على مقعد رئاسة محكمة الجنايات فى الإسكندرية، جلس لسنوات وهو يمسك بميزان العدالة فى قضايا هزّت ضمير المجتمع واهتمام الإعلام والرأى العام منذ نهاية السبعينيات، لم تكن مهمته سهلة، فقد تراوحت الملفات أمامه بين جرائم القتل العمد، وقضايا الإرهاب، وملفات الفساد، المستشار محمد أحمد شعيب، رئيس محكمة جنايات الإسكندرية الأسبق ومستشارا بمحكمة القيم، بملامح هادئة وصوت رصين.
المستشار محمد شعيب رئيس محكمة الجنايات الأسبق يكشف كواليس محاكمة قتلة السادات وجرائم الجماعة الإرهابية
كان يقود الجلسات بحزم القاضى وخبرة السنين، مدركًا أن كل كلمة ينطق بها يمكن أن تغيّر مصائر وتكتب تاريخًا فى هذا الحوار، نستعيد معه أهم المحطات فى مسيرته، ونكشف كواليس القضايا التى لا تزال عالقة فى ذاكرة القضاء المصرى منذ أن كان وكيلًا للنائب العام فى ذلك الوقت.
اليوم السابع فى حوار مع المستشار محمد أحمد شعيب، بعد عقود من العمل فى محراب العدالة، وقيادة جلسات شهدت قضايا أثارت الرأى العام، يفتح رئيس محكمة الجنايات الأسبق قلبه وذاكرته لنا، ليحكى عن أهم وأبرز القضايا.
فى البداية كشف المستشار محمد شعيب، عن أبرز القضايا التى لا تزال عالقة فى ذاكرته، منها جرائم قتل عمد هزّت الشارع، وقضايا إرهاب استهدفت الدولة، حيث أشار إلى أن من أبرزها قضية قيام جماعة الإخوان المدعومة بالجماعات الإسلامية، ففى عام 1980 ارتكب الفكر الإخوانى جرائم بشعة، منها إباحة أموال المسيحيين وإجازة سرقتها، وهذا النهج المتطرف هو فكر الجماعة الإرهابية.
وقد ارتكبوا جرائم سرقة محلات الذهب المملوكة للمسيحيين فى مدينة نجع حمادى بمحافظة قنا، وتحديدًا فى ظهر يوم الجمعة وقت الأذان، حيث قام خمسة من المتطرفين الإخوان بارتكاب مجزرة بقتل أصحاب ستة محلات ذهب متجاورة وعدد من المواطنين كانوا يتسوقون، ما أسفر عن مقتل 14 شخصًا وإصابة 16 آخرين.
وتابع: وعقب إخطار مأمور القسم بالواقعة، أخطر النيابة العامة، وكنت فى ذلك الوقت وكيلًا للنائب العام، قمت بإجراء المعاينة التصويرية، وأمرت بالتحفظ على المحلات ونقل الجثث والمصابين إلى المستشفيات، استمر التحقيق فى القضية شهرًا كاملًا وتضمن 800 ورقة، انتقل مساعد وزير الداخلية ومفتش الأمن العام للواقعة، وتم القبض على متهم واحد على أنه الفاعل.
لكن التحقيقات أثبتت أن مرتكبى الواقعة خمسة أشخاص ملثمون يستخدمون سيارة بلا لوحات ويحملون بنادق آلية، كما تبين أن المصوغات المسروقة تجاوزت 150 كيلو ذهب وآلاف الجنيهات، وعند عرض المتهم على النيابة تبيّن أنه لا ينطبق عليه الوصف، فأمرت بإخلاء سبيله، وتكليف فريق البحث بالتحرى عن الجناة، وأصدرت قرارًا بـ”ألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية” لعدم كفاية الأدلة.
وأضاف المستشار محمد شعيب: “عقب نقلى إلى نيابة الحوادث غرب الإسكندرية فى ذلك الوقت، ارتكب الإخوان واقعة اغتيال الرئيس محمد أنور السادات أثناء احتفاله مع القوات المسلحة بعيد النصر فى 6 أكتوبر، وعقب هذه الجريمة تم القبض على الإخوان والجماعات الإسلامية.
