للمتقاضين.. هل يجوز سحب أحكام محكمة النقض؟
للمتقاضين.. هل يجوز سحب أحكام محكمة النقض؟
من المعلوم أنه “لا نقض في النقض”، فلا يمكن الطعن على أحكام محكمة النقض بأي طريق
– ولكن – ماذا يحدث في حالة وقوع أخطاء مادية لا يصلح معها التصحيح – بمفهومة التقليدي –
في حكم لمحكمة النقض؟ هذا الأمر أدى لظهور فكرة سحب حكم النقض وإصدار حكم جديد،
كما أن هناك مسألة حجية الأمر المقضي من الموضوعات الكبرى في قانون المرافعات،
ونصادف عبارات لمحكمة النقض تحمل طابعا تقديسيا للأحكام الحائزة قوة الأمر المقضي،
منها ماقضت به مؤخرا بقولها: المقرر– في قضاء محكمة النقض- أن قوة الأمر المقضي التي تلحق بالأحكام النهائية،
حتى لو أقيمت على قاعدة غير صحيحة فى القانون تعلو اعتبارات النظام العام”،
طبقا للطعن رقم 3866 لسنة 75 قضائية، الصادر بجلسة 21 مارس 2021.
بالنظر إلى فكرة سحب الحكم من الناحية التشريعية، نجد أن قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري،
لم يرد فيه إلا نص واحد يخول محكمة النقض فيه حق سحب الحكم في حالة قيام سبب من أسباب عدم الصلاحية،
بأحد قضاتها الذين أصدروا الحكم، وهذه الأسباب وردت حصراً فى المادة 146 مرافعات،
وهم “5” أسباب تم النص عليهم على سبيل الحصر، وقد نصت على ذلك صراحة المادة 147 مرافعات،
والتى نصت علي أن: “يقع باطلا عمل القاضي أو قضاؤه في الأحوال المتقدمة الذكر ولو تم باتفاق الخصوم،
وإذا وقع هذا البطلان في حكم صدر من محكمة النقض جاز للخصم أن يطلب منها إلغاء الحكم،
وإعادة نظر الطعن أمام دائرة أخري”.
سحب أحكام محكمة النقض
في التقرير التالى، يلقى “برلماني” الضوء على إشكالية سحب أحكام محكمة النقض، والحالات التي يجوز فيها لمحكمة النقض العدول عن أحكامها،
خاصة وان محكمة النقض تقول في أحكامها بشكل صريح أن قوة الأمر المقضي تعلو على اعتبارات النظام العام،
حتى لو كان الحكم خاطئا، وهذه العبارات قد تبدو صادمة لغير المتخصصين،
ولكن لا يخفى على المتخصصين أن لقاعدة قوة الأمر المقضي اعتبارات هامة تتمثل في الاستقرار والأمن القانوني حتى لا تتأبد الخصومات،
وقد نالت قاعدة حجية الأمر المقضي وقوته نصيبا وافرا من الكتابات الفقهية،
تستحق أن نفرد منشورا مستقلا لعرضها – بحسب الخبير القانوني والمحامية رحاب سالم.
في البداية – هناك وسائل استثنائية للتحلل من هذه القاعدة الخطيرة التي تعلو على اعتبارات النظام العام،
والمسألة المطروحة هنا تتمثل في الأحكام الباطلة “أو فلنقل المنعدمة من باب أولى” الحائزة قوة الأمر المقضي،
هل تتحصن بقاعدة قوة الأمر المقضي أم أن هناك وسيلة للنيل منها؟
وفي هذا الإطار نود أن نشير الي مسألة أكثر عمقا وأهمية وهي الأحكام الباتة الصادرة عن محكمة النقض،
فالبيتوتة أقوى من قوة الأمر المقضي، ذلك أن الأخيرة تثبت الأحكام النهائية حتى لو كانت صادرة من محاكم الاستئناف أو أول درجة،
فمابالك بقوة الأحكام الصادرة من محكمة النقض التي لا تقبل الطعن بأي وسيلة من الوسائل – وفقا لـ”سالم”.
موقف محكمة النقض من سحب الأحكام:
هذا وقد برر هذا نص المادة 147 مرافعات فى المذكرة الإيضاحية بقولها: “أن عمل القاضي في الأحوال المتقدمة|،
ولو بإتفاق الخصوم يقع باطلا بحيث يجوز الطعن فيه بطرق الطعن المقررة، وزيادة في الاطمئنان والتحوط لسمعة القضاء،
نص على أنه إذا وقع هذا البطلان في حكم صدر من محكمة النقض جاز للخصم أن يطلب منها سحب الحكم وإعادة نظر الطعن،
وهذا استثناء من الأصل العام الذي يجعل أحكام محكمة النقض بمنجي من الطعن” – الكلام لـ”سالم”.
يقتضي الأمر التفرقة بين موقف الدوائر الجنائية والدوائر المدنية على النحو التالي:
أولا: موقف الدوائر الجنائية بمحكمة النقض
تنص المادة 38 من القرار بقانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض على أنه:
“إذا رفض الطعن موضوعا فلا يجوز بأية حال لمن رفعة أن يرفع طعنا أخر عن الحكم ذاته لأي سبب ما”،
ويجدر الإشارة إلى أن هذا النص لا يتعلق إلا بحالة رفض الطعن الأول موضوعا بالنسبة لمن كان طرفا فيه، وليس شكلا،
فعدم توقيع أسباب الطعن من محام مقبول أمام محكمة النقض قبل فوات مواعيد الطعن المقرر قانونا،
يحتم على المحكمة الحكم بعدم قبول الطعن وليس بعدم الجواز – طبقا لـ”سالم”.
وقد استقرت أحكام محكمة النقض “الدائرة الجنائية” على عدم جواز الطعن الثاني ممن رفع الأول بأية صورة،
كما ترفض أي تحايل في هذا الصدد عن طريق تقديم التماس إعادة النظر أو إشكال في التنفيذ،
وعلة ذلك هو رغبة المحكمة في كبح جماح الطعون التي ترفع بغير تروٍّ ، لأن القول بغير ذلك معناه أن تتكرر الطعون دون قيد،
فلا يحوز الحكم ابدأ الصفة الباتة، ومع ذلك فقد جرت محكمة النقض “الدائرة الجنائية” على سحب الحكم،
عند وقوع خطأ مادي نظرا لتعلق الأمر بالأرواح والحريات، وهو الذي يعد من قبيل الاستثناء الذي يجب قصره،
في نطاق ما استثن من أجله وعدم التوسع فيه – هكذا يقول الخبير القانونى.
11 حالة لعدول محكمة النقض عن أحكامها
وقد أجازت محكمة النقض في حالة الحكم بعدم القبول شكلا “الرجوع” عنه إذا تبين للمحكمة،
عدم صحة ما استندت إليه للنطق بهذا الحكم، وتطبيقا لذلك حكمت محكمة النقض بحقها في العدول عن أحكامها،
في أحوال مخصوصة تحقيقا لحسن سير العدالة إذا ما حكمت بعدم قبول الطعن شكلا استنادا إلي أمر معين،
ثم يتبين عدم صحته بما يخرج عن إرادة الطاعن، وذلك في الحالات التالية:
الحالة الأولى:
عدم تقديم الطاعن أسبابا لطعنه، وتبين فيما بعد أن الطاعن قد قدم الأسباب في الميعاد،
ولكن قلم كتاب النيابة العامة المختصة قصر في إرسالها إلي قلم كتاب محكمة النقض .
الحالة الثانية :
عدم علم الطاعن بالجلسة التي عجل إليها نظر الطعن ولم يشرع مرافعة فيها، ويتبين أنه لم يعلم بها.
الحالة الثالثة :
حصول تقرير الطعن بالنقض بعد انقضاء الميعاد القانوني، علي الرغم أن الطاعن كان قد قرر بالطعن في الميعاد.
الحالة الرابعة :
ثبوت وفاة الطاعن قبل صدور الحكم – وهي واقعة لم تكن معلومة للمحكمة وقت صدوره –
حيث يتعين العدول عن الحكم، والقضاء بانقضاء الدعوي الجنائية لوفاة المحكوم عليه.
