الهيئات القضائية

بمناسبة عيده الماسي.. توثيق دور مجلس الدولة في الحفاظ على السيادة الوطنية ضد الاحتلال البريطانى وتدعيم الضباط الأحرار بالجيش عمل قومى للبلاد

بمناسبة الإحتفل بالعيد الماسى لمجلس الدولة – مرور 75 عامًا على إنشائه-، وفى دراسة توثيقية بعنوان «الغائب في اليوبيل الماسى لمجلس الدولة تاريخ ومواقف» أجراها المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة، أكدت الدراسة أن الرئيس عبدالفتاح السيسى يقيم وزنًا كبيراً للمعلومات ويقدر أهمية وقيمة التوثيق في حياة الشعوب والأمم , وإذا قيل في الميدان السياسى أننا نظلم أنفسنا كما نظلم أنظمتنا السياسية حين نحكم عليها وعلينا على أساس المقارنة مع الأنظمة العريقة المتقدمة في مجال الديمقراطية بعديد من العقود بل القرون , فإنه على العكس تماماً نقول أن قضاء مجلس الدولة المصرى ولد منذ البداية عملاقاً في الفكر القانونى على نحو يضاهى- وأحياناً يفوق- مجلس الدولة الفرنسى النسخة الأصلية في العالم لنشأة نظام مجلس الدولة , وهذا العمل التوثيقى الذي قمت به في بيان تاريخ الأجداد الأوائل منذ 75 عاما للحفاظ على السيادة الوطنية ضد الاحتلال البريطانى وتدعيم ثورة 23 يوليو من الضباط الأحرار من الجيش المصرى هو جهد فردى نابع من حكم الانتماء للوطن ولصرح مجلس الدولة يوضح هذا الدور الغائب عن الأجيال والمجتمع .

وأضافت الدراسة أن‏ توثيق الأعمال والأحداث التي عاصرت نشأة مجلس الدولة خاصة دوره في الحفاظ على السيادة الوطنية ضد الاحتلال البريطانى وتدعيم الجيش من خلال الضباط الأحرار هو عمل قومى للبلاد، إنه توثيق لحق المعرفة، وتوفير الأدلة والحيثيات، ولأن مجال تخصصى العلمى هو تاريخ القانون العام الذي يهتم بدراسة تاريخ الشعوب أعلم أهمية فروع علوم التاريخ التي تعنى بحفظ المعلومات والأحداث التاريخية للسيطرة على المعلومات من الطمس أو التزييف , بحسبان أن التوثيق ذاكرة الأمة الحصينة التي لا يجب أن يدركها النسيان لتصل حاضر الأمة بماضيها دالة على نضالها الأمة من خلال حركة الزمن .

إن قولنا أن توثيق التاريخ القضائى والافتائى لنشاة مجلس الدولة منذ عام 1946 بأحداثه هو عمل قومى للبلاد ليس ترفاً، فهو علم أسس إرهاصاته كل من بول أوليت ( 1868- 1944) وهنرى لافونتين (1854-1945)، وكما يقول المؤرخ الأمريكي المعروف «James Garfield Randall» – وهو الحاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة شيكاغو 1912 واشتهر بمنهجيته العلمية وإتقانه للقضايا الدستورية، وانتقد الحرب العالمية الأولى التي خلفت الدمار للبشرية وكان يرى امكانية تجنبها بافتراض أن شيئاً أكثر من الحنكة السياسية والاعتدال والتفاهم، وبشيء أقل من حب الوطن الاحترافي وصنع الشعارات وحفظ ماء الوجه والصخب السياسي والدعاية التي كانت في كلا الجانبين – يقول :«إن توثيق الأحداث المختلفة التي يمر بها الإنسان والبلدان ليست مهمة فقط حتى لا ننسى تجاربنا أو نوثق التاريخ لمجرد التوثيق، بل هي مهمة لتحقيق العدالة الاجتماعية في العالم من حولنا، إن الوثائق تحسن من حياة المواطنين وتسيرها للأفضل» كما أن Samuel C. Bradford «» – وهو عالم رياضيات بريطاني، أمين مكتبة وكاتب توثيق في متحف العلوم في لندن وانتخب رئيسًا للاتحاد الدولي للمعلومات والتوثيق (FID) في عام 1945- أصدر كتاباً عام 1948 سمّاه التّوثيق Documentation، نشرت طبعته الثانية في واشنطن أوضح فيه أن التوثيق عمل تقدمى للمجتمعات لجمع المعلومات وتصنيفها وجعلها في متناول العقول , وبهذه المثابة أضحى التوثيق حقاً غير قابل للتبعيض أو التجزئة, وبات من أصول مقومات الدول المدنية الحديثة يحفظ للأوطان تاريخها ومجدها .

