الذكاء الاصطناعي وتأثيره على العدالة الجنائية
الذكاء الاصطناعي وتأثيره على العدالة الجنائية
لطالما كنا نظن أن الذكاء الاصطناعي خيال علمي، وأنه لو ظهر فسيظهر بعد أجيال كثيرة، ولن نعيش حتى نواكب وجوده.
لكن الآن نعيش في وجود الذكاء الاصطناعي حيث أصبح حقيقة، كما له تأثيرات حقيقية وعميقة على حياتنا اليومية.
عرّفه “جون مكارثي” الذي يُنسب إليه الفضل، حيث يُعد أب للذكاء الاصطناعي، بأنه علم وهندسة صنع الآلات الذكية،
وهو مجال سريع التقدم في علوم الكمبيوتر، كما يعرف بقدرة الآلة على إدراك بيئتها، والاستجابة لها بشكل مستقل.
بالإضافة إلى أداء المهام التي تتطلب ذكاءً بشريًا وعمليات صنع القرار، ولكن دون تدخل بشري.
ويؤثر في جميع معاملاتنا اليومية، من الهواتف، إلى السيارات، إلى كل الأجهزة الكهربائية، إلى آلات المصانع، إلى الزراعة، والصناعة، والاتصالات،
والتعليم الصناعة، والطب، والنقل، إلى الرعاية الطبية، حتى العدالة الجنائية، وغيرها من التخصصات المختلفة التي أصبحت أساسية في الحياة.
ومع تطوره في التحقيق وتحديد الأولويات والتحليل واتخاذ القرار، أصبح فهم فوائده ومخاطره أكثر أهمية من التعامل به.
استخدام الذكاء الاصطناعي في تحقيق العدالة الجنائية
يتم استخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد هُوِيَة الأشخاص، والتنبؤ بأفعالهم، وتقييم مخاطرهم، مثل ارتكاب جريمة في المستقبل.
ويستند جزء كبير من وظيفة الذكاء الاصطناعي في العدالة الجنائية، إلى استخدام التعرف على الأنماط، للكشف عن النشاط الإجرامي والتنبؤ به،
ولكن هذا ليس استخدامه الوحيد، فيماَ يلي بعد استخداماته:
التحليل الرقمي:
حيث يستخدم الذكاء الاصطناعي طريقة تحليل الفيديو والصور، وتسمح التكنولوجيا الحالية بالذهاب إلى ما أبعد من مجرد تحديد هُوِيَة الأشخاص،
فهي تسمح لهم باكتشاف أماكن الحوادث والجرائم المعقدة، سواء خلال وقوعها أو بعد وقوعها.
ونتيجة التطورات التكنولوجية الحديثة أصبح الذكاء قادر على تحسين قدرته على اكتشاف وجه الفرد الملتقط بجودة صورة رديئة،
أو بزوايا غير كاملة، أو حتى عندما يكون وجهه محجوبًا.
ومن طرق تحديد الصور منخفضة الجودة، محاكاة الصور ذات الجودة المنخفضة، ثم استخدام التمثيلات الرياضية المتدهورة لتحديد الهُوِيَة .
تحليل الحمض النووي باستخدام الذكاء الاصطناعي:
كان دليل الحمض النووي بمنزلة تغيير كبير في عالم العدالة الجنائية، فهو مفيد في حل القضايا، و تبرئة السجناء المدانين ظلماً.
ومع التطور الذي يحدث منذ اكتشافه حتى اليوم، يسمح الذكاء الاصطناعي للمختبرات باكتشاف ومعالجة الحمض النووي منخفضة المستوى،
أو غير القابلة للمعالجة، و التي لم يكن من الممكن استخدامها من قبل، كما يشمل القدرة على اكتشاف كميات صغيرة من الحمض النووي.
وكذلك معالجة مشكلات اكتشاف العديد من المتبرعين بالحمض النووي، فإن استخراج البيانات و خوارزميات الذكاء الاصطناعي،
قادرة على فك رموز كميات كبيرة من البيانات المعقدة، وفصل وتحديد ملفات تعريف الحمض النووي الفردية.
التعرف على طلقات الرَّصاص:
تستخدم المختبرات الذكاء الاصطناعي لتحديد أنماط طلقات الرَّصاص للتمييز بين طلقات الفوهة، وتحديد التوقيت، ولأي نوع من الأسلحة النارية ترجع الطلقات.
بالإضافة إلى أنه يمكن تركيب أجهزة استشعار، و التي يمكنها تحديد نوع طلقات الرَّصاص وتحديد موقعها في البِنَى التحتية مثل المباني.
وتسمح هذه المستشعرات، التي تعمل عن طريق التقاط صوت طلقات الرَّصاص وتحديد التوقيت، وتحديد موقع مطلق النار،
وبذلك يمكن للشرطة الوصول إلى مكان الحادث دون استدعائها.
الوقاية من الجريمة:
يُعدالتغيير الأكثر وضوحاً وبروزاً للذكاء الاصطناعي في القانون هو التحول المستمر من كونه رد فعل إلى كونه في سباق لمنع الجريمة.
حيث تساعد سنين من بيانات الجرائم، إلى جانب التقنيات الحديثة، والأنماط في السجلات، والصور الجغرافية المكانية، ولقطات كاميرات المراقبة،
وبيانات وسائل التواصل الاجتماعي، وموجزات الأخبار، والعديد من المصادر المفتوحة لفهم أنماط الجريمة بشكل أفضل، وبذلك يقلل بشكل كبير من الجريمة.
المحاكم القضائية:
لا يقل استخدام الذكاء الاصطناعي في المحاكم، حيث تستخدمه الكثير من المحاكم لتخفيف الضغط عن جداول المحكمة، وتحليل البيانات القانونية، وتقديم توصيات الحكم.
ويحاول العلماء تصميم برامج كمبيوتر يمكنها إجراء التفكير القانوني ومساعدة المحامين في حل المشاكل القانونية وسرعة وجودة تفسير النصوص القانونية.
ويستخدم القضاة بالفعل أدوات الذكاء لاتخاذ القرارات بشأن الكفالة والحكم، وما إذا كان ينبغي حبس المشتبهين الذين ينتظرون المحاكمة أو إطلاق سراحهم.
بالإضافة لبعض الاستخدامات الأخرى منها:
أنظمة السلامة المرورية المستخدمة للقبض على المخالفين، وزيادة السلامة المروريةبواسطة أنظمة الكشف التلقائي عن حوادث المرور.
التنبؤ بالأنماط الشاذة والتعرف عليها والتعرف على الأنماط الجديدة للمساعدة في الكشف عن الاحتيال.
التنبؤ بضحايا إساءة معاملة كبار السن المحتملين.
الكشف عن الأدلة الملتقطة في صور مسرح الجريمة.
التعرف على مكونات القنبلة.
دور الذكاء الاصطناعي في الكشف عن الجريمة والوقاية منها
تحديد الضحايا باستخدام التعلم الآلي
يمكن للذكاء الاصطناعي استخدام التعلم الآلي لتطوير نظام يحدد ضحايا الاتجار بالجنس عبر الإنترنت.
على سبيل المثال يمكن استخدام هذه التكنولوجيا للكشف عن الأنشطة غير القانونية، ويمكن أن يساعد أيضًا في التعرف على وجوه الضحايا.
مراقبة المنصات عبر الإنترنت للأنشطة الإجرامية
يمكن أيضًا استخدام الذكاء الاصطناعي في وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات عبر الإنترنت الأخرى،
للكشف عن اللغة التي تتضمن المصطلحات الشائعة المستخدمة في الاتجار بالمخدرات والاتجار بالبشر وغيرها من أنشطة الإجرام.
استخراج البيانات باستخدام تحليل الأنماط
يمكن للذكاء الاصطناعي مكافحة الجريمة بواسطة استخراج البيانات، حيث يسمح بظهور أنماط الجريمة أثناء جمع البيانات.
وذلك بإجراء تطبيق تحليل الأنماط، يمكن للسلطات تحديد مكان حدوث الجريمة أو حيث يوجد خطر كبير للنشاط الإجرامي.
تعد بيانات وسائل التواصل الاجتماعي أيضًا مصدرًا قيمًا للمعلومات، ويمكن أن تكون مفيدة بشكل خاص لتحديد الأطفال المفقودين.
إنشاء تحليلات تنبؤية للتخفيف من الجريمة والوقاية منها
يمكن للذكاء الاصطناعي توفير تحليلات تنبؤية، باستخدام البيانات والأساليب الإحصائية للتنبؤ بالأحداث المستقبلية.
و يمكن أن تساعد هذه التحليلات في تقليل من الجرائم وزيادة سلامة المجتمع.
تحديد مكان الجناة باستخدام الذكاء الاصطناعي
يمكن للذكاء الاصطناعي اكتشاف أرقام الهواتف التي لها علاقة بالأنشطة الإجرامية وعناوين بروتوكول الإنترنت.
ويمكن أن تمنح هذه المعلومات القدرة على ربط الجرائم التي تنطوي على الإنترنت بالمشتبه بهم.
تتمثل ميزة هذه التكنولوجيا في أنه يمكن استخدامها من قبل وكالات الشرطة والمنظمات الأخرى لتحديد موقع الأشخاص في جميع أنحاء العالم.
مكافحة الاتجار بالأطفال
يمكن استخدام التعرف على الوجه لتحديد موقع الأطفال، حيث ينشر المتاجرون عادةً إعلانات، عبر الإنترنت تتضمن الضحايا.
يحاول المتاجرون إخفاء الجريمة، باستخدام كلمات رئيسية يعرفها المجرمون فقط، الذين يسعون لشراء ضحية الاتجار.
أحياناً يصور المتاجرون عمر ضحية الاتجار بواسطة شخصيات كرتونية، ومصاصة (تستخدم للأطفال الصغار جدًا)، وشخصيات أخرى.
يمكن اكتشاف متى يتم بيع طفل بناءً على نهج متعدد العوامل، ويمكن للذكاء الاصطناعي تحديد موقع الأطفال.
وهذا النوع من أدوات الذكاء الاصطناعي ذو قيمة كبيرة لقوات الشرطة.
وفي الختام، الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين، فهو كما له مميزات وإيجابيات كثيرة فله أيضا مساوئ وسلبيات.
ويجب علينا الحرص في التعامل معه حتى لا يعود بالسلب علينا، و حتى لا نجد أنفسنا تم السيطرة علينا من قبله.
واستخدامه في العدالة الجنائية لا يمكن أن يتراجع أو يتباطأ، لأنه بواسطة تحسين التقنيات الموجودة الحالية واكتشاف تقنيات جديدة،
من الطبيعي يؤدي إلى زيادة تفاعل البشر مع نظام العدالة الجنائية طوال القرن الحادي والعشرين.
إن التقدم في الكشف الآلي عن الأنشطة الإجرامية باستعمال الطائرات دون طيار والتصوير عبر الأقمار الصناعية،
سوف يؤثر بشكل كبير على قدرة القانون، في التعرف على الجرائم ومنعها بواسطة تحليل الحركة والأنماط.
بالإضافة إلى أن التكنولوجيا المستخدمة للكشف عن الأفراد في مواقع متعددة، عبر كاميرات متعددة بفضل التعرف على الوجوه، سوف يساعد المحققين في تحديد هوية المشتبه بهم.