ماذا يعني حكم الدستورية بالسماح برجوع الوالدين في الهبة للأبناء؟ تفاصيل القضية والحيثيات
أصدرت المحكمة الدستورية العليا اليوم حكما مهما بشأن الهبة في القانون المدني، فيما يخص العلاقة بين الأب وأبنائه، وذلك بعدم دستورية البند “هـ” من المادة 502 التي كانت تمنع قبول طلب الرجوع في الهبة لذوي الرحم المحرّم
والرحم المحرّم هم الأشخاص الذين لا يجوز التزاوج فيما بينهم، أي تحرّم الشريعة الإسلامية الزواج بينهم، فذكور الرحم المحرّمون لا يجوز لهم الارتباط بإناث الرحم المحرّمات، وهم: الأم والأب، والبنات والأبناء، والأخوات والإخوة، والخالات والأخوال، والعمات والأعمام
وبناء على هذا الحكم يجوز للأب أو الأم تقديم طلب للمحكمة المختصة بالرجوع في الهبة لأبنائهم وبناتهم، ويجوز للمحكمة فحص الطلب والتصدي له موضوعا حسب الأحوال، بعدما كان لزاما عليها الحكم بالرفض
ملابسات القضية
أقام مواطن من بورسعيد هذه الدعوى أمام المحكمة الدستورية العليا بعدما صرحت له محكمة بورسعيد الابتدائية بذلك عام 2008
حيث كان المواطن قد أبرم عقد وكالة وتنازل لابنتيه دون قبض الثمن، هو في حقيقته عقد هبة، بميراثه في تركة زوجته (أمهما) وثلاث وحدات سكنية
وقال المواطن في دعواه إن حالته تتوافر بها الدواعي القانونية للرجوع في هذه الهبة، حيث أقامت ابنتاه دعاوى قضائية كيدية ضده لزواجه من أخرى بعد وفاة والدتهما، رُزق منها بابنين، مما أضنى حالته الاقتصادية وأرهق كاهله بالمصروفات وأعجزه عن الإنفاق على أسرته
الحيثيات
قالت المحكمة الدستورية العليا في حيثياتها -بحسب بيان للمستشار محمود غنيم رئيس المكتب الفني- إن المشرع استقى حكم منع الوالد من التراجع في الهبة لأبنائه من الفقه الحنفي، ولو كان لديه عذر يبيح ذلك
بينما أجاز جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة وعلماء المدينة ذلك
وأضافت المحكمة أن هذا يدل على عدم وجود نص قطعي الثبوت والدلالة في مبادئ الشريعة الإسلامية يحكم هذه المسألة، ومن ثم تعتبر من المسائل الظنية التى يجوز فيها الاجتهاد، وهي بطبيعتها متطورة، تتغير بتغير الزمان والمكان
وإذا كان الاجتهاد فيها حقًا لأهل الاجتهاد، فمن باب أولي يكون هذا الحق لولي الأمر (المشرع)، لينظر في كل مسالة بما يناسبها، في إطار المقاصد الكلية للشريعة الإسلامية، بما تقوم عليه من الحفاظ علي الدين والنفس والعقل العرض والمال
ذكرت المحكمة أن منع الأب من الرجوع في الهبة يجعله في حرج شديد، ويرهقه من أمره عسرًا، ويعرضه لمذلة الحاجة بعد أن بلغ من العمر عتيا، إذا أحوجته الظروف لاسترداد ما وهبه لابنه، ورفض الابن إعادة الهبة، إضرارًا به، مستغلًا أن النص المطعون فيه يمنع الأب من الحصول علي حكم قضائي في هذا الشأن، ضاربًا عرض الحائط بالواجب الشرعي والأخلاقي لبر الوالدين، وعدم عقوقهما، والاحسان إليهما وطاعتهما في غير معصية
ومن ثم، يكون منع القضاء من الترخيص للأب في الرجوع في الهبة، ولو توافر له عذر يبيح ذلك، ينطوي على تمييز غير مبرر ولا يستند لمبرر موضوعي
فضلاً عن كونه يتصادم مع ضوابط الاجتهاد والمقاصد الكلية لشريعة الإسلامية، وذلك بالمخالفة لأحكام المواد (97،92،53،2) من الدستور
مصدر الخبر | موقع الشروق