واعترف المتهمون بارتكاب حادث اغتيال السادات، وكذلك جرائم قتل أصحاب محلات الذهب فى نجع حمادى وعين شمس، بغرض تمويل الأعمال الإرهابية، وأمر المحامى العام لأمن الدولة آنذاك بضم قضية قتل أصحاب محلات الذهب فى نجع حمادى، وبعد الاطلاع على ملفها، تم استدعائى للمشاركة فى التحقيق فى مقتل الرئيس السادات، حيث توليت التحقيق مع أحد كوادر الجماعات الإسلامية ويدعى “صفوت”، وقد اعترف بالتخطيط والمشاركة فى الاغتيال”
وتابع: “الإخوان لا يمتون إلى الدين الصحيح بصلة، ولا يعرفون حرمة الدماء التى حرمها الله، وبعد مقتل السادات حاولوا بث الفوضى فى البلاد، ومنها محاولة محاصرة مديرية أمن أسيوط، لكن رجال الشرطة والجيش ضحوا بأرواحهم للتصدى لهم، وتكرر المشهد فى ثورة 30 يونيو عندما ارتكبوا جرائم قتل وتفجير فى سيناء بهدف الاستيلاء على الحكم، ولولا الجيش والشرطة والشعب لصرنا مثل الدول المجاورة التى تشهد صراعات دامية”
وأشار المستشار محمد أحمد شعيب، إلى أن قضايا أخرى شغلت الرأى عام من بينها مقتل طالب بكلية التجارة، حيث كان الطالب وحيد أسرته، ووالده اشترى له سيارة يعمل بها، استدرجه متهمان لسرقته وسرقة السيارة، وبعد أن خطفاه فى منطقة الكنج دفناه حيًّا وهو يرتدى ملابسه حتى مات، حكمت عليهم بالإعدام، وتم تأييد الحكم لاحقًا.
وتابع: قضية أخرى وهى مقتل أستاذ جامعى على يد طالب قريبه: المجنى عليه كان أستاذًا بجامعة كفر الشيخ ومنتدبًا للعمل بدولة عربية، وكان يساعد طالبًا بجامعة الإسكندرية ماديًا، ذات مرة دخل الطالب شقته بالإسكندرية بعد أن وسوس له الشيطان بوجود مبالغ كبيرة بحوزته، فطعنه وقتله، وقطع جثته ووضعها فى حقيبتين ألقاهما بمنطقة ملاحات المكس، وبعد أيام عُثر على الجثمان، وتعرفت عليه أسرته من علامة فى يده.
واعترف المتهم لاحقًا بالواقعة، وبعد إذن النيابة تم تفريغ مواسير البانيو بالشقة، فأكد الطب الشرعى وجود آثار دماء تعود للمجنى عليه، أحيلت القضية إلى جنايات الإسكندرية التى قضت بإعدام المتهم، قال المستشار شعيب: شعرت بضيق شديد وقتها، إذ لم يكن جزاء مساعدة الأستاذ الجامعى إلا القتل والغدر،
وأوضح المستشار محمد شعيب أنه خلال إعارته للعمل رئيسًا لمحكمة جنايات دبى، قام بتطوير آليات العمل بالمحكمة من خلال تسريع الفصل فى القضايا، بحيث لا تتجاوز مدة التقاضى فى بعض القضايا 3 أشهر فقط، مؤكدًا أن القوانين هناك متقاربة مع القوانين المصرية.
السيرة القضائية للمستشار محمد أحمد شعيب
تخرّج عام 1977، وعُيّن فى النيابة عام 1978 فى نيابة بندر قنا ونيابة نجع حمادى مديرًا لـ النيابة العامة، انتقل للعمل فى نيابة حوادث غرب الإسكندرية عام 1981، ثم نيابة الدخيلة حتى عام 1985، عُيّن قاضيًا بمحاكم المدنى والتنفيذ، ثم رئيسًا لدائرة بمحكمة الإسكندرية، ثم رئيسًا للنيابة العامة من 1991 حتى 1995 رُقّى إلى درجة مستشار، وانتُدب للعمل بجهاز التفتيش القضائى، أُعير إلى الكويت قاضيًا من 1997 حتى 2001.
عاد للعمل رئيسًا لجنايات الإسماعيلية (2001 – 2002)، ثم رئيسًا لجنايات المنصورة (حتى 2005)، ثم رئيسًا لجنايات الإسكندرية (2005 – 2010)، أُعير إلى دبى رئيسًا لجناياتها حتى 2016، ثم عاد رئيسًا لجنايات الإسكندرية حتى 2024، أصدر وزير العدل قرارًا بتعيينه مستشارًا بمحكمة القيم العليا،كان أصغر رئيس لمحكمة جنايات فى مصر حيث تولى المنصب عام 2001.
مصدر الخبر | موقع اليوم السابع
