في حركة المقاومة الفلسطينية، كما قُتل مساعدًا له أثناء سفرهم بالسيارة في غزة.وغارة أخرى بمروحية إسرائيلية قتلت أحمد ياسين أحد مؤسسي الحركة في غزة، وبصواريخ أطلقتها مروحية إسرائيلية على سيارة عبد العزيز الرنتيسي- أحد مؤسسي أردته قتياً على الفور، وفى عام 2009 قصفت إسرائيل غزة فى غارة جوية إسرائيلية لمقتل نزار ريان- الزعيم السياسي لحركة حماس، وتسعة من أفراد عائلته، وفى عام 2012 غارة جوية إسرائيلية على سيارة أحمد الجعبري- رئيس الجناح العسكري لحركة حماس في غزة أردته قتيلاً مع عشرة أشخاص آخرين.
مصدر الخبر | موقع اخبار اليوم