الحالة الخامسة :
سقوط الطعن بعدم تقدم الطاعن للمثول للتنفيذ قبل إصدار الحكم، ثم يتبين أن التنفيذ قد أوقف قبل هذا الحكم لحين الفصل،
في الإشكال الذي رفعه الطاعن ولم يفصل فيه حتى نظر الطعن ، وأن الإشكال قد قضي فيه بوقف التنفيذ مؤقتا،
حتي يفصل في الطعن بالنقض، فسقط عنه منذ هذا التاريخ، وقبل صدور القرار بسقوط الطعن،
الالتزام بالتقدم للتنفيذ “مما يتعين معه” الرجوع في “قرار غرفة المشورة بسقوط الطعن وإلزام الطاعن المصاريف المدنية”.
الحالة السادسة:
عدم توقيع أسباب الطعن من محام مقبول أمام محكمة النقض ثم يتبين عكس ذلك.
الحالة السابعة:
عدم توقيع أسباب الطعن ثم تبين بعد ذلك أن صورة مذكرة الأسباب موقعة بتوقيع واضح لمحامي مقبول أمام محكمة النقض.
الحالة الثامنة:
صدور الحكم المطعون فيه من محكمة أمن الدولة العليا، ويتبين أنه صدر من محكمة الجنايات،
مشكلة وفقا لقانون الإجراءات الجنائية وليس باعتبارها محكمة أمن دولة عليا.
الحالة التاسعة:
عدم إيداع محامي الطاعن التوكيل بالطعن، ويتبين ثبوت وجود التوكيل قبل نظر الطعن،
وأن تعذر إيداعه ملف الدعوى يرجع إلى وفاة المحامي بما يخرج عن إرادة الطاعن.
الحالة العاشرة:
عدم وجود توكيل من محامي الطاعن يخوله الطعن بالنقض، ويبين أن هذا التوكيل كان ضمن مرفقات ملف الطعن بالفعل ،
أو أن التوكيل المقدم هو صورة ضوئية لتوكيل غير مصدق عليه رسميا ثم يتبين إنه كان مقدما عند التقرير بالطعن بالنقض،
ومرفقا بمفردات الدعوى ولم يرد ضمن أوراق الطعن عند نظره بالجلسة أمام غرفة المشورة.
الحالة الحادية عشرة:
امتداد أثر الطعن إلى جميع المتهمين ثم يتبين أن بعضهم لم يكن طرفا في الخصومة الاستئنافية،
ومن ثم فلا مصلحة لهم في امتداد أثر الطعن إليهم وقد قضى لهم بالبراءة وهو حتما ينطوي ضمنا على رفض الدعوى المدنية،
بالنسبة لهم فضلا عن أن المدعي بالحق المدني يطعن على الحكم بطريق النقض،
الأمر الذي يستوجب الرجوع في الحكم عما قضى به من امتداد أثر الطعن إليهم).
ملحوظة: في كل هذه الحالات رأت الدوائر الجنائية بمحكمة النقض الرجوع في حكمها أو عنه،
كلما كانت هناك جدوى من الرجوع ونظر الطعن من جديد مغلبه في ذلك اعتبارات حماية الصالح العام.
ثانيا: موقف الدوائر المدنية والتجارية بمحكمة النقض
قضت محكمة النقض، استنادا إلى المادتين 90 و92 من القانون رقم 56 لسنة 1959 في شأن السلطة القضائية،
بحظر الطعن في الأحكام الصادرة من الهيئة العامة للمواد المدنية والتجارية بمحكمة النقض بأي طريق من طرق الطعن العادية وغير العادية،
سواء أمام محكمة النقض أو غيرها من المحاكم لما في ذلك من مساس بحجية أحكام محكمة النقض، بما في ذلك إعادة النظر،
وأغلقت السبيل إلى إلغائها إلا استنادا إلى توافر سبب من أسباب عدم الصلاحية بأحد القضاة الذين أصدروه،
وذلك زيادة في الاصطيان والتحوط لسمعة القضاء.
تطبيقا لذلك رفضت محكمة النقض تعييب حكمها ولو كان سند الطالب في ذلك هو العدول عن مبدأ قانوني قررته أحكام سابقة،
وصدر الحكم دون إحالة إلى الهيئة العامة المختصة على خلاف ما تقضي به المادة الرابعة من القانون 56 لسنة 1959،
أو حتى مجرد سبق صدور حكم آخر لمحكمة النقض، أو عدم دستورية القانون الذي صدر علي أساسه حكم النقض،
المطلوب عدم الاعتداد به، وانعدام حكم النقض لبطلان إعلان تقرير الطعن، أو بطلان صحيفة الطعن،
لعدم التوقيع عليها من محام مقبول أمام محكمة النقض، في هذه الحالات جميعا رفضت الدوائر المدنية والتجارية للمحكمة،
أن ترجع عن قضائها وتسحب حكمها استنادا إلى الأصل العام وهو عدم جواز سحب الأحكام في المسائل المدنية.
سكوت المشرع عن علاج هذه الحالة
ورفضت المحكمة طلب الطاعن منها – إزاء سكوت المشرع عن علاج هذه الحالة – التمسك بالمصادر الأخرى للتشريع المشار إليها،
في المادة الأولى من القانون المدني من عرف ومبادئ الشريعة الإسلامية وقانون طبيعي وقواعد العدالة،
لإثبات حق محكمة النقض في سحب أحكامها المشوبة بأخطاء غير مادية، على سند من القول،
بأن القوانين المتعلقة بالتنظيم القضائي والمرافعات المدنية هي المشتملة على الإجراءات والأوضاع التي تلزم مراعاتها،
عند الالتجاء إلى القضاء وبكيفية الفصل في الدعوى وقواعد إصدار الأحكام،
وتنفيذها لا شأن لها بجوهر الحقوق الموضوعية ولا بالنصوص القانونية المنظمة لها .
وأكدت محكمة النقض على أن المصدر الوحيد لهذه القوانين هو التشريع المتمثل أساسا في مجموعة المرافعات المدنية والتجارية،
والتشريعات المكملة لها دون ما اعتداد بأية مصادر أخرى، وأوضحت بأن سندها في ذلك هو أن القضاء المدني،
الذي تعرض عليه خصومات مرددة بين الأفراد وتتصل بأموالهم ويدلى كل خصم فيها حقا يناهض حق الآخر،
ويوازن القاضي بين دفاع كل منهما ويرجح أحدهما على الآخر، وهو ما يستلزم بطبيعة الحال استقرار المراكز القانونية،
وعدم قلقلتها فلا تجوز المحاجاة بما درجت عليه الدائرة الجنائية في هذا الصدد.
نص المادة 272 من قانون المرافعات
وأضافت أن نص المادة 272 من قانون المرافعات قاطع في هذا الصدد حيث يحظر الطعن في أحكام محكمة النقض،
بأي طريق من طرق الطعن، وهي عبارة تغطي بعمومها وإطلاقها كافة أحكام محكمة النقض،
وكان نصها بهذه المثابة باقيا على عمومه لم يدخله التخصيص، بل وأطلق عن قرينة تمنع من إرادة تخصيصه،
لذا انتهت المحكمة إلى أن ما يتذرع به الطاعن من إجازة الطعن في الأحكام الصادرة من محكمة النقض،
بدعوى مخالفتها لحكم نهائي حائز قوة الأمر المقضي ينطوي على مجاوزة لمراد الشارع.
وفي هذا الصدد قضت الدائرة المدنية لمحكمة النقض بأنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن ليس في نصوص قانون المرافعات،
ما يحول دون أن يرفع الطاعن بالنقض طعنا آخر عن ذات الحكم ليستدرك ما فاته من أوجه الطعن،
طالما كان ميعاد الطعن ممتدا وكان لم يسبق الفصل في موضوع الطعن الأول، وعندئذ تضم محكمة النقض الطعنين للارتباط،
مفاد ذلك أن جواز رفع طعن ثان عن ذات الحكم ممن رفع الطعن الأول مشروط بأمرين وهما:
الأول: أن يكون ميعاد الطعن ممتدا.
الثاني: ألا يكون قد سبق الفصل في موضوع الطعن الأول، حيث يتعين في هذه الحالة احترام كون الحكم قد أصيح باتا.
وقد أكدت محكمة النقض على أن جزاء تخلف أحد هذين الشرطين هو الحكم بعدم قبول الطعن الثاني،
في حين تلتزم المحكمة بالحكم بعدم جواز قبول الطعن إذا كان قد سبق الفصل في موضوع الطعن الأول،
أو كان ميعاد الطعن قد انقضى بالفعل عند إيداع الطاعن لأسبابه الجديدة.
مصدر الخبر | موقع برلماني