النقض ترسى مبدأ قضائياَ جديدا: جواز إقامة دعوى تزوير أصلية حال تقديم المحرر المزور أمام المحكمة قبل الفصل فيه
أصدرت الدائرة المدنية بمحكمة النقض، حكماَ في غاية الأهمية، أرست فيه مبدأ قضائياَ جديداَ بشأن قضايا التزوير، قالت فيه: “إذا قدم المحرر المزور أمام المحكمة إلا إنها لم تفصل في أمر صحته أو تزويره أو تنازل المتمسك به من الاحتجاج به، فإن ذلك لا يمنع من إقامة دعوى تزوير اصليه”.
مفهوم دعوى التزوير الأصلية
ملحوظة: دعوى التزوير الاصلية هي دعوى تقام بالطرق المعتادة لإقامة الدعاوى لإثبات تزوير مستند رسمي أو عرفي بكافة طرق الاثبات، والمصلحة تكمن في أن رافعها يتجنب بالحكم الصادر فيها بالتزوير من الاحتجاج به عليه في المستقبل.
وقد بينت المادة 59 من قانون الاثبات هذه الدعوى وشروط قبولها حيث انها تختلف عن دعوى التزوير الفرعية في أن الأخيرة تقام بسبب دعوى موضوعية قائمة قدم فيها المحرر ومن ثم فهي بمثابة دفع في الدعوى يتعين على المحكمة الفصل فيه، أولا قبل الفصل في موضوع الدعوى ولا يحق لها الحكم في صحة المحرر والموضوع معا، وقد لا يكون الحكم الصادر في صحة المحرر أو تزويره أي آثر على موضوع الدعوى فقد يقضى بتزوير المحرر وفى موضوع الدعوى بطلبات المدعى عليه بالتزوير والمقرر أنه لا يجوز استئناف الحكم الصادر بتزوير المحرر أو صحته بمفرده.
الوقائع.. دعوى تزوير
وقائع الطعن المقيد برقم 12400 لسنة 78 قضائية – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في أن المطعون ضده عن نفسه وبصفته ولياً طبيعياً على ابنته، أقام الدعوى رقم 1974 لسنة 2005 مدني محكمة جنوب الجيزة الابتدائية على الطاعنة بطلب الحكم برد وبطلان عقد البيع المؤرخ 20 مارس 2004 المنسوب إليه، وذلك على سند أن الطاعنة اتفقت مع أحد العاملين لدى المطعون ضده الأول والذى يحمل توكيلاً صادراً فيه على إقامة الدعوى رقم 3736 لسنة 2003 مدنى جنوب الجيزة الابتدائية باسم المطعون ضده الأول عن نفسه كمدعى اول وبصفته المذكورة كمدعى كان على المطعون ضده بشخصه فقط بطلب الحكم بتسليم العين موضوع عقد البيع المؤرخ 2 يناير 1992، وإذ قدمت الطاعنة فى تلك الدعوى عقد الصلح المشار إليه، فأنسحب تارك الدعوى للشطب حيث شطبت بتاريخ 5 أكتوبر 2006 ولم تجدد من الشطب.
وإذ كان عقد الصلح المشار إليه مزود عليه فقد أقام الدعوى، ندبت المحكمة خبير قسم أبحاث التزييف والتزوير بالطب الشرعي، وبعد أن أودع الخبير تقريره حكمت بالطلبات بحكم استأنفته الطاعنة بالاستئناف رقم 38355 لسنة 124 ق استئناف القاهرة – مأمورية شمال الجيزة – وبتاريخ 16 يونيو 2010 قضت المحكمة بالتأييد، طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي ببطلان الطعن، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة، فحددت جلسة لنظره وفيها ألتزمت النيابة رأيها.
مذكرة الطعن تستند على أن الحكم غير قابل للتجزئة
مذكرة الطعن استندت على أن الطاعنة اختصمت المطعون ضده عن نفسه دون أن تختصمه بصفته ولياً طبيعياً على ابنته “إيزيس. م”، وأن النزاع الذى فصل فيه الحكم المطعون فيه غير قابل للتجزئة .
المحكمة في حيثيات الحكم قالت أن هذا الوقع مردود ، ذلك أن النعى فى المادة 253 من قانون المرافعات على أن تشتمل صحيفة الطعن على البيانات المتعلقة بأسماء الخصوم وصفاتهم وموطن كل منهم، فإن الغرض المقصود من هذا النعى إنما هو إعلام ذوى الشأن إعلاماً كافياً بهذه البيانات، وأن كل ما يكفى للدلالة عليها يتحقق به الغرض الذى وضعت هذه المادة ممن أجله، ولئن كان الثابت من ديباجة صحيفة الطعن اختصام المطعون ضده الأول دون أن تذكر صفته إلا أنه يبين من الأوراق أن اختصامه فى صحيفة الطعن بالنقض كان عن نفسه وبصفته، ومن ثم يكون الدفع فى غير محله متعيناً رفضه .
مذكرة الطعن تستند أيضا على الخطأ في تطبيق القانون
كما استندت مذكرة الطعن على أن حاصل ما تنعى به الطاعنة يسبب الطعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال، وذلك حين قضى برد وبطلان فى عقد الصلح المؤرخ 20 مارس 2004 فى دعوى تزوير أصليه رغم سبق رفع دعوى موضوعية بشأن الورقة المطعون عليها بالتزوير، إذ سبق الاحتجاج بها فى الدعوى رقم 3736 لسنة 2003 مدنى محكمة جنوب الجيزة الابتدائية والتى تم شطبها بجلسة 5 أكتوبر 2006 ولم يفطن الحكم أن هذا الشطب لا يمنع بأى حال المطعون ضده من تحديدها، فتستأنف سيرها، وبالتالى فلا تقبل الدعوى الحالية بحسبانها دعوى تزوير أصلية، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه .
دعوى التزوير الأصلية شرعت لمن يخش الاحتجاج عليه بمجرد مزور
وبحسب “المحكمة” – هذا النعي في غير محله – ذلك أن دعوى التزوير الأصلية طبقاً لنص المادة 59 من قانون الإثبات – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – قد شرعت لمن يخش الاحتجاج عليه بمجرد مزور، إذ يجوز له عندئذ أن يختصم من بيده ذلك المحرر ومن يفيد فيه لسماع الحكم بتزويره، ويكون ذلك بدعوى أصلية بالأوضاع المضارة حتى إذا حكم له بذلك أمن عدم الاحتجاج عليه بهذه الورقة في نزاع مستقبل، وأن مناط إلى هذه الدعوى آلا يكون قد أجتح بالورقة المدعى بتزويرها في الدعوى بنظرها القضاء، وإلا تعين على مدعى التزوير التقرير به في قلم الكتاب طبقاً للإجراءات التي رسمها قانون الاثبات رقم 25 لسنة 1968 في المواد من 49 إلى 58 منه باعتبار أن الادعاء بالتزوير في هذه الحالة لا يعدو أن يكون وسيلة دفاع في موضوع تلك الدعوى فلا يكون لغير المحكمة التي تنظر هذا الموضوع أن تنظره.
ووفقا لـ”المحكمة” – مؤدى ذلك أن طريق دعوى التزوير الأصلية يظل مفتوحاً عن بحث الاحتجاج عليه بمجرد مزور ضد من بيده ذلك المحرر طالما أن هذا الأخير لم يجتح به عليه في دعوى موضوعية طرحت أمام القضاء، وأقامت قضاءها في موضوع الدعوى سواء بالقبول أو الرفض وكان حكمها مبيناً على الورقة، وأما إذا كان المحرر المزور قد قدم للمحكمة إلا أنها لم تفصل في أمر صحته أو تزويره لتنازل المتمسك به عن الاحتجاج به في مواجهة المنسوب إليه الورقة أو حصوله عارض من عوارض الخصومة يمتع من الحكم في الدعوى، فإن ذلك لا يمنع من قبول دعوى التزوير الأصلية طالما لم يفصل في التزوير في الدعوى السابقة صراحاً أو ضمناً.
المحكمة تقضى برفض الطعن
لما كان ذلك – وكان الثابت من الوراق أنه سبق إقامة الدعوى رقم 3736 لسنة 2003 المشار إليها وقدم عقد الصلح المؤرخ 20 مارس 2004 والتي تم شطبها بجلسة 5 أكتوبر 2005 ولم تقل المحكمة كلمتها في المحرر المشار إليه من حيث صحته أو تزويره، ولم يصدر فيها حكم في موضوع الدعوى المذكورة سواء بالقبول أو الرفض بناء تلك الورقة، ومن ثم لم يحتج بهذا المحرر قبل الطاعنة، فإن سلوك المطعون ضده الأول طريق الطعن بالتزوير وإقامة الدعوى المطروحة بطلب رد وبطلان عقد الصلح المدعى بتزويره وقضاء الحكم المطعون فيه برفض الدفع تأسساً على ما سبق بيانه، فإنه يكون قد وافق صحيح القانون، ويكون النعى عليه بسببى الطعن على غير أساس يتعين رفض الطعن.
مصدر الخبر | موقع اليوم السابع