أسباب الطعن بطريق النقض الجنائي بقلم الأستاذ/ عمرو فتحي
نصت الفقرة الأولي من المادة 30 من قانون حالات وإجراءات الطعن بالنقض رقم57 لسنة 1959، المعدلة بالقانون رقم 74 لسنه 2007 على أنه “لكل من النيابة العامة والمحكوم عليه والمسئول عن الحقوق المدنية والمدعي بها الطعن بالنقض في الحكم النهائي الصادر من أخر درجة في مواد الجنايات والجنح، وذلك في الأحوال الآتية:
1- إذا كان الحكم المطعون فيه مبنيًا على مخالفة للقانون أو خطأ في تطبيقه وتأويله.
2- إذا وقع بطلان في الحكم.
3- إذا وقع في الإجراءات بطلان أثر في الحكم
ومن ذلك يتضح أن الطعن أمام محكمة النقض في الأحكام النهائية الصادرة من محكمه الجنايات ومحكمه الجنح المستأنفة لا يعتبر درجة من درجات التقاضي الموضوعي تطرح فيه الدعوى للبحث من جديد، إنما هو طعن من نوع خاص تطرح بصدده خصومة خاصة، حيث يختصم فيه الحكم الجنائي النهائي ليكشف عن مدى تطبيق القانون فيه من عدمه، ولذلك يمكن القول بأنه تجريح وتمحيص للحكم النهائي من جهة السلامة القانونية أو محاكمة قانونية للحكم الجنائي.
ومحكمه النقض بوصفها محكمة قانون فهي بالتالي لا تعير اهتمامًا للتحدث أمامها في الموضوع أو الواقع، لذلك فإن أسباب الطعن بطريق النقض يجب أن تكون أسبابًا قانونية لا علاقه لها بالواقع وهنا يثور السؤال: ما هو الواقع أو الموضوع الذي يمتنع جعله سببًا لنقض الحكم الجنائي وما المقصود بالقانون الذي هو صفة يجب توافرها في أسباب الطعن بالنقض، فقد يختلط الأمر بحيث يكون الأول مقدمة لازمة لبحث الأخير؟
الحقيقة أن معرفة المقصود بالموضوع يظهر لنا إذا أمعنا النظر في عمل القاضي الجنائي الموضوعي، فإن هذا الأخير يقوم بعمليتين أثناء بحثه للدعوى الجنائية الأولى هي قيامه بجمع الأدلة وتمحيصها، وثانيهما هو تكوين العقيدة في الدعوى بناءً على ما تم جمعه من أدلة بغية كشف الحق في الدعوى، وهي ما تسمى بعملية الاستقصاء القضائي، وعليه فإنه يمكننا الآن تحديد الواقع أو الموضوع الذي يمتنع أبدائه بأسباب النقض، بأنه كل ما يدخل في مفهوم عمليه الاستقصاء القضائي التي هي من صميم عمل قاضي الموضوع، وعليه لا يجوز مثلًا الطعن بالنقض على الحكم الجنائي وطلب إضافة دليل لم يتم طرحه أمام محكمة الموضوع؛ كسماع شهود، أو استجواب متهم، أو الانتقال لمعاينة أو مواجهة ولا طلب ندب خبير بالدعوى ولا حتى التحدث في مفردات وعناصر هذه الأدلة، لأن هذه الأسباب والطلبات تدخل في مفهوم عملية الاستقصاء القضائي الذي يقوم به قاضي الموضوع، و الذي فرغ من عمله بمجرد صدور الحكم الجنائي.
كذلك لا سبيل للطعن في عقيدة قاضي الموضوع الذي له مطلق الحرية في تكوينها في الدعوى، حيث نصت المادة 302 من قانون الإجراءات الجنائية على أن “يحكم القاضي في الدعوي حسب العقيدة التي تكونت لديه بكامل الحرية”، غير أن عقيدة القاضي ليست من اطلاقاته بل يجب على قاضي الموضوع أن يلتزم في تكوين عقيدته بالأدلة والطرق التي حددها القانون، فيجب أن ترتكن تلك العقيدة إلى طرق الاثبات المحددة في القانون، على سبيل الحصر فليس للقاضي أن يحكم في الدعوى الجنائية بعلمه الشخصي مثلًا، ولا بدليل باطل.
أما عن القانون الذي يجب أن ترتكن عليه أسباب الطعن بالنقض فهو القانون الجنائي بالمعنى الواسع أي قانون العقوبات وقانون الاجراءات الجنائية، فقاضي الموضوع ملزم بأن تتسق أحكامه مع القانون، فإن خالفته كان هذا مطعنًا يجوز اتخاذه سببًا لنقض الحكم.
(أسباب نقض الحكم الجنائي)
أولًا: مخالفه القانون
ومخالفه القانون تعني أن القاضي الجنائي لم يطبق نصًا قانونيًا على الواقع كان يجب تطبيقه لخطأ منه في تكييف الدعوى، أو أنه أغفل تطبيق نص قانوني كان واجب التطبيق على الدعوى، والنص القانوني المقصود به نصوص قانون العقوبات أو قانون الاجراءات الجنائية كما أوضحنا سلفا.
ومن أمثلة سبب مخالفة القانون ما يأتي:
(أ) الخطأ في وصف الواقعة لأنه وكما تقول محكمة النقض أن المحكمة غير مقيدة بالوصف الذي تسبغه النيابة العامة للواقعة كما أوردت بأمر الإحالة أو بأمر التكليف بالحضور، بل أن واجبها أن تطبق علي الواقعة المطروحة عليها وصفها الصحيح طبقا للقانون، لأن وصف النيابة العامة ليس نهائيًا بطبيعته وليس من شأنه أن يمنع المحكمة من تعديله متى رأت أن ترد الواقعة بعد تمحصيها إلى الوصف القانوني الذي تري أنه السليم.
(الطعن رقم 17520 لسنة 5 ق الدوائر الجنائية – جلسة 19/10/2014)
(ب) إغفال الحكم المطعون فيه مبدأ تطبيق القانون الأصلح للمتهم المنصوص عليه بالمادة الخامسة من قانون العقوبات.
(ج) صدور الحكم المطعون فيه من محكمة غير مختصة.
(د) عدم تطبيق الحكم المطعون فيه لأسباب الإباحة وموانع العقاب كعدم الأخذ بسبب الإباحة المتمثل في حالة الدفاع الشرعي.
(ه) عدم أخذ الحكم المطعون فيه بالظروف المخففة في الدعوى رغم اطلاع المحكمة عليها بالأوراق.
(و) مخالفة الحكم المطعون فيه لمبدأ ألا يضار الطاعن بطعنه.
ثانيًا: الخطأ في تطبيق القانون
الخطأ في تطبيق القانون معناه أن الحكم الجنائي لم يخالف القانون بل توصل القاضي إلى المادة الصحيحة المنطبقة على الواقعة بالفعل إلا أنه لم يحسن تطبيقها على هذه الواقعة.
ومثال ذلك أن تكون المحكمة مع تطبيقها للمادة الصحيحة للعقوبة أخطأت في نوع العقوبة أو حكمت بأكثر من الحد المقرر بمادة العقاب ومنها؛ ما قضت به محكمه النقض من أن “لما كانت العقوبة المقررة لجريمة الضرب المفضي إلى الموت مع سبق الإصرار هي الاشغال الشاقة المؤقتة أو السجن، وكانت المادة 17 من قانون العقوبات التي أعملها الحكم تتيح النزول بعقوبة السجن إلى عقوبة الحبس التالية الذي لا يجوز أن تنقص عن ثلاثة أشهر، وإنه و إن كان هذا النص يجعل النزول بالعقوبة المقررة للجريمة إلى العقوبة التي أباح القانون النزول إليها جوازيًا، إلا أنه يتعين على المحكمة إذا ما رأت أخذ المتهم بالرأفة ومعاملته طبقًا للمادة 17 المذكورة ألا توقع العقوبة إلا على أساس الوارد في هذه المادة، باعتبارها حلت بنص القانون محل العقوبة المنصوص عليها للجريمة، لما كان ذلك وكانت المحكمة إذا أدانت الطاعنين في جريمة الضرب المفضي إلى الموت مع سبق الإصرار والترصد، وذكرت في حكمها أنها رأت معاملتهم طبقا لنص المادة 17 عقوبات، ومع ذلك فقد أوقعت عليهم عقوبة السجن وهي إحدى العقوبتين الأخيرتين المقررتين لهذه الجريمة بالمادة 236 عقوبات، فإنها تكون قد أخطأت في تطبيق القانون إذا كان عليها أن تنزل بعقوبة السجن إلى عقوبة الحبس.
ثالثا: الخطأ في تأويل القانون
الخطأ في تأويل القانون يكون عندما يعتري الحكم الجنائي الصادر من قضاء الموضوع سوء التفسير لنص القانون؛ سواء هذا النص نص قانون العقوبات، أو نص قانون الإجراءات الجنائية والأمثلة على هذا السبب كثيرة، كخطأ المحكمة مثلًا في تفسير نص المادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية الخاصة بصور حالات التلبس.
رابعًا: بطلان الحكم الجنائي
و يكون الحكم الجنائي باطلًا عندما يغفل الحكم بيانا جوهريًا كان يجب إيراده فيه ومن أمثلة ذلك:
(ا) إغفال الحكم الجنائي لبيان الواقعة المؤثمة والنصوص القانونية التي حكم بمقتضاها.
وفي ذلك تقول محكمه النقض أنه لما كانت المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجبت أن يشتمل كل حكم بالإدانة على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بيان تحقق به أركان الجريمة والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة الإدانة، حتى يتضح وجه الاستدلال وسلامة مأخذها تمكينًا لمحكمة النقض من مراقبة التطبيق القانوني على الواقعة، كما صار بالحكم وإلا كان قاصرًا ولا يكفي في هذه الحالة مجرد إحالة الحكم في هذا البيان إلى محضر ضبط الواقعة دون إيراد مضمونه وبيان وجهة الاستدلال فيه على ثبوت التهمة بعناصرها القانونية، كافة الأمر الذي يعجز هذه المحكمة عن مراقبة صحة التطبيق القانوني السليم على الواقعة.
(ب) إغفال الحكم الجنائي المطعون فيه لنص مادة العقاب
و هو كما تقول محكمه النقض بيان جوهري أقتضته قاعده شرعيه الجرائم و العقاب و لا يشفع أن يكون مسوده الحكم قد أوردت هذا البيان لأن العبرة بنسخه الحكم الأصلية التي يحررها الكاتب ويوقع عليها القاضي وتحفظ بالملف.
(ج) بطلان الحكم الجنائي لبطلان وقع في إجراءات إصداره أو تدوينه.
وذلك كخطأ الحكم في شكل المحكمة أو وجود حالة من حالات عدم الصلاحية للمحكمة أو أحد أعضائها، أو عدم توقيع القضاة الذين سمعوا المرافعة على الحكم، وتوقيع قضاة أخرين، أو عدم النص على أخذ إجماع الآراء في الحكم الصادر بالإعدام أو الصادر بتشديد العقوبة من المحكمة الاستئنافية، أو عدم النطق بالحكم في جلسة علنية.
(د) بطلان الحكم الجنائي لعيب التسبيب
بما أن القاضي الجنائي ملزم بتسبيب أحكامه لأن ذلك المسلك لهو الحماية الحقيقية ضد تحكمه و يخلق في الوقت ذاته الطمأنينة لدي الكافة في نزاهة الاحكام فأن عيوب التسبيب تعد سببا لنقض الحكم و هي تنقسم الي ثلاُث أنواع من العيوب :
الأول: انعدام التسبيب بالكلية مثال أن تحكم محكمة الجنح المستأنفة في جنحه بالإدانة ولا تورد أسبابًا لحكمها ولا تحيل إلى أسباب الحكم الابتدائي المستأنف.
و يأخذ حكم انعدام التسبيب استحالة قراءة الأسباب.
ثانيا: القصور في التسبيب و هو يكون عندما يكون ما أبداه الحكم الجنائي من أسباب غير مؤديه عقلًا ومنطقًا إلى ما خلص إليه في منطوقة.
ثالثًا: التناقض في التسبيب وهو يكون عندما يكون ما ساقه الحكم الجنائي من أسباب ينفي بعضها بعضا بحيث لا يعرف أي الأمرين تقصده المحكمة واعتمدته في عقيدتها النهائية في الدعوى، وفي هذا تقول محكمه النقض أنه إذا أوردت المحكمة في حكمها دليلين متعارضين في ظاهرهما و أخذت بهما جميعًا وجعلتهما عمادها في ثبوت إدانة المتهم دون أن تتصدى لهذا التعارض وتبين ما يفيد أنها و هي تقضي كأنت منتبهه له و تمحصه، واقتنعت بعدم وجوده في الواقع فإنها تكون قد اعتمدت دليلين متعارضين لتناقضهما وهذا ما يجعل الحكم غير سليم.
(ه) الفساد في الاستدلال وهو يكون عندما يكون الحكم الجنائي قائم على إجراءات باطله كقبض أو تفتيش باطل، أو كان مستندًا إلى استجواب مشوب بالبطلان.
(و) الخطأ في الاسناد و يكون هذا السبب عندما يسوق الحكم الجنائي ضمن أسبابه أمرًا لا أصل له في الأوراق كأن يرد بالحكم وجود مستند عول عليه الحكم بالإدانة لا وجود له بالأوراق، أو اعترافًا لا أصل له بها.
(ز) التعسف في الاستنتاج و هذا السبب يكون عندما يكون الحكم الجنائي ظاهر في قضائه مطلق التعسف للوصول الي ما خلص اليه و أن يكون ما خلص اليه مبنيا علي التحكم و من ذلك ما قضت به محكمه النقض بأن “القاضي لا يلجأ في تقدير السن إلى أهل الخبرة أو إلى ما يراه بنفسه، إلا إذا كان هذا السن غير محقق بأوراق رسمية وكان الحكم المطعون فيه قد أطلق القول بأن المجني عليه لم يبلغ ثمانية عشر عامًا وقت و قوع الجريمة دون أن يبين تاريخ ميلاد المجني عليه والأساس الذي أستند إليه في هذا في جريمة قوامها السن فإنه يكون معيب. “نقض 3499 لسنه 35 ق”
رابعًا: بطلان الحكم لبطلان الإجراءات المؤثرة فيه
يكون هذا السبب عندما يكون الحكم الجنائي قد أخل بحق الدفاع و أو بطلب جوهري يتغير بالحتم وجه نظر المحكمة فيه، إذا حققته كطلب سماع شهود نفي أو ندب خبير في الدعوى.
مصدر الخبر | موقع نقابة المحامين