أحوال محاكم مصر
بعد واقعة “نيرة صلاح”.. الابتزاز الإلكترونى بين الإباحة والتجريم..والنقض تنهى الأزمة
بعد واقعة "نيرة صلاح".. الابتزاز الإلكترونى بين الإباحة والتجريم..والنقض تنهى الأزمة
شهدت محافظات مصر خلال الآونة الأخيرة، العديد من جرائم الابتزاز الإلكترونى التي أثارت الرأي العام بشكل كبير على منصات السوشيال ميديا، في وقت تنوعت دوافعها، ما بين تهديد بصور وفيديوهات، وتصوير داخل الحمام، ولعل آخرهم قضية طالبة العريش نيرة صلاح الزغبي، والتي لقيت مصرعها في المدينة الجامعية بالعريش، ووجود شكوك حول تعرضها للابتزاز من صديقاتها بصور التقطها لها بدورة المياه، وهو ما نتج عنه صدور قرار من النيابة العامة باستخراج جثمان الفتاة وتشريحه لمعرفة حقيقة الوفاة.
والابتزاز من الناحية اللغوية هو محاولة الحصول على مكاسب مادية أو معنوية عن طريق الإكراه المعنوي للضحية، وذلك بالتهديد بكشف أسرار أو معلومات خاصة، والابتزاز بهذه الصورة يمتد ليشمل جميع القطاعات، فنجد ما يسمى بالابتزاز السياسي والابتزاز العاطفي والابتزاز الإلكتروني، وتعد جريمة الابتزاز الإلكتروني من الجرائم المستحدثة بفعل التقدم الكبير في تكنولوجيا المعلومات، مما جعل من العالم قرية صغيرة، وسهل الكثير من أمور الحياة، ولا يخفى ما لهذا التطور من فوائد في النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعلمية إلا أنه لم يخلو من مواطن خلل، فقد سهلت لظهور نوع من المرجمين يستخدمون هذه التقنيات لتنفيذ جرائمهم بواسطتها، الابتزاز الإلكتروني هو الابتزاز الذي يتم باستخدام الإمكانيات التكنولوجية الحديثة ضد ضحايا أغلبهم من النساء لابتزازهم ماديا أو جنسيا.
الابتزاز الإلكتروني بين الإباحة والتجريم
في التقرير التالي، يلقى “برلماني” الضوء على جريمة الابتزاز الإلكتروني التي باتت تشكل ظاهرة خطيرة على الأشخاص والمجتمعات على الرغم من أنه بات معروفاً لدى أغلبية مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي ومستخدمي الهواتف الذكية من أن البيانات الشخصية والصور يمكن سرقتها أو استدراج الضحية للحصول على صور أو فيديوهات لاستخدامها فيما بعد لابتزاز الضحية إلا انه حتى الآن لم تقم مصر بتشريع يمكن من حماية الضحية من الابتزاز الإلكتروني – بحسب رئيس المحكمة السابق والمحامي أحمد عبد الرحمن الصادق.
المشرع لم ينص صراحة على عقوبة للابتزاز الإلكتروني
في البداية – نجد أن الضحية تنصاع في أغلب الأحوال لطلبات المبتز خوفاً من الفضيحة وخاصة أن المحاكمات تكون علنية وأن الأحكام يسهل نقضها، وبالتالي نجاة الجاني من العقوبة، وذلك لقيام القاضي بالقياس على مواد أخرى في قانون العقوبات حتى يجد عقوبة مناسبة للجاني وهو الأمر الذي يمنعه القانون “حيث إنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص” – وعلي الرغم من صدور قانون تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 في مصر إلا أن المشرع لم ينص فيه علي جريمة الابتزاز الاليكتروني علي الرغم من تجريمه الدخول غير المشروع علي المواقع والصفحات والحصول علي البيانات الشخصية لمستخدمي الموقع والصفحات ومعالجتها إلكترونيا، وكذا الاعتداء علي الحياة الخاصة والقيم الاسرية…….الخ، وخطة المشرع في الاغفال قد يكون لها ما يبررها، إذ أن نصوص قانون العقوبات الحالي كفيله بالعقاب علي الابتزاز الالكتروني، بل قد تتعدد الجرائم في حق المبتز، إذ يسند إليه احدي جرائم تقنية المعلومات بالإضافة إلي جريمة التهديد المنصوص عليها في قانون العقوبات وعندئذ، تطبق عقوبة الجريمة الأشد طبقا للمادة 32 عقوبات، وذلك متي توافر الارتباط الذي لا يقبل التجزئة – وفقا لـ”الصادق”.
المبتز في القانون المصري
فنجد المادة 327 من قانون العقوبات المصري تحمى المبتز بالنص على كل من هدد غيره كتابة بارتكاب جريمة ضد النفس أو المال معاقب عليها بالقتل أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة أو بإفشاء أمور أو نسبة أمور مخدوشة بالشرف، وكان التهديد مصحوبا بطلب أو بتكليف بأمر يعاقب بالسجن، ويعاقب بالحبس إذا لم يكن التهديد مصحوبا بطلب أو بتكليف بأمر وكل من هدد غيره شفهيا بواسطة شخص أخر بمثل ما ذكر يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين أو بغرامة لا تزيد على 500 جنيه سواء أكان التهديد مصحوبا بتكليف بأمر أم لا، كل تهديد سواء أكان بالكتابة أم شفهيا بواسطة شخص آخر بارتكاب جريمة لا تبلغ الجسامة المتقدمة يعاقب عليه بالحبس مدة لا تزيد على 6 أشهر أو بغرامة لا تزيد على 200 جنيه – الكلام لـ”الصادق”.
إذن حتى يتم معاقبة المبتز يجب أن يبتز أو يهدد ضحيته أما عن طريق الكتابة، ولا يكون التهديد مجرماً إذا كان شفاهة إلا إذا تم بواسطة شخص آخر أي أن المبتز حين يهدد ضحيته بنفسه، ولكن شفاهة فهو خارج إطار المحاسبة قانوناً ويمكن أن ينجو بفعلته.
هل قانون مكافحة جرائم الإنترنت يحمى البيانات أو خصوصية المستخدم؟
ولعل المشرع المصري حين صاغ قانون مكافحة جرائم الإنترنت لم يكن يعي أن جريمة الابتزاز والتهديد باستخدام البيانات الشخصية للضحية أو صورها والمتحصلة باستخدام الإنترنت هي من جرائم الإنترنت لذا لا نجد أى إشارة ولو من بعيد حول هذه الجريمة، فنجد المادة (12 ) من قانون جرائم الإنترنت تنص على أن: “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين و غرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تجاوز 100 ألف جنيه، كل من حاز أو أحرز أو صنع أو أنتج أو استورد أو صدر أو تداول بأية صورة من صور التداول أي أدوات أو برامج مصممة، أو محورة، أو شفرات أو رموز، بغرض استخدامه في ارتكاب أو تسهيلا ارتكاب أية جريمة، أو إخفاء آثار أو أدلة أيمنا لجرائم المنصوص عليه في هذا القانون”.
وبالنظر في نص هذه المادة نجد أنها تعاقب فقط على استخدام البيانات أو الأدوات لارتكاب أو تسهيل ارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون فقط، وليس في قانون العقوبات بأكمله اى أنها لا تحمى البيانات الشخصية للضحية ولا تعاقب على انتهاك خصوصية المستخدم أو استخدام بياناته أو تحوريها كما يحدث مع صور الفتيات وتركيبها على صور أخرى لتصوير الفتاة الضحية على أنها من الباغيات، وحين حاول القانون التطرق لحماية البيانات الشخصية الخاصة بالمستخدم جاء بنصوص ناقصة ولا تضمن الحماية الحقيقية للبيانات أو لخصوصية المستخدم.
