المقالات القانونية

استكمالًا لحديث التحكيم والاستثمار والمحكمة الدستورية بقلم زياد بهاء الدين

كتبت الأسبوع الماضى لافتا النظر لمشروع قانون كانت اللجنة التشريعية بمجلس النواب قد أقرته، بمنح المحكمة الدستورية العليا سلطة وقف نفاذ قرارات المنظمات الدولية وأحكام المحاكم وهيئات التحكيم الأجنبية.

وقد ثارت، فى الأيام الماضية، مناقشات واسعة بين المهتمين بموضوع الاستثمار وخبراء القانون الدولى والمسؤولين الذين استوقفهم ما يمكن أن يؤدى إليه هذا القانون من ردة خطيرة فى قدرتنا على جذب الاستثمار وفى مكانتنا الدولية.

لذلك سعدت كثيرا بما أسفرت عنه مناقشات اللجنة العامة لمجلس النواب من تعديل جزئى للقانون المعروض واستبعاد أحكام التحكيم الدولى من نطاق مراجعة القضاء الدستورى، وذلك وفقا للمنشور إعلاميا.

وجه ارتياحى لاستبعاد التحكيم الدولى من رقابة المحكمة الدستورية ليس بالتأكيد أننى غير مكترث بما عانت مصر منه قبل سنوات من أحكام سلبية وتعويضات كبيرة وإساءة لسمعتنا الاستثمارية، فهذا أمر لا يرضى أحدًا ولا يجوز الاستهانة به. ولكن تقديرى أن هذه التعويضات، مع فداحتها، لا تقارن بحجم الضرر الخطير الذى كان سيقع علينا لو تم إقرار القانون على حالته الأولى، وأن مصر كانت ستعتبر خارجة عن المجتمع الدولى فيما يتعلق بمنظومة فض المنازعات الدولية.

كذلك أجد من الإنصاف أن نقر ونفخر بأن المعنيين بهذا الملف الشائك، سواء فى وزارة العدل أم فى هيئة قضايا الدولة، قد نجحوا، خلال الأعوام الماضية، فى تطوير عمل الإدارات التابعة لهم ورفع كفاءتها وضم خبرات شابة ومتعلمة إليها، فصرنا أكثر قدرة على التعامل مع ما يواجهنا من تحكيمات دولية. وفى كل الأحوال فإن قضايا التحكيم – مثلها مثل كل المنازعات القضائية – لا تكون نتيجتها رهنا بكفاءة المحامى أو «شطارته» بقدر ما ترتبط بقوة أو ضعف موقف ومستندات وتصرفات كل طرف. ولذلك فالواجب أن نضع جهدنا فى توعية الشركات والهيئات الحكومية بكيفية إبرام عقود دولية ومتابعة تنفيذها وتجنب الإخلال بأحكامها حتى لا نتسبب فى تكرار خسائر الماضى.

مع ذلك، ومع سعادتى بما انتهت إليه اللجنة العامة فى البرلمان من استبعاد لأحكام التحكيم الأجنبى من نطاق مراجعة القضاء الدستورى، فإن الموضوع لايزال فى تقديرى غير منتهِ، بل يستحق المزيد من المتابعة والتفكير قبل إقراره النهائى من البرلمان والتصديق عليه من السيد رئيس الجمهورية.

فالقانون لايزال يمنح القضاء الدستورى حق وقف نفاذ (عدم الاعتداد) بقرارات المنظمات الدولية وأحكام المحاكم الأجنبية متى رتبت على مصر التزامات وكانت متعارضة مع دستورنا. وإذا كنت شخصيا قد عبرت عن رأيى بوضوح فيما يتعلق بأحكام التحكيم وأثره على الاستثمار استنادا إلى أن لى فى هذا الموضوع بعض الخبرة والمتابعة، فإننى أحيل بالنسبة لقرارات المنظمات الدولية وأحكام المحاكم الأجنبية إلى زملائى وأساتذتى الأكثر قدرة على التعليق، وأنصح الحكومة والبرلمان بأن يستطلعا رأيهم قبل إقرار القانون.

أن نكون جزءا من المجتمع الدولى والاقتصاد العالمى أو لا نكون.. هذا قرار وجودى ولا يحتمل التردد. وبإمكان من يشاء من الدول أن يخرج نفسه من المحيط الدولى ويعيش بأسلوب كوريا الشمالية وغيرها من النظم المنعزلة تماما مع كل ما يترتب على ذلك من عواقب لا أظن أن شخصا عاقلا يقبلها. أما إذا كنا نعتقد أننا جزء من العالم وعضو فى المجتمع الدولى فإن هذا يقتضى التفاعل معه بالقواعد السائدة واحترام آلياته وإدراك أن هذه العضوية تجلب منافع كما تأتى أحيانًا بتكلفة. وقبول عضوية المجتمع الدولى لا تعنى الانبطاح التام أمام كل ما هو وافد، بل علينا الدفاع عن مواقفنا ومبادئنا وقيمنا ودستورنا، ولكن ليس بطريق المقاطعة والانعزال، بل بالاشتباك مع المحيط العالمى وباستخدام أدوات العصر وبالاعتماد على خبرائنا فى الدبلوماسية والقانون والاقتصاد وسائر المجالات الدولية، من المقيمين فى مصر والمهاجرين وممن تستفيد منهم الدول العربية الشقيقة لأن هذا هو المسار السليم للتفاعل مع عالم اليوم.

وفى انتظار ما تسفر عنه جلسات مجلسنا التشريعى وما يرى خبراؤنا فى القانون الدولى أن يضيفوه لهذا الموضوع الهام.

مصدر المقالة | موقع المصري اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى