المقالات القانونية
فلسفة المُشرّع في حظر الجمع بين منصبين متعارضين شكلًا ومضمونًا بقلم مصطفى الهواري
لقد حرص المُشرّع المصري في نصوص قانون المحاماة المتعاقبة على توضيح عدة أمور لا يجب أن تغيب عن ذهن كل محام أو باحث أو نقابي، تتمثل تلك الأمور في الفارق بين النقابة العامة للمحامين ومجلسها، وبين النقابات الفرعية ومجالسها، حيث صرح بوضوح بتبعية الأخيرة للنقابة العامة، وجاء ذلك في نص المادة رقم (١٢٠) من قانون المحاماة رقم ١٧ لسنة ١٩٨٣م؛ حيث نصت على أن:-
” نقابة المحامين مؤسسة مهنية مستقلة تضم المحامين في جمهورية مصر العربية المقيدين بجداولها، وتتمتع بالشخصية الاعتبارية، ومقرها مدينة القاهرة وتتبعها نقابات فرعية على النحو الذى ينظمه هذا القانون “.
والتبعية هنا تبعية مالية وإدارية، ولا تصطدم إطلاقًا مع ما منحه ذات القانون للنقابة الفرعية من شخصية اعتبارية في تمثيل شئون ومصالح أعضائها في مواجهة الغير.
ويتضح ذلك حينما نستقراء نص ذات القانون في مادته رقم (١٤٤) والتي جاء بها أن:-
” تنشأ نقابات فرعية في دائرة كل محكمة ابتدائية، و يكون لها الشخصية الاعتبارية في حدود اختصاصها.
ولمجلس النقابة العامة أن يقرر إنشاء نقابة فرعية واحدة تشمل اختصاصها أكثر من دائرة محكمة ابتدائية.
ولا يسرى قرارها المذكور إلا بعد موافقة الجمعية العمومية للنقابة المعنية “.
وذلك واضح من تعقيب (المُشرّع) على منحه للنقابة الفرعية الشخصية الاعتبارية في حدود اختصاصها الذي خولها القانون إياه كتابعة للكيان الأصيل وهو النقابة العامة.
ومن الأمور الأخرى التي نبّه عليها المُشرّع تلك المتعلقة بوجود استقلال في الاختصاصات مثلما يوجد تماثل في بعضها.
حيث صرح المُشرّع باستقلال النقابة العامة ببعض الاختصاصات التي لا تشاركها فيها النقابات الفرعية في دائرة اختصاصها المحدود بنطاقها الجغرافي، ومن تلك الاختصاصات، ما نص عليه في المادة رقم (١٤٣) من القانون، حيث نص على أنه:-
” يكون لمجلس النقابة العامة جميع الصلاحيات اللازمة في كل ما يتعلق بإدارة شئون النقابة وتحقيق أهدافها، ويكون له بالإضافة للاختصاصات الأخرى المقررة في هذا القانون الآتي:
1- وضع الضوابط التي تضمن الاشتغال الفعلي بالمحاماة، وربط تجديد الاشتراك السنوي وأداء الخدمة النقابية بالاشتغال الفعلي داخل مصر وخارجها، وتحديث ومراجعة جداول النقابة بشكل دوري.
٢ – قبول العضوية في اتحادات المحامين الدولية والإقليمية، أو الانسحاب منها.
٣ – إصدار مجلة المحاماة، والإشراف على تحريرها.
٤ – وضع النظام الداخلي للنقابة واللوائح والقواعد المالية للنقابة العامة والنقابات الفرعية.
٥ – وضع لائحة الرعاية الاجتماعية والصحية.
٦ – إعداد الموازنة التقديرية المجمعة للنقابة، وحساباتها الختامية المجمعة “.
ومن أهم النصوص القانونية التي أوضحت بجلاء نية المُشرّع المصري في استئثار مجلس النقابة العامة ببعض الصلاحيات والاختصاصات، هو نص المادة رقم (١٥٥) من قانون المحاماة، والتي أورد نصها على النحو الآتي:
” فيما عدا الاختصاصات التي احتفظ بها هذا القانون صراحة لمجلس النقابة العامة يتولى مجلس النقابة الفرعية جميع الاختصاصات المخولة لمجلس النقابة العامة في دائرة النقابة الفرعية وكذلك الاختصاصات الأخرى التي نص عليها هذا القانون “.
ومن ذات النص يستفاد وجود تماثل في بعض الاختصاصات، حيث صرح النص بمنح مجلس النقابة الفرعية جميع الاختصاصات المخولة لمجلس النقابة العامة، وذلك مقصور كما هو معلوم على نطاقها الجغرافي فقط، بعيدًا عما استأثر به القانون لمجلس النقابة العامة وحده.
وفي سبيل تحقيق تلك المجالس للمهام والاختصاصات المنوطة بها، فقد وضع المُشرّع المصري ضوابط وشروط للانتخاب، تساعد على تحقيق الغاية المرجوة من كلٍ منهم.
