كتبت المرأة المصرية فصلاً جديداً فى سجل العدالة، ليس كرمز للمساواة، بل كركيزة أساسية فى بناء دولة القانون، وشهدت النيابة العامة خلال السنوات الأخيرة خطوات غير مسبوقة نحو تمكين المرأة،
بعد غياب أكثر من 70 عاماً لأن دخول المرأة للنيابة العامة لم يكن مجرد قرار إدارى، بل جاء استجابة لتوجيهات رئاسية مباشرة بتفعيل الاستحقاق الدستورى فى المساواة وعدم التمييز،
وتكريس دور المرأة فى مؤسسات العدالة على قدم المساواة مع الرجل، فجاء هذا التمكين كجزء من بنية العدالة الحديثة، وخطوة نحو قضاء أكثر شمولاً، ومجتمع أكثر إنصافاً،
ودولة أكثر تقدماً، ويعكس هذا التوجه قناعة الدولة بأن العدالة لا تكتمل إلا بمشاركة جميع أطراف المجتمع،
وأن المرأة قادرة على أداء دورها فى أرفع مؤسسات التقاضى، بما يليق بتاريخها وكفاءتها.
فى يونيو 2021 أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسى توجيهاً واضحاً إلى وزير العدل بالتنسيق مع مجلس القضاء الأعلى ومجلس الدولة لفتح أبواب النيابة العامة أمام المرأة،
فى خطوة كسرت الحاجز الزجاجى الذى حال دون وصول النساء إلى هذه المناصب العليا، فلم يكن القرار رمزياً أو شكلياً، بل جاء بعد أن أثبتت المرأة كفاءتها العلمية والعملية،
حيث وصلت إلى أعلى درجات التعليم القانونى، وأصبحت فقيهة فى الدستور والقانون، فعكس هذا التوجه معياراً جديداً فى التقييم، يقوم على الجدارة وليس النوع،
ويعيد الاعتبار لمبدأ تكافؤ الفرص فى دولة رائدة مثل مصر.
تعيين أول دفعة من السيدات للعمل بالنيابة العامة
وفى يوليو 2021 وافق مجلس القضاء الأعلى على تعيين أول دفعة من السيدات للعمل بالنيابة العامة، وبلغ عددهن 11 قاضية، تم نقلهن من هيئة النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة،
ثم لحقها فى يوليو 2022، صدور قرار جديد بتعيين 26 قاضية إضافية للعمل بالنيابة العامة، ليصل عدد النساء العاملات بالنيابة إلى 37 قاضية،
وهو رقم غير مسبوق فى تاريخ المؤسسة القضائية.
وفى يوليو 2023، استمرت حركة التعيينات، حيث تم قبول دفعة جديدة من خريجات كليات الحقوق والشريعة والقانون للعمل بالنيابة العامة، ضمن دفعة 2022،
بعد اجتيازهن اختبارات الكفاءة والمقابلات الشخصية، ورغم عدم الإعلان الرسمى عن العدد النهائى لهذه الدفعة، فإن المؤشرات تشير إلى أن عدد النساء العاملات بالنيابة العامة ،
تجاوز حاجز الخمسين قاضية، وهو ما يمثل نقلة نوعية فى بنية المؤسسة القضائية، ويؤكد أن التمكين يتم وفقاً لمعايير الجدارة وليس المجاملة.
واعتمد رئيس الجمهورية القرار الجمهورى رقم 446 لسنة 2025، الذى يقضى بتعيين 555 معاوناً بالنيابة العامة من خريجى دفعة 2021، من بينهم سيدات،
حيث تأتى هذه القرارات فى إطار دعم السلطة القضائية بدماء جديدة من الكفاءات الشابة.
المعينات بالنيابة العامة لم يُسند إليهن مهام شكلية، بل تم تكليفهن بالتحقيق فى القضايا الجنائية، وحضور جلسات المحاكم، والمشاركة فى أعمال التفتيش القضائى،
مما يعكس ثقة المؤسسة القضائية فى قدراتهن المهنية، كما تم دمجهن فى الإدارات الفنية والنيابات المتخصصة، مثل نيابة الأسرة والنيابة الاقتصادية،
وهو ما يعزز التنوع داخل المنظومة العدلية ويثرى الأداء القضائى، وقد أدرج المجلس الأعلى للهيئات القضائية تمكين المرأة ضمن أولوياته،
وأصدر قرارات بتوحيد معايير التعيين بين الجنسين، وإلغاء أى قيود كانت تحول دون دخول المرأة إلى النيابة العامة أو مجلس الدولة.
التمكين القضائى للمرأة جاء ضمن الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة 2030، التى أطلقتها الدولة كجزء من أهداف التنمية المستدامة، وأشادت الأمم المتحدة ،
وهيئات دولية أخرى بخطوات مصر فى تمكين المرأة قضائياً، معتبرة أن إدماج النساء فى النيابة العامة يعكس التزاماً حقيقياً بمبادئ العدالة والمساواة.
ورحب المستشار محمد شوقى، النائب العام، بالأعضاء الجدد مهنئاً إياهم على بداية جديدة وصفحة مشرقة فى مستقبل القضاء المصرى، وأنهم يكملون مسيرة مباركة يحملون أمانتها، داعياً إياهم إلى الإنصاف بين الناس حتى يرفع الله قدرهم فى الدنيا والآخرة، وأوصاهم أن يجعلوا من العدل ميزانهم ومن الضمير رقيبهم ومن الحق غايتهم، مطالباً إياهم بأن يكونوا قدوة مشرفة داخل العمل وخارجه، وأن يكون سلوكهم عنواناً لهيبة النيابة العامة ومكانتهم التى تُعد سلطة رفيعة وشُعبة أصيلة من شُعب القضاء، مشدداً على أن القاضى لا يقف عند حد فى العلم بل ينهل من كل جديد، وحثهم على طلب العلم والتعمق فى الفهم.
وأشار إلى أن القرار الجمهورى تضمن لأول مرة فتيات مصريات أثبتن جدارتهن وكفاءتهن فاستحققن بها شرف الانتساب إلى هذا الصرح العريق، فى مشهد يجسد إرادة الدولة فى تمكين المرأة وإعلاء شأنها، ويضيف صفحة مشرقة فى تاريخ النيابة العامة.
مصدر الخبر | موقع الوطن