ثغرة عدم الحماية على البيانات الشخصية الموجودة على البريد الإلكتروني
ولم يقم القانون بحماية حقيقية ضد استخدام البيانات الشخصية في أمر يسيئ لصاحبها بل اكتفى بحماية البريد الإلكتروني فقط وليس البيانات إلى يحويها البريد الإلكتروني أو البيانات الموجودة بالفعل على جهاز الضحية والذي يمكن اختراقه، فنص في المادة (11) يعاقب بالحبس وبغرامة لا تجاوز خمسة آلاف جنيه كل من استخدم بريدا إلكترونياً لا يخصه في أمر يسيئ إلى صاحب البريد، أي أن استخدام البريد الإلكتروني في أمر لا يسئ لصاحبه لا يدخل ضمن مجال التجريم ولكن المشرع حفظاً لماء الوجه وحتى يساير تشريعات معظم الدول العربية إلى أولت الجرائم الالكترونية الاهتمام الكافي.
وجاء بالنص في المادة (9) على أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وبغرامة لا تجاوز 10 آلاف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اتلف أو أبطأ أو عطل أو اخترق بريدا الكترونياً أو موقعاً خاصاً إذا كان البريد أو الموقع خاصا بآحاد الناس، أما إذا كان خاصاً بأحد الأشخاص الاعتبارية الخاصة تكون العقوبة الحبس وغرامة لا تجاوز 50 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وإذا كان البريد الإلكتروني يخص الدولة أو أحد الأشخاص الاعتبارية العامة تكون العقوبة السجن وغرامة لا تجاوز 50 ألف جنيه.
أى أنه لا حماية على البيانات الشخصية الموجودة على البريد الإلكتروني، بل الحماية تشمل عدم استخدامه في أمر يسيئ لصاحبه وعندما تحدث المشرع عن اختراق البريد لم يتحدث عن حماية البيانات نفسها التي يحويها البريد، ولكنه عوضاً عن الحماية الكاملة للبيانات ضد اى اختراق من أي شخص قام المشرع بالنص في المادة (13) من نفس القانون على يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وغرامة لا تقل عن 3 آلاف جنيه ولا تجاوز 15 ألف جنيه كل مزود خدمة أفشى بغير إذن أو طلب من إحدى جهات التحقيق، البيانات الشخصية لأي من مستخدمي خدمته، أو أي معلومات أخرى تتعلق بالمواقع التي يدخل إليها، أو الأشخاص والجهات التي يتواصل معها، وتتعدد عقوبة الغرامة بتعدد المجني عليهم من مستخدمي الخدمة.
رأى محكمة النقض في الأزمة
ويستقر قضاء النقض على أن ركن التهديد في جريمة الحصول بالتهديد على مبلغ من النقود ليس له شكل خاص، فهو يتحقق بحصول التهديد كتابة أو شفاهه أو بشكل رمزي، وتتخذ الكتابة أي صورة كرسائل إلكترونية، بما يسمح بدخول وسائل التواصل الاجتماعي ضمن الركن المادي لجريمة التهديد باعتبارها من جرائم القالب الحر التي لا تستلزم أن يحصل التهديد من خلال وسائل محددة حصريا أو شكل بعينه بل يكفي وقوع التهديد بأي وسيلة.
ويكفي لتحقق القصد الجنائي أن يثبت للمحكمة أن الجاني ارتكب التهديد وهو يدرك أثره من حيث إيقاع الرعب في نفس المجنى عليه، وأنه يريد تحقيق ذلك الأثر بما قد يترتب عليه من أن يذعن المجنى عليه راغماً إلى إجابة الطلب، وذلك بغض النظر عما إذا كان قد قصد إلى تنفيذ التهديد فعلاً ومن غير حاجة إلى تعرف الأثر الفعلي الذى أحدثه التهديد في نفس المجنى عليه، كما لا يعيب الحكم إغفال التحدث عن أثر التهديد في نفس المجنى عليه و ما يقال من أن المتهم لم يكن جاداً فى تهديده، وذلك طبقا للطعن رقم 30 لسنة 39 قضائية.