وجاءت تلك الضوابط والشروط في حق انتخاب مجلس النقابة العامة (نقيب وأعضاء) ثم أحال إليها المُشرّع فيما يخُص مجالس النقابات الفرعية، في إشارة بليغة منه (المُشرّع) إلى تماثل المعاملة والنظرة التشريعية.
ومن تلك المواد والتي تعتبر حجر الزاوية في النظام الإنتخابي في قانون المحاماة؛ المادة رقم (١٣١) منه والتي نصت على أنه:
” يشكل مجلس النقابة العامة من:
1- نقيب المحامين.
٢ – ثمانية وعشرين عضوا.
ويراعى في انتخابهم الآتي:
أولا – أن يكون نصف عدد الأعضاء على الأقل من المحامين المقبولين للمرافعة أمام محكمة النقض أو محاكم الاستئناف.
ثانيا – أن يمثل المحامون في دائرة كل محكمة استئناف بعضو واحد.
ثالثا – أن يمثل المحامون بالهيئات العامة والوحدات الاقتصادية وشركات قطاع الأعمال بثلاثة أعضاء.
ولا يجوز الجمع بين الترشح لمنصب النقيب والترشح لعضوية مجلس النقابة، كما لا يجوز الترشح لمثيل أكثر من فئة من الفئات المذكورة في هذه المادة.
ويتم انتخاب النقيب وجميع أعضاء النقابة من الجمعية العمومية للنقابة “.
ويتضح من فلسفة النص وصياغته اتجاه إرادة المُشرّع إلى عدم جواز الجمع بين الترشح على منصبين داخل المجلس الواحد، وذلك نظرًا لما يمثله ذلك من تعارض صارخ في حال الجمع بين صفتين داخل المجلس في شخص واحد – إذا ما نجح على كلا الصفتين – لما له من تأثير على طريقة التصويت من ناحية نظرًا لاستئثار عضو واحد بصوتين، ومن ناحية أخرى لتعارض الصفات بين صفة نقيب المحامين ورئيس اتحاد المحامين العرب ورئيس اجتماعات مجلس النقابة والممثل الرسمي لها، وبين صفة عضو المجلس التي لها اختصاصات أقل، وكذلك فيما يخص المعاملة التشريعية من حماية في مجال إسقاط العضوية أو المسائلة.
وإذا كان هذا هو الحال فيما يخص حظر المُشرّع للجمع بين الترشح على منصبين داخل المجلس الواحد، فالعلة ذاتها متوافرة بل تكون الغاية أكبر في حظر الجمع بين الترشح على منصبين داخل مجلسين كلٍ منهما يمارس اخصاصات مختلفة أحيانًا ومتماثلة أحيانًا أخرى، بل أن منهم وهو مجلس النقابة العامة يمارس دورًا رقابيًا على الآخر وهو مجلس النقابة الفرعية.
ولما كان حظر الجمع في الترشح – كما سبق وأوضحنا – مفاده الحيلولة دون الجمع الفعلي بين المنصبين المتعارضين داخل المجلس الواحد، حيث بادر المُشرّع باستباق الحظر بداءًة عند الترشح، فمن باب أولى تأبى فلسفته الجمع بين منصبين متعارضين شكلًا ومضمونًا، وفي تفصيل ذلك نوضح الآتي:-
لقد نص المشرع في قانون المحاماة المادة رقم (١٣٢) على أن:
” يشترط فيمن يرشح نفسه نقيبًا أن يكون من المحامين أصحاب المكاتب الخاصة والمقيدين أمام محكمة النقض والذين أمضوا في الاشتغال الفعلي بالمهنة أكثر من عشرين سنة متصلة بالإضافة الى الشروط العامة للترشيح لعضوية مجلس النقابة “.
وهو شرط قصره المُشرّع على المرشح لمقعد النقيب استقلالا دون باقي أعضاء المجلس.
كما أنه ساوى بين الترشح على منصب نقيب المحامين بمجلس النقابة العامة وبين نقيب الفرعية، حيث نص في المادة رقم (١٥٤) على أنه:-
” تشكل هيئة مكتب مجلس النقابة الفرعية من النقيب والأمين العام وأمين الصندوق.
وينتخب مجلس النقابة الفرعية في أول اجتماع له بعد تشكيله الوكيل والأمين العام وأمين الصندوق.
ويشترط في النقيب أن يكون من المحامين الذين يزاولون المهنة استقلالا المقبولين للمرافعة أمام محكمة النقض ممن مضى على اشتغالهم بالمهنة عشرون سنة متصلة على الأقل.
ويكون لهيئة المكتب كافة الاختصاصات المخولة لهيئة مكتب النقابة العامة فى حدود اختصاص النقابة الفرعية “.
وأمام هذه المساواة لا يسعنا إلا القول بأن فلسفة المُشرّع واحدة في التعامل مع منصب النقيب سواء كان يمثل النقابة العامة أو النقابة الفرعية، حيث أشترط مدة معينة تستلزم قدرًا من الحكمة والوقار والخبرة المهنية والعملية، تؤهله للإلمام بمهام منصبه ومتطلباته.
