fbpx
المقالات القانونية

المستشارة هدى الاهواني | تكتب لقاضي أون لاين عن تكنولوجيا التعرف على الصوت في مكافحة الجريمة

نتيجة التطور العلمي والتقني الذي شهد الكثير من المتغيرات في مجال البحث عن الحقيقة وإثباتها؛ ازدادت أهمية العلوم الجنائية في العصر الحديث، وهو أحد العلوم التي تساعد في التحقيقات الجنائية من خلال جمع الأدلة من مسرح الجريمة وتحليلها. فكلما تعددت وسائل وأساليب الجرائم، كلما تطورت أدلة العلوم الجنائية في طرق الكشف عنها، والوقاية منها، والبحث وراء الحقيقة، وتعقب المجرمين. وثبت من الدراسات والبحوث العلمية أن البصمات من أكثر التقنيات الحديثة دقة في التعرف على الجناة، حتى أضحت عنصراً فعالاً في منع الجريمة قبل وقوعها والقبض على الجاني الذي كان بصدد الشروع فيها مباشرة.

والواقع يؤكد أن لكل إنسان شخصيته المستقلة التي تميزه عن غيره من البشر، ليس هذا فقط، بل أن لكل إنسان صفات ومميزات خلقية معينة تفرقه عمن سواه، منها بصماته التي لا يشاركه فيها أحد في الكون حتى إن كان ذلك الشخص هو توأمه المتماثل. ويظن البعض أن البصمة تتمثل في بصمة الأصابع فقط التي تساهم بشكل كبير في الكشف عن الجناة عند ارتكاب جرائمهم، إلا أن المعروف من خلال علوم مسرح الجريمة أن هناك العديد من البصمات الأخرى مثل بصمة العين، والأسنان، والشعر …الخ، ونتناول بالحديث في هذا المقال عن بصمة الصوت.

وتعريف البصمة الصوتية هو مجموعة من الخصائص القابلة لقياس الصوت البشري الحيوي، والتي تحدد هوية الفرد بشكل فريد. فهي نوعاً جديداً من أدلة الطب الشرعي باستخدام صوت الشخص لتحديد حقائق أساسية معينة حول موقف، أو تحقيق، يتضمن التعرف على الصوت بتحليله ومقارنته بصوت شخص أخر باستخدام أنظمة، وبرامج كمبيوتر متقدمة يمكنها تحليل كيفية تدفق الكلمات معاً، والتوقف المؤقت، والتنفس، والأنماط الفريدة الناتجة عن فم كل فرد، واهتزاز الأوتار الصوتية في الحنجرة بفعل هواء الزفير بمساعدة العضلات المجاورة التي تحيط بها.

وقد تكون البصمة الصوتية في بعض الأحيان الدليل الوحيد الذي يتعين على فرق الشرطة والطب الشرعي المضي فيه، والتعامل معه كقرينة يخضع تقدير قوتها الإثباتية لتقدير القاضي بشرط أن يكون قد حصل على ذلك الدليل بإجراءات احترمت فيها القواعد القانونية والعلمية واستعين فيها بوسائل صحيحة ومشروعة.

ومن منطلق أهمية الدراسات البينية في الاتجاهات المختلفة للعلوم والتكنولوجيا، وهي الدراسات التي أثبتت نجاحات كبيرة في الدول الأوروبية، تم افتتاح قسم جديد بكلية الآداب جامعة الإسكندرية في العام الدراسي 2018_2019 يحمل اسم الصوتيات واللغويات القضائية. وهي تجربة فريدة من نوعها في مصر والشرق الأوسط، وتعتمد تلك الدراسة في هذا البرنامج على التعاون بين علمين على درجة كبيرة من الأهمية، ويسهمان في حالة التنسيق بينهما إسهاماً إيجابياً في خدمة المجتمع، ألا وهما دراسة اللغة والقانون. وهدف البرنامج تقديم المساعدات للجهات القضائية لمحاولة الوصول إلى الأدلة من خلال التعرف على صوت الجاني بالتحليل الصوتي والسمعي له، عن طريق استعراض صف من الأصوات المسجلة، وهو ما يعادل أدلة شهود الرؤية التي يتم الاستعانة بها في التحقيقات لمساعدة العدالة، وكذلك عن طريق عمل التحليل اللغوي لكلام المشتبه فيه.