ويلاحظ أن المشرع قد غاير في عقوبة المادة 327 عقوبات على النحو التالي: أ-إذا كان التهديد جسيما وكان كتابيا، وكان مصحوبا بالطلب أو التكليف بأمر تكون العقوبة الحبس عامين، ب- إذا كان التهديد جسيما وكان كتابيا وكان غير مصحوب بطلب أو تكليف بأمر فعقوبته الحبس عامين، ج- إذا كان التهديد جسيما وكان شفويا فعقوبته الحبس مدة لا تزيد عن سنتين أو الغرامة التي لا تزيد عن 500 جنيه، ء-وإذا كانت التهديد بسيطا فعقوبة الحبس لمدة لا تزيد عن ستة أشهر أو الغرامة التي لا تزيد عن مائتي جنيه.
أحكام قضائية تعالج ظاهرة الابتزاز الإلكترونى
هذا وقد أصدر الدكتور القاضي محمد عبدالوهاب خفاجى، عدد من الأحكام التي تصدت للإبتزاز الالكترونى الجنسى عبر السوشيال ميديا حفظاً للأعراض والتى يروح ضحيتها أرواح الأبرياء خوفاً من تأثير الإبتزاز الإلكترونى على سمعتهم، ومثل تلك الأحكام التى تعالج الظواهر الاجتماعية الخطيرة يجب الوقوف أمامها طويلاً من المجتمع ليتشارك فى المسئولية سواء من العلماء المختصين بمعالجة السلوك الإنسانى أو من وسائل الإعلام أو منظمات المجتمع المدنى أو من الأجهزة المعنية بشئون المرأة، بقصد إبراز الجانب المضيء منها للناس لتحقيق الردع العام.
ونعرض لأهم حكمين صادرين من دائرة الفحص بالمحكمة الإدارية العليا خلال 3 سنوات مضت، فقد حذرت المجتمع من الإبتزاز الإلكترونى عبر الشوشيال ميديا حفظاً للأعراض، وأكدت فيهما المحكمة على أن أسوأ أنواع وباء العصر الإبتزاز بالعنف المشوه للمرأة نفسياً المهدد للحياة وضحيته أرواح الأبرياء، وأن التخلّف الثقافي والتدهور التعليمي والتربويّ بمثابة الأرضية الثقافية للمجتمع التي تُشرّع إبتزاز المرأة، وتوفّر الحماية والمبرّراتِ للجاني لمكانته، ويجب على وسائل الإعلام والمؤسسات المعنية بشئون المرأة ومنظمات المجتمع المدني دور كبير فى مواجهة الإبتزاز الإلكترونى حفظاً للأعراض.
أولاً: الحكم القضائى الأول يتعلق بالإبتزاز الإلكترونى من إمراة ضد رجل
1- ادعت عليه بأنه يبتزها بغرض إقامة علاقة غير مشروعة معها كذباً عبر الميديا وانقلب السحر على الساحرة
ومن بين هذه الأحكام الحكم الأول صادر من دائرة الفحص بالمحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار صلاح هلال نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى ومحسن منصور، نائبى رئيس مجلس الدولة بجلسة 23 يناير 2021 فى الطعن رقم 27508 لسنة 64 ق.عليا، وكانت الواقعة تتعلق بقيام المتهمة الطاعنة (ش.ح.م) وتعمل باحث قانونى بمديرية الشباب والرياضة بالجيزة بالتشهير بالمشكو فى حقه (ش.ع.م) مدير مركز شباب كفر نصار تتهمه زوراً بتهديدها بإقامة علاقة غير مشروعة معها للتهرب من سداد مبلغ 11 ألف جنيه اقترتضها منه بحجة مرضها.
واستولت عليها بل ادعت عليه بهتانا بأنه يبتزها بغرض إقامة علاقة غير مشروعة معها على غير الحقيقة عبر الميديا وانقلب السحر على الساحرة فأضحت هى التى تبتزه قاصدة القاء الرعب والخوف فى نفسه حتى تتهرب من سدادها مبلغ القرض وأساءت من أقرضها قرضا حسناً وَجَاءت عليه بإدعاء كذب وسولت لها نفسها أمراً فاعتصم بالله وصبرَ صبرُ جميل وجاء الشهود بحسن خلقه واصفون حتى تبين أنه برئ من هذا الابتزاز براءة الذئب من دم بن يعقوب، ويكون عقابها بوقفها عن العمل لمدة شهر صحيحاً ويتعين رفض طعنها.
2- التهديد الخادش للشرف يستوى فيه الكتابة أو شفاهة بواسطة شخص أخر
قالت المحكمة، إنه نظرا لخطورة الابتزاز أو التهديد على المجتمع فقد جرَم المشرع المصرى في قانون العقوبات وفقا للمادتين 326 و 327 منه كل من حصل بالتهديد على إعطائه مبلغاً من النقود أو أى شيء آخر ورصد له عقوبة عند اكتماله وأخرى عند الشروع فيه، كما جرَم كل من هدد غيره كتابة بارتكاب جريمة ضد النفس أو المال معاقب عليها بعقوبة مشددة أو بافشاء أمور أو نسبة أمور مخدوشة بالشرف وكان التهديد مصحوبا بطلب أو بتكليف بأمر، وكذلك إذا لم يكن التهديد مصحوبا بطلب أو بتكليف بأمر وكل من هدد غيره شفهيا بواسطة شخص أخر بمثل ما ذكر سواء أكان التهديد مصحوبا بتكليف بأمر أم لا، وكل تهديد سواء أكان بالكتابة أم شفيها بواسطة شخص أخر بارتكاب جريمة لا تبلغ الجسامة المتقدمة.
3- لا يهم الأسلوب الذي يصاغ فيه الابتزاز أو التهديد طالما قصد ترويع الضحية
وأضافت المحكمة، أن التهديد يتحقق بمجرد توجيهه لإحداث أثر الخوف والقاء الرعب في نفس من وجهت إليه، ولا عبرة بالأسلوب أو القالب الذي تصاغ فيه عبارات التهديد متى كان المفهوم منها أن من وجهها قد قصد ترويع المتلقى على أداء ما هو مطلوب. ذلك أن المشرع في المادة 327 عقوبات نص على عقاب كل من هدد غيره كتابة بارتكاب جريمة ضد النفس أو المال – إذا كان التهديد مصحوباً بطلب أو بتكليف بأمر – لم توجب بصيغتها العامة أن تكون عبارة التهديد دالة بذاتها على أن الجانى سوف يقوم بنفسه بارتكاب الجريمة إذا لم يجب إلى طلبه، بل يكفى أن يكون الجانى قد وجه التهديد كتابة إلى المتلقى وهو يدرك أثره فى حيث إيقاع الرعب فى نفسه وأنه يريد تحقيق ذلك الأثر بما قد يترتب عليه أن يذعن راغماً إلى إجابة الطلب بغض النظر عما إذا كان الجانى قد قصد إلى تنفيذ التهديد فعلاً أم لا، ومن غير حاجة إلى تعرف الأثر الفعلى الذى أحدثه التهديد فى نفس الضحية.
4- التلصص الإلكترونى على الحياة الخاصة للمواطنين بدأ يتفشي في المجتمع المصرى نتيجة إساءة استعمال وسائل التواصل الاجتماعي وضعف الوازع الدينى والخلقى
وسجلت المحكمة في حكمها أن انتشار ظاهرة الإبتزاز الإلكتروني حديثا التى بدأت بالتفشي في المجتمع المصرى عن طريق وسائل الاتصال مع المبتزين في وسائل التواصل الاجتماعي بأشكالها المختلفة فيسبوك وتويتر-X- وانستجرام وغيرها مما تكشف عنه الوسائل الحديثة نتيجة إساءة استعمال وسائل تكنولوجيا العصر وضعف الوزاع الدينى والخلقى والتى تبدأ بعملية تهديد بنشر صور أو فيديو أو معلومات شخصية و حساسة إذا لم ترضخ الضحية لطلبات المبتز التى تدور حول دافع الانتقام للتشفى أو دفع مبالغ مادية أو التهرب من سداد دين أو القيام باعمال غير مشروعة أو القيام بأعمال منافية للأخلاق أو الافصاح عن معلومات سرية والتى تُستخدم فيها ارسال البرامج الخبيثة التى تمكّن المبتز من حرية الوصول إلى معلومات جهاز الضحية و ملفاته، أو اتلاف الملفات القائمة، أو حجز هذه الملفات رهينة عن طريق تشفيرها لجعل الضحية يرضخ لطلباته مما يتعين معه وجوب الحذر حفظا لسمعة العائلات مع الشدة اللازمة لكل من تسول له نفسه التلصص الإلكترونى على الحياة الخاصة للمواطنين.
ثانياً: الحكم القضائى الثانى يتعلق بابتزاز العنف الجنسى من رجل ضد إمرأة
ومن هذه الأحكام المضيئة الحكم الثانى أصدرته دائرة الفحص بالمحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين محسن منصور وشعبان عبد العزيز نائبى رئيس مجلس الدولة بجلسة 30 أغسطس 2022 فى الطعن رقم 47445 لسنة 64 ق.عليا ويتعلق بواقعة قيام المتهم (أ.ك.ع) المدرس بإحدى مدارس للغات بأسيوط بتحرير قصاصة ورقة وضمنها عبارات بذيئة غير لائقة وتخدش الحياء تعف المحكمة عن ذكرها لقذارتها فى حق زميلته (م.ح.ف) المُدرسة بذات المدرسة وألصقها على سيارتها الخاصة أثناء توقفها وقام بتصويرها وهو ما ثبت فى حقه بموجب تقرير إدارة أبحاث التزييف والتزوير بأسيوط بمصلحة الطب الشرعى بوزارة العدل بعد استكتابه بأن الخط المحرر به قصاصة الورق السالفة هو خطه وعباراته صادرة من يده، وهى عبارات مسيئة ومشينة وخادشة للحياء تمس بشرف وكرامة تلك السيدة و تمثل سباً و قذفاً و تشهیراً بها، وتحض على العنف الجنسى ضد المرأة , وتكون مجازاته بالوقف عن العمل لمدة شهر صحيحاً ويتعين رفض طعنه .
1- المرأة عانت طويلاً من العنف وأسوأ أنواع الإبتزاز الإلكترونى العنف الذى يشوه داخل المرأة نفسياً كإنسان فيهدد الحياة وضحيته أرواح الأبرياء
وقالت المحكمة إن المرأة قد عانت طويلاً من العنف ضدها، وترتب على الثورة الاجتماعية تجريم العنف ضد المرأة في المجتمعات المعاصرة، بيد أن العنف ضد المرأة مازال قائماً تحت صور ومسميات شتى من صناعة روح العصر العاجز عن مواجهة العنف الذي تارة يقتل المرأة، وأسوأ أنواع الابتزاز الإلكترونى هو العنف الذى يشوه داخل المرأة نفسياً وبدنياً كإنسان ليصبح العنف ضدها وباء العصر لا بُراء منه، حتى بات أخطر أنواع العنف ضد المرأة هو ذلك العنف المهدد للحياة وتكون ضحيته أرواح الأبرياء.
2- يجب مواجهة ثقافة العنف ضد المرأة تحت أى ستار سواء ثقافة متوارثة أو عادات أو تقاليد اكتسبها أفراد المجتمع حول المكانة الاجتماعية للصادر منه العدوان
وأضافت المحكمة يجب على المجتمع ككل مواجهة ثقافة العنف ضد المرأة تحت أى ستار سواء ثقافة متوارثة أو عادات أو تقاليد اكتسبها أفراد المجتمع حول المكانة الاجتماعية للصادر منه العدوان ووضعه في موضع السلطان والقوة والتسلط والتفكير الذكورى الذي يقلل من شأن المرأة ويهمش دورها الأسرى والمجتمعى في معظم الأحيان، ذلك أن التخلّف الثقافي والتدهور التعليمي والتربويّ بمثابة الأرضية الثقافية للمجتمع التي تُشرّع إبتزاز العنف الجنسى ضد المرأة، وتوفّر الحماية والمبرّراتِ للجاني، من خلال التربية التي يتلقّاها المعتدى فى أسرته وبيئته ومجتمعه والتي تصوّر له تحليل فعل العنف وكأنّه أمر طبيعي.
مصدر الخبر | موقع برلماني