وحينما ننظر أيضًا إلى نص المشرع في المادة رقم (١٥٦) والتي ورد بها أنه:-
” تسري على نظام الترشيح وشروطه وحالات عدم الجمع وطريقة الانتخاب أو الاشراف عليه واسقاط العضوية وشغل الأماكن الشاغرة واجتماعات المجلس وقراراته ومحاضر جلساته، الأحكام المقررة في هذا القانون وفى النظام الداخلي للنقابة بشأن مجلس النقابة العامة “.
وهي إحالة صريحة من المُشرّع فيما يخص ضوابط وشروط الترشح وحالات عدم الجمع وطريقة الانتخاب في النقابة الفرعية، على ذات الضوابط والشروط الواردة في شأن إنتخابات النقابة العامة، تتضح لنا فلسفته أكثر وأكثر.
وبالنظر أيضًا إلى ما أورده بنص المادة رقم (١٤٢) من ذات القانون والتي نصت على أنه:-
” إذا شغر مركز النقيب لأي سبب وكانت المدة الباقية له تقل عن سنة يقوم أقدم الوكيلين مقامه بشرط أن يكون ممن يزاول المهنة مستقلا، فإذا زادت المدة الباقية على سنة يتعين على مجلس النقابة الدعوة الى انتخاب نقيب جديد يكمل المدة الباقية للنقيب الأصلي وذلك خلال ستين يوما من شغل مركز النقيب.
وإذا شغر مكان أحد أعضاء المجلس لأى سبب كان، عين المجلس بدلا منه للمدة الباقية من العضوية المرشح الحاصل على الأصوات التالية في الانتخاب السابق مع مراعاة حكم المادة (١٣١).
وإذا لم يوجد تعين على مجلس النقابة الدعوة الى انتخاب عضو جديد يكمل المدة الباقية للعضو الأصلي، على أن يجرى الانتخاب خلال ستين يوما من تاريخ شغل المكان “.
حيث أننا نجد الفقرة الثانية من المادة تشير بما لا يدع مجالا لأي شك، إلى ضرورة مراعاة الشروط الواردة بالمادة ١٣١ من هذا القانون حال تعيين العضو الحاصل على الأصوات التالية للعضو الذي شغر مكانه لأي سبب (وفاة، إسقاط عضوية، إسقاط قيد …. إلى آخره).
ومن أخص تلك الشروط هو شرط عدم الجمع في الترشح بين منصب النقيب على إطلاقه وبين منصب عضو المجلس على إطلاقه.
وعليه لا يجوز الترشح على منصب نقيب المحامين بمجلس النقابة العامة، ومنصب النقيب الفرعي، والقائل بغير ذلك يُعد متجاوزًا حدود الغاية من التنظيم القانوني الذي قصد به المُشرّع تبعية النقابة الفرعية للنقابة العامة.
ومن باب أولى يأبى المنطق السليم قبول فكرة الجمع بين منصب نقيب فرعية، وعضو مجلس النقابة العامة، نظرًا لما في ذلك من خلق وضع لم ينص عليه المُشرّع، كما تأبآه حكمة تمايز الأدوار والمناصب، ويضحى افتئات سافر على دور المُشرّع بالتدخل لتنظيم مسألة على خلاف ما أفصحت عنه فلسفته التشريعية الواضحة بجلاء من استقراء النصوص السابق تنظيمها.
بقي نقطة واحدة فاصلة.
هل يجوز التذرع بقالة أن الأصل في الأشياء الإباحة، وبالتالي حال عدم النص صراحًة على منع الجمع بين منصبين يجوز الاستناد إلى هذه القاعدة من أجل الجمع بينهما.
بداءًة أقرر بأن ما يعد سكوتًا من المُشرّع هو ما احتاج الأمر منه تدخلًا بالنص عليه وتنظيمه، إلا أن هذا التدخل والتنظيم لم يحدث، كتنظيم مسألة محددة ولم ينص المشرع على تنظيمها.
والفقه وأحكام القضاء مستقران على أن سكوت المشرع في المسائل التنظيمية لا يؤول على أنه منع أو منح.
وبالتالي الاحتجاج بهذه الحجة ليس في صالح القائل بها.
وخلاصة الأمر أن استقراء واقع نصوص قانون المحاماة، وفلسفة المُشرّع والغاية التي على أساسها حظر الجمع بين الترشح على أكثر من صفة أو منصب، قد أقروا بما لا يدع مجالاً لأي شك، بأن ذلك الحظر يطال من باب أولى الجمع بين أكثر من منصب ثبت يقينًا تعارض المصلحة بين ممثلي كل واحد منهم على حدا.
لهذا لا حجة لدى القائل بغير ما أفصحت عنه فلسفة المُشرّع، لاصطدامه بالعقل والمنطق وفلسفة التشريع.
مصدر المقال | موقع نقابة المحامين