كما أوضحت الدراسة أن مجلس الدولة كان أول مجلس في قارتى أفريقيا وأسيا تعبيراً عن النضج القومى لمصر المحروسة صاحبة حضارة سبعة اَلاف عام، ولما زادات حاجات الناس وثارت نزاعات بينها وبين جهات الدولة التي تقدم الخدمات إليهم وتشابكت مصالح المرافق العامة وموظفيها، وسائر المواطنين المستفيدين من خدمات الدولة , فبدت الحاجة لإنشاء مجلس الدولة كقاضٍ متخصص في المنازعات الإدارية المثارة بين الدولة وموظفيها من ناحية ومواطنيها من ناحية أخرى , ليكون موئلاً يهرع إليه كل من مسه ضر إدارى , فيرسى دعائم القانون خالية من الهوى والاعتساف , فضلاً عن أنه مستشار الإدارة الأمين , فأضحت الغاية من إنشاء محاكم مجلس الدولة بأول قانون لها رقم 112 لسنة 1946 تبغى في ساحة العدل إنصاف كل مظلوم , فلا يفتأ من بيده سلطان إدارى خوفاً أو طمعاً إلا جانب الحق والعدل , فَفُتحت أبوابه ولم يوصد في وجهه طارق , فمن ثم عُد إنشاء مجلس الدولة عام 1946 في العهد الملكى كأول مجلس في قارتى أفريقيا وأسيا ولسائر العرب تعبيراً دقيقاً عن النضج القومى لمصر المحروسة صاحبة حضارة سبعة اَلاف عام .

وأضاف الدكتور محمد خفاجى في دراسته أن مجلس الدولة لعب دوراً عظيماً في حياة الامة المصرية منذ نشأته في الحفاظ على السيادة المصرية ضد الاحتلال البريطانى ولترسيخ دعائم الجيش في ثورة الضباط الأحرار، وهذا الدور غائب عن كثير من الأجيال سواء من القضاة أو غيرهم ،وكذلك من المجتمع الحالى وكبار المسؤولين وكاد يمحوه الزمان في عطر الحياة , لكنه باق مع الزمن لأنه يمثل عبق الماضى الذي سطره الأجداد من قضاة مجلس الدولة في رعيله الأول , لذا تبدو أهمية التوثيق في حفظ هذا التراث القضائى , فحفظ التاريخ لكل أمة وكل دولة من الأعمال الوطنية المنصفة يروي أحداثها ومسيرتها على مدى العصور شاهداً على ما مرت به مصر من أحداث اجتماعية واقتصادية وثقافية وسياسية وعسكرية، وقد اَليت على نفسى أن اُسجل الأحداث التي كانت ملازمة لنشأة مجلس الدولة في تلك الحقبة من بلادنا شديدة التطور والانتقال من النظام الملكى إلى النظام الجمهورى وما حواه من صعوبات جمة , فقمت بكل موضوعية وتجرد ومصداقية بتصوير الوقائع كما هي بجميع أحداثها وحيثياتها , ليكون توثيق دور مجلس الدولة منذ نشأته وبعد عقود من الزمن غير مشوب بالتأويل أو الاستنتاج , لتصبح مراَة روايات هذا الدور العظيم أمام أعين الأجيال الحديثة دون ما يقوم به الكارهين للوطن من تحريف أو تشويه أو اختزال بسبب تواتر الأحداث من جيل إلى آخر عبر الزمان .

وأكدت الدراسة أن تراث الأجداد الأوائل ضد الاحتلال البريطانى وتدعيم مجلس قيادة ثورة 23 يوليو غائب عن الأكاديميات الوطنية بسبب أن دراسة توثيق التراث لم تلقى بالاً من رؤساء مجلس الدولة على مدار تاريخها الحديث.

يضيف الدكتور محمد خفاجى إن قصة القاضى الأول لمجلس الدولة في زمن نِشأته عام 1946 تعني – من وجهة نظرنا – جزءاً من تاريخ مصر، وإن لم يدون التاريخ دوره في بكل حيثياته وأحداثه في الحفاظ على السيادة المصرية ضد الاحتلال البريطانى ولترسيخ دعائم الجيش في ثورة الضباط الأحرار، فلن تتمكن الأجيال المستقبلية من استيعاب الماضي وفهم أبعاده الوطنية المخلصة ونظرته الواعية لأمور الشأن العام شأن الأمة في كيانها وجوهرها ،وهو دور غائب عن الأكاديميات الوطنية المصرية الحديثة التي لا تعلم عن هذا التراث شيئاً، وهو جزء مهم للغاية كمقدمة حتمية ضرورية لمناهج تدريباتها الوطنية المتنوعة الحديثة , وبالتأكيد السبب لا يرجع إلى تلك الأكاديميات بل لمجلس الدولة ذاته الذي لم يوفر لها هذه الأرضية الوطنية المخلصة للبلاد كقاضٍ مكين ومستشار الدولة الأمين , فلم تلق دراسة توثيق التراث التاريخى لمجلس الدولة بالاً من رؤساء مجلس الدولة على مدار تاريخها الحديث بإستثناء ذلك الدور العرضى الذي قام به المجلس في عيده الذهبى في مارس 1997 (1947-1997) في ولاية رئاسة المرحوم المستشار على الخادم بعرض بعض مقتطفات من الماضى دون تناول أحداثها بالتأصيل أو الشرح أو التفسير .

أضافت الدراسة أن الموظفين والوزارات والهئيات والمؤسسات التي ينتمون إليها هم دعامة الحكم وأداة النظام الحاكم، فمن دعائم الإستقرار أن يحيط العدل الإدارى بين الجميع، والرأى عندى أن صياغة التشريعات التي تقوم عليها المجالس النيابية على الرغم من كونها مهمة عظيمة تقتضى تقصى مواطن حاجات المجتمعات والناس لتعبر عنها وتنظم سلوكهم وترتب شئونها , إلا أنه يبقى دوماً أهمية دور القاضى في حسن تطبيق نصوص القوانين والنظر إلى غاياتها وفلسفة وضعها حتى يتحقق العدل للناس فيتقون به الزلل ويأمنون فيه العثار ويجدون فيه الإنصاف والفخار, وهو ما يدعونى أن أسجل بعد مرور (75) عاماً على إنشاء مجلس الدولة لقضاته الأجداد الأوائل العِظام كل التحية لأراوحهم الطاهرة السامية ,وهم الذين أنشأوا في أحكامهم أصول القانون الإدارى وتطويره بهدى من ضمائرهم ورفعوا للعدل منارة مستجدة تزهو بها أجيال تعاقبت على هذا الرعيل الأول جيلاً بعد جيل حتى اليوم , فأعطوا من كيانهم وجوداً حقق للناس رحمة وأمناً , وأعطى للبلاد استقراراً وعدلاً .

 

مصدر الخبر | موقع المصري اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى