محمد عبد الوهاب خفاجي : مصر الفرعونية أول دولة عرفت معنى الوطن وجرَّمت التآمر ضد نظام الحكم |صور
محمد عبد الوهاب خفاجي : مصر الفرعونية أول دولة عرفت معنى الوطن وجرَّمت التآمر ضد نظام الحكم |صور
قال الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة في ختام مناقشة رسالة الدكتوراه المقدمة من الباحث ماجد كيلاني عن موضوع: التطور التاريخي للوظيفة العامة وعلاقتها بنظام الحكم فى مصر القديمة، بكلية الحقوق جامعة السادات بالمنوفية، إن مصر الفرعونية أول دولة في التاريخ الإنساني عرفت معنى الوطن، وجرَّمت التآمر ضد نظام الحكم والتخابر مع الأعداء، قبل أن تعرفها المدنية الحديثة.
خفاجي: مصر الفرعونية أول دولة عرفت معنى الوطن
وحصل الباحث على درجة الدكتوراه بتقدير جيد جدا B من لجنة الحكم والمناقشة التي تكونت من الدكتور محمد أنس جعفر أستاذ القانون العام المتفرغ بكلية الحقوق جامعة بنى سويف ومحافظ بني سويف الأسبق والمستشار القانوني للمجلس الأعلى للجامعات رئيسًا والدكتورة إيمان السيد عرفة أستاذ فلسفة القانون وتاريخه ووكيل كلية الحقوق جامعة مدينة السادات للدراسات العليا والبحوث مشرفًا وعضوًا والقاضي الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة عضوًا.
وقال الدكتور محمد خفاجي، إن مصر الفرعونية عرفت نظام الملوك المشرعين الذين اعتنوا بفكرة الوطن واعتبروا أن تدبير المؤامرات ضد الملك من الجرائم الخطرة، التي رصدوا لها عقوبة (الموت – الإعدام) تأسيسًا على أن التآمر على الملك الإله أو الملك ابن الإله كالتآمر والاعتداء على الاَلهة، وهى جرائم تستحق “الموت” على حد التعبير الفرعوني وكانت العقوبة تلحق بالجاني بغض النظر عن مكانته الاجتماعية أو درجة القرابة مع الفرعون ، وفى بعض النصوص كان يسمح للمدانين بالانتحار بأنفسهم، كما عرف قطع الرقبة فقد وردت نصوص بقيام الملك الفرعوني بقطع رؤوس عشرة من المتآمرين ضد نظام الحكم الفرعوني، وكشفت الوثائق النادرة أن الملوك كانوا يشكلون محاكم خاصه للفصل وفى تلك الجرائم الخطرة لضمان سرعة إصدار الأحكام.
وأشار الدكتور محمد خفاجي، إلى أنه على الرغم من أن الملك الفرعوني في المملكة بشكل عام هو الكائن الغامض، صاحب القرار العتيد، ومغطى بزخارفه الذهبية، ويمارس الحكم من قصره شديد الأمان، إلا أن التاريخ الفرعوني عرف فكرة المؤامرة ضد نظام الحكم ونظم عقوبتها كأول دولة فى التاريخ تعرف هذه الجريمة، وذلك فى عهد الملك الفرعوني رمسيس الثالث ( وسر-معت-رع-مري-إمن ) ثاني ملوك الأسرة العشرين في مصر القديمة حكم من 1186 إلى 1155 قبل الميلاد، ورغم أن رمسيس الثالث قد اهتم بالسياسة الداخلية للبلاد بإعادة التنظيم الإداري إلا أن عهده الطويل – 32 عاما من الحكم – تراجع القوة السياسية والاقتصادية بسبب استراتيجياته العسكرية القوية وسلسلة الغزوات والمشكلات الاقتصادية الداخلية التي ابتلي بها سابقوه واَلت إليه، وقد حافظ على مصر وأنقذها من الانهيار في الوقت الذي سقطت فيه العديد من الإمبراطوريات خلال انهيار العصر البرونزي وانتهى حكمه باغتياله عن طريق مؤامرة ضد نظام حكمه كأول جريمة فى التاريخ عن المؤامرة ضد نظام الحكم.
وأضاف: تروى لنا إحدى الوثائق النادرة عن المؤامرة التي تم تدبيرها ضد الملك رمسيس الثالث، بسبب اختياره لإبنه الشرعي رمسيس الرابع كي يرث الحكم من بعده، التي عرفت بـ “مؤامرة الحريم” – وفقًا لنصوص قانونية مختلفة معاصرة للوقائع، و تعتبر بردية “لي ورولين ” ونصوص ” ريفود ” وكذلك بردية ” تورين” هي المصادر الوثائقية الرئيسية – حيث دبرت إحدى زوجاته التي كانت من الطبقة الوسطى مؤامرة للتخلص منه ليصل ابنها للحكم، وكانت زوجته تدعى ” تايا – تيى “، التي فضلت أن ترى ابنها “بينتاوريت – بينتاور ” هو الأولى بتولى العرش ! وتم كشف المؤامرة التى شارك فيها حوالي ثلاثين من المتآمرين من رجال الحاشية في القضية، ومديري الحريم والجنود والكهنة والسحرة، لكن المؤامرة فشلت في تحقيق هدفها الرئيسي، وفشل الأمير بينتاور في الإطاحة بالابن الشرعى رمسيس الرابع، الخليفة المعين، وعندما تولى الابن الشرعي رمسيس الرابع الحكم قام بتشكيل محكمه خاصه لمعاقبة مدبرى تلك المؤامرة على والده، وقدم المتهمين بنفسه إلى محكمة خاصة وضرب مثلًا رائعا على النزاهة وقال للقضاة قولته الشهيرة: ” ليكن ضميركم هو سيد الحكم ” وكانت عقوبة جريمة التآمر ضد نظام الحكم هى الإعدام مع الحرمان من الدفن فى المقابر، وذلك يعنى حرمان الجاني من الحياه الآخرى الأبدية وفقا لمعتقدات مصر القديمة.
وأشار الدكتور محمد خفاجي إلى أن الحضارة الفرعونية القديمة أول حضارة فى التاريخ عرفت جريمة التاَمر ضد نظام الحكم الفرعونى فى واقعتين الأولى فى ظل الأسرة الثانية عشرة والثانية فى ظل الأسرة العشرين على نحو ما سلف بيانه، ففى الواقعة الأولى نعثر على مؤامرة لقتل الملك “أمنمحات الأول ” مؤسس الأسرة الثانية عشرة الذى حكم لمدة 30 سنة حيث قُتل الملك بعد مؤامرة قام بها حراسه بتحريض من زوجة الملك أمنمحات الأولوكانت من الطبقة الوسطى بخلاف زوجته الملكية الأصل ، عندما كان ابنه الملك الشاب ذلك الوقت “سيزوستريس الأول” والجيش كله في حالة حرب وحملة عسكرية لمحاربة الليبيين على الحدود الغربية فضلًا عن حملات عسكرية أخرى للمعتدين فى صحراء سيناء ،كما حقق نصرًا حاسمًا، وهو نصر أكد لمصر السيطرة على مناجم الفيروز في سيناء، و في النوبة قاد عدة بعثات ويصعد نهر النيل إلى الشلال الثاني بالقرب من الحدود الحالية بين مصر والسودان، وبينما كان يشن حملة ضد الليبيين اغتيل والده أمنمحات الأول ضحية مؤامرة داخل القصر.
وأوضح الدكتور خفاجي أن سيزوستريس الأول بعد انتصاره طار مثل الصقر لمنع أولئك الذين تملكتهم الجرأة ويحاولون اعتلاء عرش حورس قبل انتهاء عزاء والده الملك المتوفى، وقد أرسل المتآمرون مبعوثًا من الجيش، بحجة وجود ابن ملكي آخر من امرأة من الطبقة الوسطى بغرض قيادة الجيش ولكن الابن الشرعى سيزوستريس الأول – الذي يعد ثاني ملوك الأسرة الثانية عشرة بعد والده – انتصر على المؤامرة وقضى عليها ومنع أخيه من اعتلاء عرش حكم مصر وأصبح أحد أعظم الملوك في التاريخ المصري،دامت سلطته لمدة خمسة وأربعين عامًا على صعيد مصر العليا والسفلى حيث كان فرعونًا ذكيًا، واستراتيجيا جيدًا وبانيًا عظيمًا.وقد تمت محاكمة المتاَمرين.
واختتم الدكتور محمد خفاجي بأن مصر الفرعونية عرفت كذلك جريمة المساس بأمن الوطن، ومنها التهرب من شرف الجندية، وكذلك عصيان أوامر وتعليمات القادة ورؤساء الجيش وهي من الجرائم الماسة بالشرف والاعتبار العسكري وكانت عقوبتها الطرد وكان يتم إعلان ذلك في مكان عام، وأيضا جريمة التجسس والتخابر مع الأعداء، وكانت العقوبة رادعة مستمدة من الوسيلة التى ارتكبت بها الجريمة، وكما ذكر ديودور الصقلي أنه كان يقطع اللسان في حالة التخابر الشفهي، وتقطع الأصابع في حال التخابر بالكتابة.
مصدر الخبر | موقع القاهرة 24