وتعتمد البصمة الصوتية على مبدأين هما أن لكل إنسان جهازاً صوتياً فريداً لا يشابهه أحد فيه، ففي الآية الكريمة:
” حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ”_ الآية 18 من سورة النمل _ فقد جعل الله تعالي بصمة لصوت سيدنا سليمان جعلت النملة تتعرف عليه وتميزه.

وللأصوات علاقة وثيقة بالجرائم والحوادث، فقد تكون الأصوات وسيلة من الوسائل التي ترتكب بها الجريمة، وقد تكون هي الوسيلة الوحيدة في بعض الجرائم كالابتزاز عن طريق التهديد عبر الهاتف، أو بواسطة التسجيل عبر أحد البرامج الحديثة، أو تكون واحدة من أحدث الأسلحة التكنولوجية المستخدمة في الحرب ضد الاحتيال الإلكتروني؛ خاصة وأن بعض الشركات الكبرى تلجأ إلى جعل الكلمة المرورية بالصوت من أجل مكافحة هذا الاحتيال. فالبصمة الصوتية تعد وسيلة ملازمة في جميع مراحل الإعداد، والتحضير، والتنفيذ، والتصرف في الجريمة. وتختلف نبرة الصوت تبعاً لاختلاف حالات صدورها كرد فعل، أو أثناء المقاومة والدفاع عن النفس.

ومع تطور الأساليب الإجرامية في عصرنا الحالي باستخدام الوسائل الفنية الحديثة ، سعي الباحثين في هذا المجال ببذل المزيد من الدراسة والجهد والتعمق لاكتشاف ما هو باطن من العلوم والمعرفة بما يحقق معه السيطرة علي المجرم مهما كانت درجة خطورته ليسود الأمن والأمان ، لذا من المتوقع أن يتم استخدام بصمة الصوت في التحقق من الشخصية عند استخدام الخدمات المصرفية الهاتفية ، أو الخدمات البنكية عبر الأنترنت ، حيث لا تزال بعض البنوك تجد بعض المتاعب في تأمين المعاملات من خلال تلك الوسيلتين ، خاصة بالنسبة للأنترنت الذي يجد القراصنة بين الحين والآخر وسائل جديدة للنفاذ منه. كما سيكون لها من الدلائل القوية في رصد بعض الجرائم مثل التهديد والرشوة وجرائم الاختطاف، المستخدم فيها الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر في وقت ما للتواصل. وهذا يترك آثاراً رقمية للاتصال يمكن اكتشافها لاحقًا، وتحليلها، وإعادة بنائها، لمساعدة المحققين في تحديد مكان المشتبه فيه وتقديمه إلى العدالة.

ومن مميزات البصمة الصوتية؛ أنها لا تحتاج إلى أجهزة متخصصة لالتقاط البيانات الحيوية من الشخص مثل بصمة الأصبع، وبصمة العين، فسماعة الهاتف أو لاقط الصوت المرفق مع أجهزة الحاسوب كافي بالقيام بتلك المهمة. أما السلبيات فنجدها في تأثر البصمة الصوتية بكل من (الضوضاء التي تحجب أو تغير في الموجات الصوتية، والحالة النفسية للمتحدث، وتطور أجهزة التقنية التي مكنت المحتالين من تغيير خصائص الصوت).

لذا من الأهمية مواكبة كل تحديث يطرأ على علوم الصوتيات واللغويات القضائية في دول العالم الذين سبقونا في هذا المجال، مع التوعية والدراية الجيدة بأصول المعرفة اللغوية في الأدلة القانونية، حتى تنتشر المعرفة بتلك البرامج، وتستفاد منه الجهات القضائية مستقبلاً بدمج علوم الصوتيات واللغويات والقانون في التطبيقات الحياتية في مجال القضاء.

وختاماً كل التقدير للدكتورة مرفت محمد أحمد فشل أستاذ الصوتيات التجريبية ورئيس مجلس قسم الصوتيات واللسانيات، والدكتورة سهام القارح أستاذ قسم اللغويات _ بكلية الآداب جامعة الإسكندرية على جهودهم المبذولة في هذا التخصص النادر بصفتهن المنسقين له تحت رعاية كل من الدكتور عصام كردي رئيس جامعة الاسكندرية والدكتورة غادة موسى عميد كلية الآداب.

اترك تعليق

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock